تردي الأوضاع الصحية يضع اليمنيين على طريق الموت

يمنيون يحملون أسطوانات غاز في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيون يحملون أسطوانات غاز في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تردي الأوضاع الصحية يضع اليمنيين على طريق الموت

يمنيون يحملون أسطوانات غاز في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيون يحملون أسطوانات غاز في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

لم يكن ثمة مهرب أمامه من الموت، فالمسافة الفاصلة بين قريته الواقعة شمال صنعاء (المعمر – مديرية جبل عيال يزيد - في محافظة عمران) ومركز الصحة وسط المدينة، كفيلة بأن تكمل دور جهل أسرته بأنه مصاب بالكوليرا.
كما لم تكن 10 ساعات من الإسهال المائي المصحوب بالقيء، كفيلة بخطف روح ابن الثانية عشرة من العمر، لو لم يكن مصاباً بسوء التغذية الوخيم الذي سرع بفقدانه كافة السوائل.
الطفل أحمد حسين علي، الذي قضى وهو في طريقه إلى المركز الصحي في عاصمة المحافظة (عمران)، ليس وحيد أسرته المتعبة معيشياً، الذي أصيب فجأة، فقد أصيبت والدته التي تولت وأخيه الأكبر إسعافه، وحين داهمتها أعراض حالته نفسها لم تكن تعلم أن العدوى قد نقلت إليها الوباء نفسه؛ لكن الأخ الأكبر واصل طريقه إلى المركز، لينقذها الأطباء في الرمق الأخير، ليكتشف الجميع أن الكوليرا قد حصدت العشرات من أبناء القرى، في ظل تدني مستوى الوعي بطرق وأساليب مواجهة هذا الوباء.
ما حدث لأسرة أحمد يختزل حجم المعاناة الصحية لأكثر من 80 ألف أسرة تقطن 128 قرية مترامية في محافظة عمران (50 كيلومتراً شمال العاصمة) لبعدها عن المراكز الصحية، والشلل شبه التام الذي ضرب نحو 450 مرفقاً صحياً تقريباً في عموم مديريات المحافظة، بعد أن توقفت النفقات التشغيلية الشهرية لهذه المرافق.
كما أدت أزمات المشتقات النفطية الخانقة التي تسبب فيها الحوثيون، لانقطاع التيار الكهربائي، وتوقف غرف العمليات والعناية المركزة وحاضنات الأطفال، وتسرب نحو 1300 شخص من كوادر الصحة، بحثاً عن أعمال أخرى لانقطاع المرتبات.
جائحة سوء التغذية كانت نتيجة حتمية لتلك التداعيات؛ حيث سجلت التقارير الصحية حتى نهاية 2018، 11 ألف حالة سوء تغذية، 7 في المائة منها مصاب بسوء التغذية الحاد والوخيم.
ورغم وصول مراكز التغذية العلاجية في المحافظة إلى 245 في نهاية 2018، فإن ذلك لم يكن كافياً للحد من ضحايا سوء التغذية في هذه المحافظة التي يصل عدد القاطنين فيها إلى نحو مليون نسمة، أي ما نسبته نحو 4.5 في المائة من إجمالي سكان اليمن، حسب تعداد عام 2004.
تدهور الوضع الصحي والمعيشي في محافظة عمران، استتباع حتمي لمسار الحرب الحوثية التي شهدتها مختلف مديريات المحافظة منذ 2011، ولم تقف أحداثها إلا لتدخل المحافظة في مرمى الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام، والتي طالت البنية الصحية ومشروعات المياه والصرف الصحي، وخزانات وآبار المياه الصالحة للشرب، ما أجبر المواطنين على شرب المياه من مصادر غير آمنة.
ورافق ذلك تراجع كبير في إمدادات الأدوية والمحاليل والمستلزمات الطبية وأدوية الأمراض المزمنة والفشل الكلوي، بسبب الحرب وفساد الميليشيات الحوثية، لتسجل الصيدلية المركزية في المحافظة عجزاً يصل إلى 70 في المائة في عمليات صرف أدوية السكر والضغط والصرع، إلى جانب تراجع الكميات التي تصلها لتغطي نسبة 30 في المائة من الاحتياج الفعلي للمرضى.
هذا الوضع المقرون بموجة عالية من النزوح الداخلي من الريف إلى المدن، ومن المحافظات الأخرى كمحافظة صعدة، خلق بيئة مناسبة للأوبئة، كالكوليرا، وعودة تفشي أمراض الطفولة القاتلة، كـ(الحصبة، وشلل الأطفال، والسعال الديكي، والدفتيريا، وغيرها من الأمراض القاتلة) بسبب تراجع نسبة تغطية التحصين للأطفال، مع ارتفاع ملحوظ لمؤشرات سوء التغذية في أوساط الأطفال، وحرمان النساء من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية وخدمات رعاية الحوامل.
هذه التداعيات الكارثية ليست مقصورة على سكان محافظة عمران فحسب؛ بل على كل سكان اليمن، بكل فئاتهم العمرية؛ لكن النساء والأطفال هما الفئتان الأضعف والأكثر تضرراً ودفعاً لثمن الصراع في اليمن، وتحديداً الأمهات والأطفال حديثو الولادة.
وحسب تقرير لمنظمة «اليونيسيف» حول وضع الأمومة والأبوة في ظل الصراع للفترة (2015 - 2018) تموت حالة من كل 260 امرأة أثناء الحمل أو الولادة، ويموت مولود في شهره الأول من بين 37 مولوداً جديداً، بينما تحدث ثلاث ولادات في المرافق الصحية من كل عشر ولادات، وتنجب فتاة واحدة من كل 15 فتاة بين 15 - 19 سنة، ونحو 1.1 مليون امرأة حامل ومرضعة بحاجة إلى علاج سوء التغذية الحاد الوخيم.
تقرير الاحتياجات الإنسانية في اليمن، الصادر مطلع 2019 عن «اليونيسيف» أشار إلى أن 24.1 مليون شخص لا يستطيعون البقاء دون مساعدة إنسانية، وأن مليوني طفل دون سن الخامسة يحتاجون إلى علاج سوء التغذية الحاد، وأن 19.7 مليون شخص يحتاجون إلى الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، و17.8 مليون شخص يحتاجون إلى مياه الشرب المأمونة، والصرف الصحي والنظافة الكافية.
وقدرت «اليونيسيف» أن 10 ملايين يمني يعانون من الجوع الشديد، و238 ألف شخص يعيشون في جيوب من المجاعة الكارثية، ونحو 2.3 مليون نازح من منازلهم.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.