أوروبا منقسمة حول خطة إنقاذ المهاجرين

تحاول دول الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة التوصل إلى اتفاق حول استجابة مشتركة للتعامل مع تدفقات المهاجرين عبر البحر المتوسط. وفي الماضي، كانت إيطاليا تستقبل معظم المهاجرين الوافدين، إلا أن الحكومة الشعبوية في روما بدأت تطالب الدول الأعضاء الأخرى بقبول حصتها العادلة. وقادت فرنسا وألمانيا الجهود للتوصل إلى اتفاق مؤقت بين دول الاتحاد لتوزيع طالبي اللجوء الذين يجري إنقاذهم في البحر المتوسط، وذلك في محادثات غير رسمية شهدتها هلسنكي بحضور وزير الداخلية الإيطالية ماتيو سالفيني.
جزيرة قبرص التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون باتت تستقبل أعلى نسبة مهاجرين في دول الاتحاد الأوروبي مقارنة بعدد السكان، وتبلغ هذه النسبة ثمانية أضعاف ما هي عليه في فرنسا، حسب المكتب الأوروبي للإحصاءات (يوروستات). وقال زينوناس تزياراس الباحث في مركز «بريو» للأبحاث، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم تكن قبرص وجهة مفضلة للاجئين، فهي جزيرة وبعيدة جداً عن أوروبا» مضيفاً: «إلا أن الوضع اختلف وباتت الجزيرة خيارهم الوحيد: فطريق الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي عبر اليونان أقفلت، وأوضاع اللاجئين في الدول المجاورة لسوريا تراجعت كثيراً على غرار ما هو حاصل في تركيا ولبنان. وهكذا أصبحت قبرص فجأة قريبة جداً بالنسبة إلى السوريين».
ولا تبعد الشواطئ القبرصية أكثر من مائة كيلومتر عن لبنان و80 كلم عن تركيا، ما يشجع المهربين على اقتراح هذه الطرق على السوريين من أمثال «عمر»، الذين يكررون دائماً القول: «الموت في البحر أفضل من الموت في سوريا». ويشكل اللاجئون من الجنسية السورية العدد الأكبر من اللاجئين الذين وصلوا إلى قبرص، حسب «يوروستات».
لكن الأجهزة الخاصة باستقبال المهاجرين واللاجئين باتت عاجزة عن تقديم الخدمات اللازمة لهم مع تزايد عددهم بشكل كبير، وباتت بحاجة إلى ما بين ستة أشهر وسنة لإعطاء رخصة عمل في قبرص للمهاجر، حسبما يقول مسؤول طلب عدم الكشف عن اسمه.
وأضاف: «قبلاً كنا نستقبل عشرات اللاجئين سنوياً، أما الآن فنتعامل مع الآلاف كل ثلاثة أشهر».
وفي نيقوسيا سجلت منظمة «كاريتاس» غير الحكومية «ارتفاعاً هائلاً» في عدد المهاجرين الذين يطلبون المساعدة منها، حسبما تقول إليزابيت كاسينيس، المسؤولة عن هذه المنظمة في قبرص. وتشرح أنه إضافةً إلى السوريين، «بدأنا نرى مهاجرين قادمين من غرب أفريقيا». وتتهم السلطات القبرصية المعترف بها دولياً بشكل متكرر السلطات القبرصية الشمالية بعدم السعي لوقف هذا التدفق للمهاجرين إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها. وتفيد معلومات وزارة الداخلية بأن 3000 مهاجر عبروا عام 2019 من شمال قبرص إلى الجنوب لطلب اللجوء، مقابل 138 عام 2017، وغالبية هؤلاء تصل إلى «جمهورية شمال قبرص التركية»، غير المعترف بها دولياً، عبر مطار إرجان، حيث يعتبر الخبراء أن أجهزة الهجرة هناك لا تتعاطى بجدية مع الواصلين. ويضيف تزياراس: «بالنسبة إلينا فإن الاحتلال التركي للشمال يعني أننا سنكون عاجزين عن ضبط حركة الهجرة. إنها معضلة فعلية».
واعتبر أيضاً وقوع جزيرة قبرص الهادئة وسط منطقة تعاني من الكوارث، ووجود خط فاصل بين قسمي الجزيرة لا يتم التعامل معه على أنه حدود فعلية، إنما «يزيدان مشكلة الهجرة تأزيماً». وتابع: «إن تركيا هي جزء من المشكلة لكننا لا نعوّل إلا على مساعدة الاتحاد الأوروبي» خصوصاً على مستوى التمويل. من جهتها تضيف مسؤولة كاريتاس: «عندما يجد اللاجئون أنهم قاموا بهذه الرحلة ومن الصعب جداً عليهم الوصول إلى قلب القارة الأوروبية... ينتابهم شعور كبير بخيبة الأمل».
أعلن وزير الداخلية الفرنسية كريستوف كاستانيه، أن وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي فشلوا في التوصل إلى اتفاق على آلية خاصة بتوزيع طالبي اللجوء الذين يصلون إلى شواطئ الاتحاد، إلا أنه أشار إلى أن الجهود ستتواصل. إلا أن كاستانيه أوضح أن المشاورات التي بدأت، الأربعاء، شهدت «تبايناً كبيراً جداً في الآراء»، حيث رفض بعض الوزراء استقبال مهاجرين وطالب آخرون بالتضامن، فيما أعرب كثيرون عن مخاوفهم من خلق حافز لمزيد من محاولات الهجرة غير الشرعية عبر البحر. وأوضح الوزير أنه سيتم إجراء المزيد من التشاور في هذا الشأن خلال اجتماع مقرر، الاثنين القادم، في باريس لوزراء الخارجية والداخلية، مضيفاً أن الهدف هو إقناع نحو 15 دولة بالمشاركة في الآلية.
وكتب سالفيني على «تويتر» خلال محادثات هلسنكي: «أثنى وزراء من العديد من الدول على سياسة إيطاليا في الدفاع عن حدودها، والتي قادت إلى تراجع كبير في عدد الوافدين إلى أوروبا والضحايا في البحر المتوسط». وقبيل الاجتماع، صرح وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، بأنه سيسعى من أجل التوصل «لترتيب مؤقت» لتوزيع المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط. إلا أنه أعرب عن تشككه في إمكانية التوصل إلى اتفاق.
في سياق متصل، قام ممثلو الادعاء، أمس (الخميس)، باستجواب قائدة سفينة الإنقاذ الألمانية، كارولا راكيته، في إطار التحقيقات الجنائية الإيطالية ضدها. وأفادت وكالتا «أدنكرونوس» و«أنسا» للأنباء، بأن راكيته، التي تعمل لدى جمعية «سي ووتش» الألمانية الخيرية، وصلت إلى مكتب المدعي العام في أغريغنتو برفقة محاميين اثنين. ولم يصدر عن راكيته، 31 عاماً، أي تصريحات لوسائل الإعلام. وقال متحدث باسم «سي ووتش» إنه لا يتوقع أن يؤدي الاستجواب إلى اتخاذ أي قرار بصورة فورية. ويجب على ممثلي الادعاء أن يقرروا ما إذا كانوا سيطلبون محاكمة راكيته أو إسقاط التهم ضدها. وكانت راكيته قد أصبحت مشتبه بها جنائياً في إيطاليا بعد أن رست بسفينتها التي كانت تُقلّ على متنها 40 مهاجراً على جزيرة لامبيدوسا في 29 من يونيو (حزيران) الماضي، متجاهلةً بذلك أوامر السلطات عدم دخول المياه الإقليمية الإيطالية.