هل يشهد عام 2023 أفول عهد إردوغان... بدلاً من إعلان «تركيا الجديدة»؟

رفاقه يذكّرونه بالتاريخ القديم... والشعب يتطلع إلى «أمان» باباجان

هل يشهد عام 2023 أفول عهد إردوغان... بدلاً من إعلان «تركيا الجديدة»؟
TT

هل يشهد عام 2023 أفول عهد إردوغان... بدلاً من إعلان «تركيا الجديدة»؟

هل يشهد عام 2023 أفول عهد إردوغان... بدلاً من إعلان «تركيا الجديدة»؟

يرجح مراقبون أتراك الآن أن تكون تركيا باتت على أعتاب مرحلة كبيرة من التغيير، أبرز عناوينها «أفول العصر الذهبي» لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان...
إنه أفول ربما صنعه إردوغان بيده، أو كان له الدور الأكبر فيه، بعدما فضّل إقصاء «رفاق دربه» الذين خاضوا معه مسيرة بناء الحزب وخروجه إلى النور عام 2001، ثم صعوده السياسي القوي ومحافظته على الغالبية على مدى 17 سنة، منذ أول انتخابات برلمانية خاضها في العام 2002.

يقف حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا اليوم، على أعتاب مرحلة جديدة قد تلقي به إلى مصير أحزاب مؤسس تيار «الإسلام السياسي» الدكتور نجم الدين أربكان. وبذا يتكرّر المشهد في أحد فصول إعادة التاريخ، يوم ذهب إليه إردوغان ليخبره هو ومجموعة من أعضاء حزب «الفضيلة»، قوامها 63 نائباً وعضواً بارزاً بالحزب، أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غُل، ونائب رئيس الوزراء رئيس البرلمان الأسبق بولنت أرينتش، بقرارهم ترك الحزب.
وخلال الأسبوع الماضي، بعد مرور 18 سنة على تلك الواقعة، ذهب علي باباجان، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الاقتصاد والخارجية وشؤون المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي سابقاً، وأحد مؤسسي «العدالة والتنمية»، إلى إردوغان ليخبره بمغادرة الحزب، ويسلمه تقريراً مطولاً يشرح فيه الأسباب التي دعته إلى هذه الخطوة... والتوجه إلى تأسيس حزب جديد.
ردّ فعل إردوغان لم يختلف كثيراً هذه المرة عن ردّ فعل «أستاذه» أربكان في حينه. ومثلما وصف أربكان مجموعة إردوغان وغُل بـ«المنشقين» و«المارقين»، ولأن إردوغان أكثر حدة، فإنه يصف الآن مَن يختلفون معه ويرغبون في إكمال الطريق بعيداً عنه بـ«الخونة»، ويتوقع لهم الفشل كما توقع له أربكان.

خسائر كاشفة

كانت الخسائر التي مني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية الأخيرة، وبخاصة في بلدية إسطنبول الكبرى، معقل الإسلاميين «الأثير»، خسائر كاشفة التشظي والغضب المعتمل في داخله. وهذا بجانب حالة الأسف التي تعتري قياداته التاريخية على المآل الذي انتهى إليه حزبهم على يد إردوغان، بسبب نزعته في السيطرة على كل السلطات، وتبنيه خطاباً استقطابياً، وضع الحزب في مرمى الاتهامات بالتعالي والانفصال عن الجماهير، والتحوّل إلى حزب عائلي، يديره إردوغان.
بوادر التراجع وانفراط العقد كانت بادية لمَن يستطيع قراءة الأحداث في ضوء مسار السياسة التركية طوال السنوات الثماني الأخيرة، وصولاً إلى بداية الانحدار الواضح للحزب في انتخابات 7 يونيو (حزيران) 2015. في هذه الانتخابات فقد الحزب الغالبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً للمرة الأولى، ليلجأ إلى انتخابات مبكرة، بعدما عجز رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو عن تشكيل حكومة ائتلافية، ورفض إردوغان تكليف زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بتشكيل الحكومة الائتلافية وتفضيل خيار الانتخابات المبكرة. بالمناسبة، بات داود أوغلو أيضاً أحد الرفاق السابقين المرشحين لتأسيس حزب سياسي جديد.
ثم جاء المؤشر الأكثر وضوحاً على ما يعتمل داخل الحزب، عندما انحاز بعض قادته لخيار الديمقراطية، رافضين حكم الفرد، ورافضين التحوّل إلى النظام الرئاسي، الذي يجمع عملياً جميع السلطات في يد رئيس الجمهورية. ومرة أخرى، كان الاستفتاء على تعديل الدستور للتحوّل إلى النظام الرئاسي، الذي أجرى في 16 أبريل (نيسان) 2017 كاشفاً عن تراكم الشعور بسخط رفاق إردوغان على مسلكه السياسي ونزوعه إلى الفردية. وبعد شهر واحد، ظهر ذلك مع استقالة أحمد داود أوغلو من منصبي رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية، بعد خلافات حادة مع إردوغان، حاول الطرفان عبثاً ألا تخرج إلى العلن. لكن أجواء الخلاف تسرّبت، واتضحت تماماً من طريقة الاستقالة، وما تعرض له داود أوغلو من حملة شعواء من جانب الجيش الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية، للنيل من سمعته والتشكيك في نزاهته.

ساعة الحقيقة

لقد احتاج أحمد داود أوغلو إلى 3 سنوات قبل أن يخرج ويكشف حقيقة الوضع داخل الحزب، وأسباب الضعف التي قادت إلى خسارته المدن الكبرى في الجولة الأولى من الانتخابات المحلية يوم 31 مارس (آذار) الماضي، ثم الخسارة المهينة في جولة الإعادة على رئاسة بلدية إسطنبول بين مرشح المعارضة الفائز في الجولة الأولى أكرم إمام أوغلو ومرشح «العدالة والتنمية» بن علي يلدريم. وكانت اللجنة العليا للانتخابات قررت إجراءها في 23 يونيو الماضي، تحت ضغوط من الحزب الحاكم والرئيس إردوغان، لكن الردّ جاء صفعة قوية سدّدها الناخبون الذين منحوا إمام أوغلو فوزاً جديداً بفارق 800 ألف صوت.
ومن ثم، في رسالة داود أوغلو المطوّلة التي نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في 22 أبريل الماضي، شخّص رئيس الوزراء الأسبق «الأمراض التي استشرت في جسد حزب العدالة والتنمية»، ولخصها في «الاستعلاء على الشعب، والخصام مع مبادئ الحزب، وانفراد إردوغان بكل الأمور، وإلحاحه في الظهور المكثف واستخدامه خطاباً استقطابياً مروعاً، والسيطرة على وسائل الإعلام، وإهدار دولة القانون، والسماح بتدخل أسرته في حكم البلاد، والانحراف نحو اليمين القومي، ما أدّى إلى انحسار الحزب بسبب التحالف الضارّ مع حزب (الحركة القومية) داخل الأناضول وخسارة الغرب والمدن الساحلية».
هذا، وسبقت رسالة داود أوغلو إشارات ومواقف إزاء بعض القرارات والسياسات والقوانين من الرئيس السابق عبد الله غُل، حملت انتقادات لنهج إردوغان في إدارة البلاد، فضلاً عن رفض غُل النظام الرئاسي. ولذا يرى مراقبون أن داود أوغلو عازم على تأسيس حزب سياسي، ولقد تشاور مع غُل، الداعم لنائب رئيس الوزراء الأسبق باباجان في تأسيس حزب آخر. وكانت هناك رغبة من داود أوغلو في الجمع بين الحزبين، لكن اختلافات في المنهج حالت دون ذلك.
أما ساعة الحقيقة، فكانت في الخطوة التي أقدم عليها باباجان، وهي استقالته من حزب العدالة والتنمية. وسبقتها زيارته لإردوغان، بتنسيق مع غُل، لإبلاغه بأمر الاستقالة ونيته تأسيس حزب جديد، وتقديم ملف تضمن أسباب الانتقادات، ورصد أوجه انحراف حزب العدالة والتنمية عن مساره وقيَمه التي أُسّس عليها. وبعد استقالته من الحزب الحاكم، حذف اسم باباجان من مجموعة مؤسّسيه على موقع الحزب الرسمي، كما حُذف من قبل اسم الرئيس عبد الله غُل، بعد انتهاء فترة رئاسته عام 2014، وضغط إردوغان عليه كي لا يترشّح مجدداً.

رؤية للمستقبل

كشف باباجان في خطاب استقالته ما اعتبره انحرافات عن المبادئ في حزبه القديم. وجاء في الخطاب قوله: «كنت أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية عام 2001، وأنا فخور بأنني أسهمت قدر الإمكان في تطوير بلادنا. وإبّان شغلي مناصبي في حكومات الحزب كنت مؤمناً بالمبادئ والقيَم التي أعلنها حزبنا، ولكن خلال السنوات الأخيرة نشأت فجوة عميقة بين العمل الحقيقي والمبادئ في كثير من أنواع الأنشطة، ما شكّل صدمة كبيرة بالنسبة لي، وأدى إلى انفصال بين العقل والقلب».
وتابع الوزير البارز السابق: «العالم تغير سريعاً، وتركيا تواجه تحديات كثيرة، وباتت بحاجة إلى رؤية استراتيجية جديدة للمستقبل، وبرامج جديدة تستجيب لروح العصر ولرغبة الأجيال الجديدة في تركيا التي تطلع إلى مستقبل أكثر ازدهاراً». وأكد باباجان أنه يشعر مع كثيرين من زملائه، الذين التقاهم في الفترة الأخيرة «بالمسؤولية التاريخية للقيام بهذا العمل، الذي سيكون - حسب رأيه - ممكناً في حال إشراك كوادر جديدة... وفي هذا السياق يرى استمرار عضويته في حزب العدالة والتنمية أمراً مستحيلاً».
اليوم، يعتقد مراقبون أنه ليس من المتوقع لأي حزب جديد أن يكون بقوة «العدالة والتنمية» في بداياته. لكن هؤلاء يؤكدون، مع ذلك، أن حزباً يضم عبد الله غُل - حتى إذا كان محرّكاً وموجهاً من الخلف - وباباجان لا يُعد أمراً مطمئناً لإردوغان وحزبه، في ظل حالة الاستقطاب وتقارب الحظوظ في المحطات الانتخابية الأخيرة، وفي ظل توحّد قوى المعارضة والقبول الواسع الذي يتمتع به غُل وباباجان في أوساط «العدالة والتنمية» والأحزاب الأخرى.
وعلى الرغم من محاولة إردوغان التقليل من شأن أي حزب يخرج من رحم «العدالة والتنمية» بترديده أن «هناك كثيرين انشقوا عن (العدالة والتنمية) وحاولوا السير وحدهم وفشلوا. يشعرون أن مَن ينزل من القطار لا يمكن أن يعود إليه مرة أخرى»، فإنه يستشعر الخطر. ولهذا السبب يحمل بشدة على رفاقه القدامى، ويصفهم بـ«الخونة»... «الذين انقلبوا على الحزب الذي منحهم المناصب، ثم عندما أخذها منهم ليعطي غيرهم انشقوا عليه».
غير أن الثمن الفادح الذي بات على إردوغان دفعه بسبب سياساته وسحقه كل من يختلف معه - كما يقول المراقبون – قد يكون تفكك حزبه إلى 3 أحزاب. فبعد الهزيمة المهينة لحزبه في الانتخابات المحلية بإسطنبول، باتت المقولة الأكثر رواجاً في تركيا الآن، وخارجها أيضاً، إن إسطنبول التي دفعت بإردوغان إلى القمة هي التي ستنزله منها، لأنه هو صاحب مقولة «مَن يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا».

ميلاد قوي

اليوم، يحضّر غُل وباباجان لمولد قوي لحزبهما الجديد، الذي من المنتظر أن يحمل اسم «الأمان». وهذا اسم يقول المراقبون إنه معبِّر بشكل كبير عن توق الأتراك إلى الأمان، بعد مناخ الترويع والاستقطاب الذي تعيشه البلاد في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي وقعت منذ 3 سنوات. ومعلوم أن البلاد شهدت بعدها حملة اعتقالات وإقالات وإغلاق لمنافذ الإعلام وتعطيل لسيادة القانون والحريات بشكل غير مسبوق.
ومما نُقل عن مقربين من باباجان، أن حزب «الأمان» يرجح أن يرى النور في سبتمبر (أيلول) المقبل، إلا إذا ارتُؤي التعجيل بإطلاقه، إذا ما تقرّرت الدعوة إلى انتخابات مبكرة. كما عُلم أنه سيضم خليطاً من الوجوه القديمة والجديدة الناجحة، وستكون له رؤية ذات أبعاد عالمية. وبحسب المصادر، بالإضافة إلى باباجان، تضم قائمة مؤسسي الحزب وجوهاً مشهوداً لها بدعم الديمقراطية والسلام، عندما عملت في حكومات «العدالة والتنمية»، في مقدمتها سعد الله أرجين، الذي كان وزيراً للعدل لسنوات عدة، ودشّن حزمة قوانين لدعم الديمقراطية، وبشير أطالاي وزير الداخلية الأسبق، الذي حاول خلال السنوات الماضية تدشين مفاوضات سلام مع الأكراد، ورئيس المحكمة الدستورية الأسبق سابق هاشم كيلتش، ووزير الثقافة والسياحة الأسبق أرطغرل غوناي، إضافة إلى مديرين لشركات استطلاعات الرأي، وتجار، ورجال أعمال، وكبار موظفين، ووجوه جديدة، غالبيتهم من الأكاديميين الذين يعملون بالخارج.

تشكيلة محكمة

جدير بالذكر أنه يُعرف عن باباجان (52 سنة) دقته الشديدة ومعاييره العالية، إذ إنه يعمل على التفاصيل الصغيرة لكل الخطط قبل الإعلان عنها. وهو اسم كبير في السياسة التركية، خاصة فيما يتعلق ببصمته على الاقتصاد، ويملك كل المؤهلات ليكون رئيساً، ما يجعل الأتراك ينتظرون حزبه بشغف كبير. كذلك يتوقع كثيرون أن يكون باباجان الشخص الذي سيُنهي حكم «العدالة والتنمية» لتركيا، في العام ذاته الذي كان يتطلع فيه إردوغان لإعلان الجمهورية الثانية «تركيا الجديدة» عام 2023. وهو يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وسيشهد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي سيترشح فيها إردوغان مجدداً.
من ناحية أخرى، تقول جهات مقربة من باباجان، إنه ومجموعته لا يريدون الظهور بمظهر حزب شكّله «منشقون» عن حزب العدالة والتنمية، كما يسعى إردوغان إلى تصويرهم، ولذا بالنسبة لاسم الحزب، يهدفون إلى أن يكون مختلفاً عن «العدالة والتنمية»، ثم إنهم لا يسعون إلى تشكيل كتلة في البرلمان، رغم توقع أن ينضم إليهم 40 نائباً من نواب «العدالة والتنمية» يمثلون الكتلة الموالية للرئيس السابق غُل.
أيضاً يرفض باباجان ورفاقه أن يظهر في كوادر الحزب الجديد أشخاص وردت أسماؤهم في منظمات مختلفة، أو سبق اعتقالهم، أو صدرت بحقهم أحكام قضائية، أو كانوا على علاقة مع أشخاص سُجنوا أو صدرت بحقهم عقوبة السجن، أو فروا خارج البلاد، لقطع الطريق على محاولة إردوغان توجيه ضربة إلى الحزب والقضاء عليه في مهده. وبالتالي، فالشخصيات التي يفكرون بضمها للحزب شخصيات تتمتع بشعبية لدى الشارع في مناطقها أو في تركيا، وليست على خلاف مع أي جهة. والهدف هو دمج شخصيات من يمين ويسار الوسط والمحافظين والقوميين في حزب واحد جديد، يملأ الفراغ الحاصل في سياسة يمين الوسط... أما بالنسبة للرئيس السابق عبد الله غُل، فاختار أن يكون بمثابة «صانع ألعاب» فقط، ولا يفكر أن يكون ضمن كوادر الحزب، بحسب وصف كثير من المراقبين، ذلك أن غُل كان قد أعلن عقب انتهاء فترة رئاسته عام 2014 أنه لن يخوض غمار السياسة مجدداً.



انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلافاً للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة، التي تنافس في دورتها الأولى قبل خمس سنوات 26 شخصية وأسفرت في دورتها الثانية عن فوز قيس سعيّد، لا تتضمن قائمة المرشحين الرسميين هذه المرة إلا ثلاثة أسماء، هم: الرئيس الحالي سعيّد والبرلمانيان السابقان زهير المغزاوي (الأمين العام لحزب الشعب) «العروبي الناصري» (59 سنة) ورجل الأعمال المهندس الليبرالي العياشي زمال (47 سنة). وعلى غرار ما سجل في انتخابات 2019، التي شارك رجل الأعمال نبيل القروي في دورها الأول وهو في السجن، يستمر إيقاف العياشي زمال المرشح «المعتمد رسمياً» الذي أصدرت محاكم عديدة ضده أحكاماً بالسجن بتهمة «تزييف تزكيات الناخبين».

في هذه الأثناء، أكّد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» ومحمد التليلي المنصري الناطق الرسمي باسمها، أن اسم زمال سيظل مُدرجاً في قوائم المرشحين وسيعرض على الـ9 ملايين و700 ألف ناخب المرسّمين في القوائم الرسمية. وما يجدر ذكره هنا أن «الهيئة» كانت قد أسقطت رسمياً 3 مرشحين بارزين أعادتهم «الجلسة العامة للمحكمة الإدارية» للسباق، هم على التوالي: المنذر الزنادي، وزير التجارة والسياحة والنقل والصحة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد اللطيف المكي، وزير الصحة لفترتين في العشرية الماضية، وعماد الدايمي، الوزير والبرلماني السابق ما بين 2011 و2019.

معارك قانونية وسياسية

بعد اختلاط الأمور و«الأجندات»، تباينت التقييمات داخل النخب والأوساط الدبلوماسية والسياسية في تونس للعملية الانتخابية الحالية، التي أعلن رسمياً أنها انطلقت يوم 14 يوليو (تموز) الماضي.

فقد انتقد قياديون في «الاتحاد العام التونسي للشغل» بينهم أمينه العام نور الدين الطبوبي، وفي «منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان» بينهم رئيسها المحامي سامي الطريفي، «المناخ السياسي والإعلامي والحقوقي في البلاد»، واعتبروا أنه «غير ملائم لتنظيم انتخابات تعدّدية نزيهة وفق المقاييس الدولية»، خلافاً لمناخ انتخابات 2014 و2019. ولفت سامي الطاهري، الناطق الرسمي باسم «الاتحاد العام التونسي للشغل» - الذي يعدّ أكبر قوة نقابية وسياسية في تونس - خصوصاً إلى «الأجواء التي تجري فيها العملية الانتخابية»، وذلك إثر استبعاد عشرات من زعماء المعارضة والنشطاء المستقلين بسبب إيقافهم وفتح قضايا أمنية عدلية ضدهم بتهم خطيرة، بينها «التآمر على أمن الدولة» و«الفساد».

كذلك، لوّحت بلاغات رسمية باسم اتحاد النقابات بـ«سيناريو» تنظيم إضراب عام في البلاد للضغط على السلطات.

قضايا التآمر على أمن الدولة

في سياق متصل، كشف المحامي والأكاديمي اليساري والوزير السابق عبد الوهاب معطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن نحو 15 قضية «تآمر على أمن الدولة» فُتحت ضد شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة، بعضها كان معنياً بالترشح للانتخابات.

في الوقت نفسه، قال المحامي عبد الرؤوف العيادي، زعيم حزب «وفاء»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الإيقافات والتحقيقات شملت خلال الأشهر الماضية عشرات من أبرز السياسيين وحرمتهم من فرصة الترشح، وعدّد بين هؤلاء: القيادي في «جبهة الخلاص» المعارضة جوهر بن مبارك، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي الوزير غازي الشواشي، والمدير التنفيذي لحزب «أمل» ومدير مكتب رئاسة الجمهورية سابقاً الوزير رضا بالحاج، إلى جانب عدد من القياديين في أحزاب «حركة النهضة» (إسلامي محافظ) و«قلب تونس» (ليبرالي) وائتلاف «الكرامة» (محافظ) وحزب «حراك تونس – الإرادة» (الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) وحزب المؤتمر (الذي يتزعمه المحامي والوزير السابق سمير بن عمر).

أيضاً، انتقد حسام الحامي منسّق «ائتلاف صمود»، وهو تكتل للمعارضين اليساريين، رفض ترشّحات 14 شخصية سياسية وأكاديمية ممّن قدّموا رسمياً ملفاتهم للهيئة العليا للانتخابات، وجرى استبعادهم لأسباب «إجرائية» عدة، بينها عدم تقديم نسخة من بطاقة السوابق العدلية أو وثائق تثبت أنه وقع تزكيتهم من قبل 10 آلاف ناخب أو من قِبل 10 أعضاء في البرلمان.

وفي سياق متصل، كان بين المستبعدين لهذه الأسباب رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، والإعلامي والسياسي المخضرم الصافي سعيد والوزير السابق للتعليم المثير للجدل والناشط اليساري ناجي جلول.

أما المحامية عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحرّ، فقد استُبعدت بسبب تعرضها للإيقاف منذ سنة، إثر تحركات شاركت فيها رفقة عشرات من كوادر حزبها، واتهمت السلطات منظميها بـ«تهديد الأمن العام».

هذا، ولم تسفر المظاهرات التي نظمها أخيراً آلاف من أنصار هذا الحزب ومن ممثلي «الشبكة التونسية للحقوق والحرّيات» - التي تضم عشرات المنظمات والشخصية المستقلة والحزبية - عن الإفراج عن غالبية الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

كذلك فشلت ضغوط المعارضة في تغيير شروط الترشح للانتخابات، بل العكس هو الذي حصل، على حد تعبير المحامية والناشطة السياسية اليسارية دلية مصدق بن مبارك والحقوقي شاكر الحوكي والأكاديمية والناشطة النسوية اليسارية سناء بن عاشور.

معارك قضائية وسياسية

من جهة ثانية، في سياق التسارع الكبير للأحداث، فجّر السباق نحو قصر الرئاسة هذا العام سلسلة معقّدة من المعارك القانونية والقضائية والسياسية داخل البلاد، وفي أوساط الجالية التونسية في الخارج، التي تقدر بنحو مليونين، أي خُمس المواطنين.

ومن أبرز أسباب هذه المعارك، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية شاكر الحوكي، رفض «الهيئة العليا للانتخابات» تنفيذ قرار «نهائي وغير قابل للطعن» أصدرته الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضياً من «أعلى رتبة» بينهم الرئيس الأول للمحكمة. ولقد نصّ هذا القرار على «قانونية ترشح الوزراء الثلاثة السابقين منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بعد قبول طعنهم في قرار إقصائهم» من قِبل ممثلي السلطة الانتخابية برئاسة القاضي فاروق بوعسكر.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانخراط في هذه المعركة عبر الانحياز لموقف المحكمة الإدارية و«علوية قراراتها» شمل عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية وعمداء الكليات وقادة «الاتحاد العام التونسي للشغل» وهيئات نقابات المحامين والقضاة والصحافيين ومنظمات حقوقية عديدة.

وفي الإطار عينه، رفع عدد من الحقوقيين بينهم القاضي السابق والمحامي أحمد صواب والإعلامي والناشط السياسي زياد الهاني قضايا عدلية أمام محكمة تونسية ضد «الهيئة العليا للانتخابات»، وشكّك صواب والهاني في استقلالية رئاسة «الهيئة» وحياديتها، طالباً من القضاء استصدار قرار ينص على «إلزامية تنفيذ قرار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقضاتها الـ27» حيال الزنايدي والدايمي والمكي.

واعتبر صواب في تصريح لـ«لشرق الأوسط» أن «المحكمة الإدارية» أعلى سلطة في النزاعات الانتخابية في ظل غياب «المحكمة الدستورية»، وهي المكلفة البت في الخلافات بين المرشحين للانتخابات وسلطات الإشراف وبينها «الهيئة العليا للانتخابات». أما الهاني، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام قريصيعة وأعضاء المحكمة الـ27 مطالبون قانوناً بضمان توسيع قائمة المرشحين، وإن لزم الأمر عبر مراجعة روزنامة الانتخابات، أي تأجيل موعد الاقتراع العام».

ناخبة تونسية داخل مركز اقتراع (آ ف ب)

اتهامات... ومحاكمات

في هذه الأثناء، شنّ برلمانيون مقرّبون من السلطات ومن فريق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد حملة إعلامية ضد المعارضين الذين تحرّكوا في الكواليس ونظموا مظاهرات في الشوارع للمطالبة بتوسيع قائمة المرشحين في الانتخابات لتشمل «وزراء وشخصيات من المتهمين بالتآمر على أمن الدولة».

واتّهم هؤلاء، وبينهم البرلمانية سيرين مرابط والناشط السياسي اليساري السابق رياض جراد، بعض معارضي الرئيس سعيّد بالخيانة الوطنية و«محاولة توظيف أجواء العملية الانتخابية الحالية لتمرير مخطّطات وصاية أجنبية على البلاد، بالتعاون مع عدد من نشطاء الجمعيات والأحزاب التي تحصل على تمويلات أجنبية قدّرت قيمتها بمئات مليارات من المليمات».

كذلك، قدّم 34 نائباً من أعضاء مجلس النواب مشروع تعديل «استعجالي» للقانون الانتخابي الصادر عام 2014؛ بهدف إحالة مهمة البت في «النزاعات الانتخابية» إلى المحاكم العدلية العادية لا المحكمة الإدارية، التي لا تخضع إدارياً إلى سلطة وزارة العدل ورئاسة النيابة العمومية وتتمتع باستقلالية نسبية.

من جانبه، نشر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية تصريحات عديدة للرئيس سعيّد شكّك فيها في «وطنية» عدد من المعارضين، واتهمهم «بالحصول على تمويلات أجنبية ضخمة وبالانخراط ضمن» مؤامرة «تستهدف أمن البلاد واستقرارها».

وشكك البلاغ الانتخابي لسعيّد في صدقية منظمي التحركات الاحتجاجية على المسار الانتخابي والسياسي الحالي في الشارع وفي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. واتهم البلاغ هؤلاء المعارضين وبعض المرشحين «الافتراضيين» للرئاسة بـ«التبعية للخارج» وأنصارهم بكونهم «تحالف الأضداد». وأورد سعيّد على هامش اجتماعات عقدها مع وزيري الداخلية خالد النوري والعدل ليلى جفّال أن السلطات سمحت للمعارضين بتنظيم مسيرات رفعوا خلالها شعاراتهم بكل حرية «حمتها قوات الأمن»، على الرغم من كونها جمعت «خصوم الأمس» و«الأفرقاء».

فوز متوقع في انتخابات الغد للرئيس قيس سعيّد (أ ف ب/غيتي)

بدء العد التنازلي؟

وإذ ترجّح موازين القوى السياسية الحالية في تونس فوز الرئيس سعيّد بعهدة ثانية تمتد إلى 2029، تشهد كواليس السياسيين صراعاً بين تيارين كبيرين:

الأول يدعو إلى المقاطعة، وهو يضم القيادي المعارض أحمد نجيب الشابي وساسة بارزين حثّوا على مقاطعة الانتخابات، والتأهب لمعارك سياسية وإعلامية جديدة توقعوا أن تكون لصالح المعارضين، وتبدأ بعد «محطة» 6 أكتوبر التي يتوقعون أن تكون نسبة المشاركة فيها ضعيفة جداً على غرار انتخابات العامين الماضيين.

أما الآخر فيدعو إلى المشاركة بكثافة، وبين شخصياته ساسة وحقوقيون قريبون من جبهة الخلاص المعارضة، كالمحامية اليسارية دليلة مصدق بن مبارك، والحقوقية شيماء عيسى والزعيم اليساري السابق الوزير محمد عبو.