ترمب: مستعدون لأسوأ خيار في التعامل مع إيران

واشنطن ترفض مزاعم طهران بالقبض على شبكة تجسس أميركية... بومبيو: الاتفاق النووي جعل إيران أكثر عدوانية وكذبها مستمر منذ أربعين عاماً

السفينة بوكسرالتابعة للبحرية الأميركية والتي «دمرت» طائرة درون إيرانية في مضيق هرمز، اثناء دوريه في خليج عمان  الجمعة (رويترز)
السفينة بوكسرالتابعة للبحرية الأميركية والتي «دمرت» طائرة درون إيرانية في مضيق هرمز، اثناء دوريه في خليج عمان الجمعة (رويترز)
TT

ترمب: مستعدون لأسوأ خيار في التعامل مع إيران

السفينة بوكسرالتابعة للبحرية الأميركية والتي «دمرت» طائرة درون إيرانية في مضيق هرمز، اثناء دوريه في خليج عمان  الجمعة (رويترز)
السفينة بوكسرالتابعة للبحرية الأميركية والتي «دمرت» طائرة درون إيرانية في مضيق هرمز، اثناء دوريه في خليج عمان الجمعة (رويترز)

شدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، على أن بلاده مستعدة لكل الخيارات في التعامل مع إيران، لافتاً إلى أن النظام الإيراني يعاني الفوضى والأزمة الاقتصادية والمظاهرات، وأنه مستمر في الكذب ورعاية الإرهاب، مشيراً إلى صعوبة إبرام اتفاق مع إيران في ظل تلك التصرفات.
وقال ترمب، خلال استقباله رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، إن «إيران لا تعرف أين تقف. والتقارير تشير إلى أنهم يعانون مشكلات اقتصادية، ويواجهون مظاهرات ومعدلات تضخم بلغت 57 في المائة، ويكذبون كثيراً»، وأضاف: «اضطررنا لضرب الطائرة المسيرة الإيرانية، وزعموا أن هذا لم يحدث! وأقول لهم: انظروا إلى بقايا الطائرة على المياه. واليوم، تحدثوا عن تفكيك شبكة تجسس وعملاء للاستخبارات الأميركية، وهذه كذبة أخرى!».
وشدد ترمب على أن «الولايات المتحدة مستعدة لأسوأ خيار مع إيران، ومستعدة أيضاً للحوار، لكن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب»، وتابع أن «الصفقة التي أبرمها الرئيس أوباما كانت كارثية، وأعطتهم 150 مليار دولار، إضافة إلى 1.8 مليار من الأموال السائلة. وبدلاً من أن يكونوا شاكرين لأميركا ولأوباما، قاموا برفع أصبعهم في الهواء ضد أميركا، والآن أصبح صعباً إبرام اتفاق مع إيران، وأمامنا طريقان، وأنا مستعد لكل اتجاه».
وقبل ذلك بساعات، رد ترمب بشدة على مزاعم إيران أنها فككت «شبكة تجسس» تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، واعتقلت 17 شخصاً لعلاقتهم المفترضة بالوكالة.
وكتب ترمب عبر حسابه على «تويتر» أن «التقرير عن اعتقال إيران جواسيس جندتهم الـ(سي آي إيه) كاذب تماماً»، مضيفا: «هذا مجرد مزيد من الأكاذيب والدعاية (مثل إسقاط الطائرة المسيرة) التي يطلقها النظام المتدين الذي يفشل بشكل كبير، ولا يدري ماذا يفعل». وتابع ترمب: «إن اقتصادهم ميت، وسيزداد الأمر سوءاً؛ إن إيران في فوضى شاملة».
وأعلنت إيران عن الاعتقالات في وسائل الإعلام الرسمية، قائلة إن «الجواسيس المزعومين اعتقلوا على مدى 12 شهراً، حتى مارس (آذار) 2019». ومثل هذه الإعلانات ليست غريبة في إيران، لكن توقيتها أثار القلق من أن طهران تشدد موقفها، في خضم التوتر مع القوى الغربية، بحسب «رويترز».
ولم يصدر أي تعليق على المزاعم الإيرانية من قبل مسؤولي وكالة الاستخبارات الأميركية. وشكك وزير الخارجية مايك بومبيو أيضاً في مسألة الاعتقالات، في وقت سابق أمس، قائلاً: «النظام الإيراني له باع طويل في الكذب»، ورفض إعلان إيران القبض على 17 جاسوساً يعملون لحساب وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وأضاف بومبيو، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» التلفزيونية: «لدينا أربعون عاماً من السلوك الإيراني السيئ. لقد استولوا على ناقلة بريطانية، وكذبوا حول هذا الموضوع، وأسقطوا طائرة أميركية مسيرة غير مسلحة، وكذبوا حول موقعها»، وتابع: «سأتعامل بقدر كبير من الشك مع أي تأكيد إيراني عن الإجراءات التي اتخذوها».
وأحجم بومبيو عن التعليق على أي حالة محددة، وأضاف: «هناك قائمة طويلة من الأميركيين الذين نعمل على إعادتهم للوطن من إيران».
وشدد بومبيو في حديثه إلى تجمع للمحاربين القدامى في فلوريدا، ظهر الاثنين، على أن الاتفاق النووي «جعل النظام الإيراني أكثر عدوانية»، مؤكداً ضرورة ممارسة كل الضغوط الممكنة على طهران، وتطبيق العقوبات الأميركية كافة على الاقتصاد الإيراني وعلى قادة إيران.
وفي مقابلة أخرى مع شبكة «سي بي إس»، أشار بومبيو إلى استبعاد خيار الحرب، والرغبة في التفاوض مع الجانب الإيراني، وقال: «الرئيس ترمب قال بوضوح إننا لا نريد خوض الحرب، ولا نسعى إلى الصراع معهم، ونريدهم ببساطة أن يتوقفوا عن الهجمات الإرهابية، وأن يتوفقوا عن بناء الأسلحة النووية، وأن يتصرفوا كدولة طبيعة، وهذا ما نسعى للقيام به، ونأمل في أن يتم حل ذلك بدبلوماسية».
وحول مدى تقبل الجانب الإيراني لفكرة المحادثات، والاستجابات من القادة الإيرانيين لمبدأ التفاوض، قال بومبيو: «إن الاستجابات مختلطة جداً؛ أعتقد أنهم يناضلون لمعرفة ما يجب عليهم فعله، فاقتصادهم يعاني بشدة، والنظام يفقد دعم الشعب الإيراني، وهناك اضطرابات، والأمم المتحدة بدأت ترى أن إيران هي بالفعل دولة سيئة، وأنها هي التهديد والتحدي».
وفي مواجهة تيار ينتقد انسحاب الرئيس ترمب من الصفقة النووية الإيرانية، مما أدى إلى هذا التصاعد في التوتر بين البلدين، قال بومبيو: «الانسحاب من الصفقة النووية كان شيئاً ضرورياً. وحينما كنت مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، وكان الاتفاق سارياً، قاموا بزيادة نشاطهم الصاروخي، واستمروا في العمل على برنامجهم النووي؛ وهذا معناه أن الصفقة لم تنجح، وأنها كانت صفقة سيئة».
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران في سلسلة من الأحداث في مضيق هرمز. ويوم الجمعة، ورداً على سؤال عن الدور الأميركي المحتمل في التوترات، بعدما احتجزت إيران ناقلة نفط ترفع علم بريطانيا في المضيق، قال بومبيو: «المسؤولية... تقع على عاتق بريطانيا، فيما يتعلق بحماية سفنها».
وقال بومبيو، رداً على سؤال حول ما إذا كانت قلة الإجراءات الأميركية خلال الأسبوعين الماضيين شجعت الإيرانيين على القيام بمزيد من التصرفات الاستفزازية: «لا أعتقد ذلك. أعتقد أن القيادة في إيران تدرك أن أميركا لديها القدرة على الاستجابة بطرق تحمي المصالح الأميركي في جميع أنحاء العالم. وقد اتخذ الرئيس ترمب قراراً حكيماً (حينما أوقف ضربة ضد إيران)، ولا أعتقد أن إيران أخذت هذا كضوء أحضر. لقد رأيت معلومات استخباراتية تشير إلى أنهم يفهمون أن أميركا قوية».
وأشارت تسريبات إلى أن الحكومة البريطانية طلبت من إدارة الرئيس الأميركي تجنب إصدار تصريحات تثير تصعيد الخلافات مع إيران، بينما تقوم لندن بالتفاوض مع طهران لإطلاق سراح الناقلة البريطانية.
وتكثف الولايات المتحدة جهودها لجذب الشركاء والحلفاء للمشاركة في المبادرة التي طرحتها لزيادة مراقبة الممرات الحيوية للشحن في منطقة الشرق الأوسط، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتنسيق لمساعدة الدول الأخرى على حماية سفنها التجارية التي تمر عبر الخليج العربي وعند مضيق هرمز. وقد أوضحت واشنطن أن الدور الأميركي سيكون محدوداً، وأنه يتعين على الدول الأخرى المساعدة في تحمل عبء حماية الملاحة.
وأشار ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية (وهو مركز بحثي مرموق بواشنطن)، إلى أن عملية استيلاء إيران على ناقلة النفط البريطانية خطأ فادح، وقال عبر حسابه على «تويتر»: «إن التصرف الإيراني خطأ استراتيجي من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة والحلفاء إلى العمل معاً. وبالنسبة للولايات المتحدة، لا تزال القضية تتعلق بما ستقدمه إيران، وما تقبله واشنطن، وإلا فإن خطر الحرب يتصاعد، وهو أمر لا يخدم مصلحة أي شخص؛ أن يندلع صراع آخر في الشرق الأوسط».
إلى ذلك، أعلنت الخارجية الأميركية أن مساعد الوزير لمكتب عمليات الصراع وتحقيق الاستقرار، دنيس ناتالي، سافر إلى كل من المملكة العربية السعودية والأردن، أمس (الاثنين)، لمدة 6 أيام، حيث يلتقي القادة السعوديين لتأكيد التزام الولايات المتحدة بجهود الاستقرار في المنطقة. وفي الأردن، يلتقي مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لمناقشة جهود تحقيق الاستقرار.



فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
TT

فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)

استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.

وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.

يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.

رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.

وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».

وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».

بارو يُلقي خطاباً بجانب وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي خلال المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الاثنين (رويترز)

وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».

دبلوماسية الرهائن

ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.

كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.

وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.

أشخاص يشاركون الثلاثاء في وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في لاتسيو ورابطة الصحافة الرومانية للمطالبة بالإفراج عن الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا المحتجزة في إيران (د.ب.أ)

ماكرون والعودة لـ«سناب باك»

لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.

كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.

وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».

الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».

ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».

وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».

وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صورة قديمة جمعته في 2020 مع ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف شمال الأطلسي وقتها (د.ب.أ)

ترمب والمُعطَى الجديد

ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.

يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.

بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.

وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.