موجة خفض أسعار الفائدة تنشط في الأسواق الناشئة

ارتفاع مستويات الديون يثير المخاوف

امتدت موجة خفض أسعار الفائدة إلى عدد من البنوك المركزية بالدول الناشئة ومن بينها إندونيسيا (رويترز)
امتدت موجة خفض أسعار الفائدة إلى عدد من البنوك المركزية بالدول الناشئة ومن بينها إندونيسيا (رويترز)
TT

موجة خفض أسعار الفائدة تنشط في الأسواق الناشئة

امتدت موجة خفض أسعار الفائدة إلى عدد من البنوك المركزية بالدول الناشئة ومن بينها إندونيسيا (رويترز)
امتدت موجة خفض أسعار الفائدة إلى عدد من البنوك المركزية بالدول الناشئة ومن بينها إندونيسيا (رويترز)

انضمَّت عدة بنوك مركزية في دول الأسواق الناشئة أخيراً إلى الموجة العالمية الرامية إلى تيسير السياسة النقدية، في ظل تنامي المخاوف من استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي... وبينما يكشف تنامي توجه خفض الفائدة عن توقعات باستمرار موجة تدهور الصادرات، خصوصاً في آسيا، فإن ذلك يثير مخاوف الخبراء بشأن مدى فعالية تخفيضات أسعار الفائدة في ضوء ارتفاع مستويات الديون.
وقالت وكالة «بلومبرغ» إن جنوب أفريقيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية أعلنت خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة، فيما حافظت تشيلي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير بعد الخفض غير المتوقع بمقدار نصف نقطة الذي أعلنت عنه الشهر الماضي.
وأوضحت الوكالة أن الخطوة التي اتخذتها اثنتان من أكبر الأسواق الناشئة في آسيا، والاقتصاد الأكثر تطوراً في مجال الصناعة في أفريقيا، تؤكد تزايد مخاطر التباطؤ العالمي، في الوقت الذي يملك كل منها سبباً وراء الاستجابة... فكوريا الجنوبية قلقة بشأن الاستقرار المالي بسبب ارتفاع مستويات ديون الأسر، وإندونيسيا تحتاج إلى عوائد أعلى لجذب المستثمرين الأجانب لتمويل عجز الحساب الجاري، فيما تحاول جنوب أفريقيا كبح جماح التضخم بالقرب من نطاقها المستهدف.
ولفت التقرير إلى أن هذه الموجة من خفض أسعار الفائدة ليست الأولى، فقد أعقبت النبرة الحذرة التي يوجه بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سياساته خلال الفترة الماضية، وهو ما دفع البنوك المركزية في أستراليا والهند وروسيا لخفض سعر الفائدة مؤخراً، كما فاجأت نيجيريا الأسواق في مارس (آذار) الماضي بعد أن أعلنت عن أول خفض في أكثر من ثلاث سنوات.
وقال ديفيد مان، كبير الاقتصاديين في بنك «ستاندرد تشارترد» في سنغافورة: «يبدو أن العالم في هذه المرحلة يتجه للتخفيض»، مستكملاً: «التضخم منخفض والنمو في تباطؤ واضح، وإن لم يكن سريعاً، ولكن المخاطر تزداد»، وتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي نمواً بواقع 3.4 في المائة هذا العام، منخفضاً من 3.8 في المائة في عام 2018.
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن أكبر أسباب تزايد مخاوف التباطؤ العالمي هي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتراجع وتيرة الازدهار التكنولوجي، وكذلك استمرار خسائر قطاع السيارات المزدحم عالمياً.
وقال فريدريك نيومان، الرئيس المشارك لأبحاث الاقتصاد الآسيوي في بنك «إتش إس بي سي» في هونغ كونغ: «العديد من الاقتصادات الآسيوية في طليعة الدورة الصناعية العالمية، وتخفيض أسعار الفائدة في المنطقة يكشف عن توقعات بأن تدهور الصادرات الحالية سوف يستمر»، مضيفاً أن هناك حاجة لمزيد من اليقين حول السياسات التجارية عالمياً، فضلاً عن سياسة مالية أكثر توافقاً بين أكبر الاقتصادات في العالم.
وكان بنك كوريا المركزي قد خفّض سعر الفائدة بالقرب من أقل مستوياتها على الإطلاق بنحو ربع نقطة مئوية، كما خفض البنك المركزي الإندونيسي سعر الفائدة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عامين، وتعهّد بمزيد من التسهيلات في المستقبل مع تحول التركيز إلى دعم النمو في أكبر اقتصادات في جنوب شرقي آسيا.
وقالت جوليانا لي، كبيرة اقتصاديي القطاع الآسيوي لدى «دويتشه بنك»: «المنطقة بحاجة إلى دعم السياسات الكلية النقدية والمالية على حد سواء لتعزيز استقرار النمو وسط حالة عدم اليقين التجارية المستمرة».
وجاء خفض جنوب أفريقيا لسعر الفائدة الرئيسي بعد أن راجع «البنك المركزي» توقعاته للنمو إلى نحو نصف توقعاته السابقة إلى 0.6 في المائة، فيما حذرت لجنة السياسة النقدية من أن تيسير سياستها يحتاج لأن يصاحبه إزالة القيود الهيكلية الأساسية من قبل الحكومة، ليكون له الأثر المرجو في تعزيز الاقتصاد.
وقالت «بلومبرغ» إن الاقتصاديين يشعرون بالقلق حيال المساحة المتاحة للبنوك المركزية للتخفيض، بالنظر إلى أن أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم عند أدنى مستوياتها التاريخية بعد سنوات من الجهود لدعم النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
ولفتت الوكالة إلى أنه في الوقت نفسه، هناك مخاوف بشأن مدى فعالية تخفيضات أسعار الفائدة في ضوء ارتفاع مستويات الديون، الأمر الذي يعني أن البنوك المركزية وحدها لن تكون قادرة على إنقاذ اقتصاداتها.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».