50 عاماً على أول قدم تطأ سطح القمر

مهمّة «أبوللو 11»... حدث إعلامي عالمي

مسافرون في مطار جون كيندي بنيويورك يشاهدون لحظة الهبوط على القمر  -  مارّة في برلين يحتشدون لمتابعة الحدث التاريخي
مسافرون في مطار جون كيندي بنيويورك يشاهدون لحظة الهبوط على القمر - مارّة في برلين يحتشدون لمتابعة الحدث التاريخي
TT

50 عاماً على أول قدم تطأ سطح القمر

مسافرون في مطار جون كيندي بنيويورك يشاهدون لحظة الهبوط على القمر  -  مارّة في برلين يحتشدون لمتابعة الحدث التاريخي
مسافرون في مطار جون كيندي بنيويورك يشاهدون لحظة الهبوط على القمر - مارّة في برلين يحتشدون لمتابعة الحدث التاريخي

تغزّل به كثيرون وكان حلماً يقبع في خيال البشرية، إلى أن أصبح حقيقة ملموسة في 20 يوليو (تموز) عام 1969. فقبل 50 عاماً وطئت قدم رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ سطح القمر.
خطوة أرمسترونغ كانت حسب وصفه، «خطوة صغيرة لإنسان وعملاقة للبشرية»، حينها هبط هو وباز ألديرن على سطح القمر وقضيا ساعتين ونصف الساعة يستكشفان المكان، في حين دار مايكل كولينز بمركبة الفضاء في مدار حول القمر. أكثر من 600 مليون إنسان من حول العالم تابعوا التغطية المباشرة على شاشات التلفزيون، وحرص الإعلام أينما كان على توثيق مهمة «أبوللو 11».
أخيراً، أصبحت الأقمار الصناعية مستعدة لنقل صور إلى الأرض عام 1969. في الوقت الذي تابع الحدث نحو 600 مليون شخص على الهواء مباشرة.
وبينما كان نيل أرمسترونغ وبز ألدرين ومايكل كولينز يصنعون التاريخ بالأعلى، كان مخرج الأخبار التلفزيونية، جويل بانو يضطلع بدوره على الأرض، ذلك أنه تولى قيادة الفريق المعني بتغطية رحلة «أبوللو 11» لحساب قناة «سي بي إس نيوز»، أثناء وقوفه على قدمه على نحو جعله يبدو أشبه بمايسترو داخل دار أوبرا.
بوجه عام، تولى بانو الإشراف على 32 ساعة من البرامج خلال يومي 20 و21 يوليو (تموز)، حسبما ذكر خلال مقابلة أجريت معه، ما يعني أياماً من التدريب ومتابعة عمل فريق من المراسلين والمنتجين بلغ درجة من الضخامة لدرجة أن قائمة أسماء المشاركين في العمل التي ظهرت في النهاية استغرق عرضها سبعة دقائق.
وكان ذلك واحداً من أكبر التغطيات الإخبارية العالمية للحدث. وأوضح المخرج أنه استعد للمهمة من خلال معاونته في تغطية رحلات «أبوللو» السابقة والعديد من الرحلات التي انطلقت إلى عطارد.
وفي الـ20 من يوليو (تموز) 1969. وفي العاشرة و56 دقيقة مساءً، ظهرت صورة مهتزة بالأبيض والأسود على الشاشة لأرمسترونغ وهو يهبط درجات سلم. وعندما وطأ بقدمه سطح القمر، جلس بانو على مقعده أخيراً.
وعن هذا العمل، قال بانو الذي يبلغ اليوم 84 عاماً: «شعرت بالفخر لكوني جزءا من هذا العمل، لكنني كنت مندهشاً كذلك من نجاح «ناسا» في فعل ذلك دون الوقوع في خطأ. لقد نجحنا. نجحنا. وأضفى علي هذا شعوراً بالارتياح».
وقد شاهد نحو 600 مليون شخص، ما يعادل خمس سكان العالم، أرمسترونغ وهو يطأ بقدميه القمر، في معدل قياسي للمشاهدة ظل قائماً حتى حفل زفاف الليدي ديانا سبنسر والأمير تشارلز عام 1981.
وتولت جميع الشبكات الأميركية الثلاث الكبرى ـ «سي بي إس» و«إن بي سي» و«إيه بي سي» ـ تغطية رحلة «أبوللو 11».
أما الأشخاص الذين لم يكونوا يملكون جهاز تلفزيون أو وجدوا أنفسهم بعيداً عن منازلهم، فقد حرصوا على متابعة الحدث داخل المقاهي والميادين الكبرى والمتاجر الضخمة، حسبما ذكر ديفيد ميرمان سكوت، الذي شارك في تأليف كتاب «تسويق القمر» الصادر عام 2014.
من جانبها، عكست تغطية «بي بي سي» البريطانية للحدث قدراً أقل من التوقير عن نظيراتها الأميركية، ذلك أنها أذاعت «سبيس أوديتي»، في إشارة إلى أغنية كان قد أطلقها للتو المغني الشهير ديفيد بوي، أثناء نقل فعاليات الحدث. وخلال استراحة قصيرة، بثت «بي بي سي» أغاني حية من داخل الاستوديو.
في المقابل، حرصت الشبكات الإعلامية داخل الولايات المتحدة على أن ترفق مع تغطيتها للحدث ساعات من التحليل والمواد الترفيهية المرتبطة بالقمر. على شاشة «إيه بي سي»، تبادل الروائي المتخصص في أدب الخيال العالمي، إيساك أسيموف، في حديث مع رود سيرلينغ، مؤلف مسلسل «ذي توايلايت زون» التلفزيوني. كما تعاقدت الشبكة مع ديوك إلينغتون لتقديم عمل جديد بهذه المناسبة. وبالفعل، قدم أول أغنية له أمام شاشات التلفزيون وشدى صوته على الهواء بأغنية من تأليفه بعنوان «مون ميدين».
أما كتاب العناوين الإخبارية، فحاولوا إضفاء صبغة شعرية على العناوين. على سبيل المثال، كان مانشيت «ذي كوكومو تريبيون» الصادرة في إنديانا: «رواد فضاء يحفرون أسمائهم بجانب أعظم مستكشفي التاريخ». أما «ذي أولد سيتي ديريك» في بنسلفانيا فاختارت أن يكون عنوانها الرئيسي: «الأميركيون يهبطون على القمر». أما العنوان الكبير لـ«ذي نيويورك تايمز» فجاءت صيغته مباشرة للغاية ـ «الإنسان يسير على القمر» ـ وطبعته الصحيفة في أكبر حجم على الإطلاق يستخدم بمجال الصحف. أما في موسكو، جاءت التغطية ضعيفة.
داخل الولايات المتحدة، قضت «ناسا» سنوات في محاولة رسم صورة لرواد الفضاء العاملين لديها كشخصيات أسطورية، ومنحت مجلة «لايف» حق حصري للتواصل معهم في إطار محاولتها لتشكيل الرأي العام.
ودخلت صناعة الإعلانات على الخطة، أيضاً. في أحد الإعلانات، أظهرت شركة «باناسونيك» رواد فضاء على سطح القمر يشاهدون تلفزيون، وفي الأسفل كتبت عبارة: «الآن يمكنك رؤية الروس وهم قادمون حتى ولو كنت على بعد 250.000 من الديار». أيضاً، ظهرت أفكار مرتبطة بالفضاء في إعلانات شركات أخرى بارزة مثل «سوني» و«فورد» و«يونايتد» و«موتورولا».
ظلت رحلة «أبوللو 11» حية لفترة طويلة على الساحة الإعلامية. وكسر أرمسترونغ نهجه المألوف بتجنب وسائل الإعلام خلال السنوات التي أعقبت سيره على القمر بظهوره في إعلان لسيارات «كرايسلر» عام 1979.
أما ألدرين، الذي كان أقل نفوراً من وسائل الإعلام، فظهر في فيلم «ذي ترانسفورمرز» ونافس في برنامج «دانسينغ ويز ذي ستارز» وشارك مع سنوب دوغ في أغنية «روكيت إكسبرينس». واعترف بأن وجوده في دائرة الضوء أسهم في انهيار زيجاته وتورطه لسنوات في إدمان الكحوليات والمعاناة من الاكتئاب.
جدير بالذكر أن رواد فضاء لدى «ناسا» هبطوا على القمر ستة مرات بين عامي 1969 و1972. لكن الاهتمام العام كان قد تراجع بحلول وقت هبوط فريق آخر من رواد الفضاء على القمر للمرة الثانية.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ شعار وكالة «ناسا» (رويترز)

ترمب يرشح جاريد إيزاكمان لرئاسة «ناسا»

رشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اليوم الأربعاء جاريد إيزاكمان لقيادة إدارة الطيران والفضاء (ناسا).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق صورة رادارية تكشف عن قاعدة عسكرية مهجورة في غرينلاند (ناسا)

إنجاز علمي جديد... «ناسا» ترصد «مدينة تحت الجليد» مدفونة في غرينلاند

كشفت صورة رادارية التقطها علماء «ناسا» أثناء تحليقهم فوق غرينلاند عن «مدينة» مهجورة من حقبة الحرب الباردة تحت الجليد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».