اختيار الشارقة أول ضيف شرف عربي في معرض غوادالاهارا المكسيكي

خلال الدورة الـ34 ووسط مشاركة أكثر من 47 دولة

صورة عامة للحضور خلال المؤتمر الصحافي
صورة عامة للحضور خلال المؤتمر الصحافي
TT

اختيار الشارقة أول ضيف شرف عربي في معرض غوادالاهارا المكسيكي

صورة عامة للحضور خلال المؤتمر الصحافي
صورة عامة للحضور خلال المؤتمر الصحافي

أعلنت إدارة معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب عن اختيار إمارة الشارقة ضيف شرف دورته الـ34 في العام 2020، لتكون الإمارة بذلك أول ضيف شرف من العالم العربي في هذا المعرض، الذي يعد من أكبر معارض الكتب في أميركا اللاتينية.
جاء الإعلان خلال مؤتمر صحافي نظمته إدارة المعرض، بحضور أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، وراؤول باديلا لوبز، رئيس معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب، وهكتور راؤول سوليس غاديا، نائب رئيس جامعة غوادالاهارا، وماريسول شولز مانوت، مدير معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب، وحضور أكثر من 350 كاتباً وناشراً وإعلامياً.
وذكرت جامعة غوادالاهارا (الجهة المنظمة للمعرض) خلال المؤتمر الذي أقيم خصيصاً للإعلان عن اختيار الشارقة ضيف الدورة المقبلة من المعرض، أن احتفاء المشهد الثقافي المكسيكي بالإمارة (العاصمة العالمية للكتاب 2019) سيكون من خلال سلسلة فعاليات وندوات ستفتح باب الحوار مع الثقافة العربية والحراك الإبداعي والمعرفي في الشرق الأوسط.
أما أحمد بن ركاض العامري فقال خلال كلمة ألقاها في المؤتمر الصحافي: «إن يحتفي معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب بالشارقة، يعني أن يحتفي المشهد الثقافي في أميركا اللاتينية بالمنجز الثقافي والتاريخ الحضاري والمعرفي للحضارة العربية بأسرها، فهذا المعرض يعد الأكبر في القارة، والشارقة اختارت منذ أكثر من أربعين عاماً على انطلاق مشروعها الحضاري أن تقدم الوجه الحقيقي للثقافة العربية، وتظل حاضنة الحراك الإبداعي والثقافي العربي بصورته الشاملة والكاملة، الأمر الذي يجعل الاحتفاء بالإمارة في العام 2020 لقاء تاريخيا بين الثقافتين العربية واللاتينية».
وأشار العامري إلى أن الشارقة ستعمل على أعداد برنامج متكامل لسلسلة فعاليات تقدم من خلالها جهود الإمارة الثقافية والمعرفية، وتعكس مسيرة الأدب والمعرفة والإبداع العربي للقراء والمثقفين في أميركا اللاتينية، لافتاً إلى أن هذه الاحتفاء يشكل فرصة لتعزيز فرص التعاون والعمل المشترك على صعيد قطاع النشر، والترجمة، وصناعة الكتاب.
من جانبه قال راؤول باديلا لوبز: «يشرفنا أن تقبل الشارقة دعوتنا لتكون ضيف شرف معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب، فنحن نؤمن بأن الثقافة رابط حضاري كان له دور أساسي في صنع تاريخ الإنسانية، وهو ينعكس في جميع مناحي الحياة، وبشكل خاص في لغات الشعوب، فعلى سبيل المثال اسم مدينتا (غوادالاهارا) مستوحى من العربية ويعني (وادي الحجارة). وجاء اختيارنا للشارقة نظراً لتجربتها الغنية في دعم قطاع النشر، ومبادراتها السبّاقة لتعزيز ثقافة القراءة وتسهيل وصول جميع أفراد المجتمع للكتاب، وتحفيز جيل الشباب بشكل خاص على حبّ المعرفة».
وحول المعرض ومشاركة الشارقة، قالت ماريسول شولز مانوت، مدير معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب: «تم اختيار الهند ضيف شرف لدورة هذا العام من المعرض، ويسرنا أن تكون إمارة الشارقة ضيفنا في الدورة المقبلة، لما تمثله من بوابة ومركز ليس للثقافة الإماراتية وحسب، وإنما للثقافة العربية بصورة عامة، بكل ما تضمه من فنون وآداب وتاريخ وفكر؛ حيث ندرك حجم الجهد الذي تقوده برؤى حاكمها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الأمر الذي يجعلنا فخورين بقبول اختيارها ضيف شرف معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب، ويجعلنا واثقين من أثر هذه الاستضافة على التعريف بهذا الحدث البارز».
ويعود انطلاق معرض غوادالاهارا الدولي للكتاب لعام 1987، ويشهد كل عام مشاركة ما يقارب 20 ألفا من الناشرين وخبراء صناعة الكتاب من 47 دولة و800 كاتب على مدى تسعة أيام، فيما شهدت دورة العام الماضي التي كانت البرتغال ضيف شرف فيها حضور 818 ألف زائر.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟