برلمان تركيا يقر تعديلات الاحتياطيات القانونية للمركزي دعماً للميزانية

المعارضة تحذر من خطة تنمية حكومية... وتعتبرها «إعلان موت» للزراعة

يعاني قطاعا الإنشاءات والطاقة الكبيران في تركيا بشدة حالياً من خدمة دين بمليارات الدولارات (رويترز)
يعاني قطاعا الإنشاءات والطاقة الكبيران في تركيا بشدة حالياً من خدمة دين بمليارات الدولارات (رويترز)
TT

برلمان تركيا يقر تعديلات الاحتياطيات القانونية للمركزي دعماً للميزانية

يعاني قطاعا الإنشاءات والطاقة الكبيران في تركيا بشدة حالياً من خدمة دين بمليارات الدولارات (رويترز)
يعاني قطاعا الإنشاءات والطاقة الكبيران في تركيا بشدة حالياً من خدمة دين بمليارات الدولارات (رويترز)

أقر البرلمان التركي قانونا يتضمن تعديلات على توزيع الاحتياطيات القانونية للبنك المركزي وعمليات إعادة هيكلة الديون. ويجنب القانون الجديد، الذي سيصادق عليه الرئيس التركي في مدى زمني 15 يوما، 10 في المائة بدلا عن 20 في المائة من أرباح البنك المركزي كاحتياطيات قانونية، مع تحويل القدر المتراكم من السنوات السابقة إلى ميزانية الدولة. ويستهدف التعديل دعم الميزانية العامة لتركيا الآخذة في التدهور، والتي حققت عجزا بلغ نحو 14 مليار دولار في النصف الأول من العام، فيما سبق أن توقعت الحكومة أن يكون العجز بنهاية العام نحو 14.5 مليار دولار.
والاحتياطيات القانونية منفصلة عن احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي، ويُلزم القانون البنك بتجنيبها من الأرباح للاستخدام في الظروف الاستثنائية.
ويتضمن القانون أيضا تعديلات على نسبة الاحتياطي القانوني، حيث سيأخذ البنك المركزي في الحسبان البنود التي تقع خارج ميزانيات البنوك والمؤسسات المالية الأخرى عند حساب نسب الاحتياطي الإلزامي.
ويحوي القانون المعدل تغييرات على إعادة هيكلة الديون. إذ سيصبح من الممكن إعادة هيكلة قروض شركة ما جزئيا أو كليا من جانب المقرضين إذا حصلت الشركة على تقييم بأنها تستطيع سداد الدين. كان قطاعا الإنشاءات والطاقة الكبيران في تركيا أسرفا لسنوات في الاقتراض الرخيص بالعملة الصعبة، لكنهما يعانيان حاليا لخدمة دين بمليارات الدولارات إثر انخفاضات حادة في قيمة الليرة التركية التي فقدت 30 في المائة من قيمتها العام الماضي، والتي واصلت خسائرها خلال العام الجاري مع نسبة تقترب من 10 في المائة.
وأعلنت وزارة الخزانة والمالية، التي يتولاها برات ألبيراق صهر الرئيس رجب طيب إردوغان، في أبريل (نيسان) الماضي خطة لنقل القروض المتعثرة إلى صندوق من أجل تحرير الموارد المصرفية ودعم الصناعات التي تنوء تحت وطأة اقتصاد متباطئ. وتعثرت الخطة بعد أن رفضها المصرفيون وجمدتها الحكومة نتيجة لذلك.
وعزل إردوغان قبل أسبوعين محافظ البنك المركزي مراد شتينكايا، وعين بدلا عنه نائبه مراد أويصال، مبررا ذلك برفضه خفض معدل الفائدة عن 24 في المائة، في وقت تشهد فيه تركيا تذبذبا في سعر صرف عملتها ومعدل تضخم مرتفع ومعدلات إفلاس غير مسبوقة للشركات مع تضخم الديون الداخلية والخارجية وهروب الاستثمارات الأجنبية.
وتعهد إردوغان بخفض حاد في سعر الفائدة حتى نهاية العام الجاري، وسط قلق من تأثير على قدرة البلاد على جذب رؤوس الأموال الأجنبية والاستثمارات.
وتترقب الأوساط الاقتصادية الاجتماع المقبل للجنة السياسات النقدية في البنك المركزي التركي في 25 يوليو (تموز) الجاري، والخطوة التي ستتخذها تجاه سعر الفائدة، الذي رفعه البنك في سبتمبر (أيلول) 2018 بواقع 750 نقطة مئوية في محاولة لكبح انهيار الليرة والتضخم الذي قفز إلى أكثر من 25 في المائة في أعلى معدل على مدى 15 عاما.
في سياق مواز، انتقد أورهان صاري بال، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض «خطة التنمية الحادية عشرة» التي صادق عليها الرئيس التركي قبل أيام، ويناقشها البرلمان حالياً.
وقال صاري بال، في مؤتمر صحافي بمقر البرلمان، إن تلك الخطة «جاءت للقضاء على المزارع وإنهاء الزراعة في تركيا».
وأعلنت الحكومة التركية الخطة خلال الأيام القليلة الماضية، والتي قالت إنها تسعى من خلالها لتحقيق أهدافها لعام 2023، وهي أولى خطط التنمية بعد تفعيل النظام الرئاسي في البلاد العام الماضي. ويعاني الاقتصاد التركي أزمة خانقة حيث انخفضت الليرة التركية أمام الدولار إلى أدنى مستوياتها، وارتفع معدل التضخم الذي يقف حاليا عند 15.7 في المائة، وهو ما ألقى بظلاله على مختلف قطاعات الاقتصاد.
وتتضمن الخطة رؤية تنموية لتركيا، وتقترح خريطة طريق أساسية للأعوام الأربعة المقبلة. وقال المعارض التركي إن لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان قامت بتمرير الخطة دون أن تنظر إلى الانتقادات الموجهة لآثارها السلبية على جميع القطاعات، لا سيما القطاع الزراعي.
وأوضح صاري بال أن الخطة لم تتضمن إفادة واحدة حول حماية الأراضي الزراعية، قائلا: «لو نظرنا إلى القوانين التي أصدرها حزب العدالة والتنمية الحاكم على مدار 17 عاماً، لوجدنا أنهم تبنوا سياسات تعمل على القضاء على الأراضي الزراعية، واستخدامها في أغراض أخرى». وأضاف: «ولا تحوي الخطة أي شيء على الإطلاق خاص بالسيادة الغذائية والأمن الغذائي، وكل ما بها مجرد (آمال وتمنيات) ليس أكثر»، مشيرا إلى أنه عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم نهاية العام 2002 كانت العمالة في القطاع الزراعي تقدر بـ35 في المائة، لكنها انخفضت الآن لتصل إلى ما بين 17 و18 في المائة فقط، ولا شك في أن الأمر يشهد تراجعاً سريعاً، إذا استمرت إدارة القطاع الزراعي بهذا الشكل. وتابع: «لهذا السبب لا توجد أي دلالة على ما ستؤول إليه العمالة في القطاع الزراعي. فكم من الأشخاص سيعملون في هذا القطاع بعد 5 سنوات مثلا؟ فلا يوجد هناك أي مؤشر أو معيار أو معطيات حول مسؤولياتهم في هذا القطاع».
وأشار صاري بال إلى أن الديون التي كانت مستحقة على 2.8 مليون مزارع عام 2002 كانت تقدر بـ530 مليون ليرة، أما الآن فانخفض عدد المزارعين إلى 2.1 مليون شخص، وديونهم وصلت إلى 118 مليار ليرة، أي أن هذه الديون زادت بمقدار 222 ضعفا، محذرا من أنه في حالة عدم إعادة هيكلة هذه الديون، فلن تكون هناك إمكانية لدى المزارعين مستقبلاً للدفع أو للإنتاج، لذلك فإن الخطة المذكورة ما هي إلا «فرمان موت للزراعة».
ويعاني قطاع الزراعة في تركيا تراجعا حادا، بسبب السياسات القائمة على الاستيراد، حيث أصبحت تركيا مستوردا لمعظم احتياجاتها من البطاطس والقمح والبصل، ما أدى إلى ارتفاعات حادة في أسعار الخضراوات والفاكهة، فضلا عن قلة المعروض منها.
وأدت هذه السياسات أيضا إلى تقليص المساحات الخضراء، بسبب مشروعات عقارية دمرت مساحات تعادل مساحة هولندا أو بلجيكا، وتراجعت حصة الصادرات الزراعية من الدخل القومي، من 10.27 في المائة إلى 5.76 في المائة، وخسر القطاع 167 مليار ليرة، خلال الـ16 عاما.
ومثلت حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا نحو 359.3 مليار ليرة عام 2002، عام وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، بما يعادل نحو 10.27 في المائة، ثم تراجعت العام الماضي، لتصل إلى 5.76 في المائة، بما يعادل 213.3 مليار ليرة.



«المركزي التركي» يعدل من توقعاته للتضخم في ظل تفاؤل باستمرار التراجع

أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)
أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)
TT

«المركزي التركي» يعدل من توقعاته للتضخم في ظل تفاؤل باستمرار التراجع

أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)
أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)

عدل البنك المركزي التركي من توقعاته للتضخم وأسعار الفائدة والصرف ومعدل النمو بنهاية العام الحالي، وسط تحذيرات من تداعيات السياسات الاقتصادية «الخاطئة» وأزمة التضخم وزيادة الضرائب التي دفعت الأفراد إلى سلوكيات استهلاكية مفرطة.

وحسب «استطلاع يناير (كانون الثاني) 2025 للمشاركين في السوق»، الذي تم إجراؤه بمشاركة 68 ممثلاً من القطاعات المختلفة، ونشره البنك المركزي، بلغ متوسط توقعات التضخم السنوي، حتى نهاية العام، 27.05 في المائة.

وتراجعت توقعات التضخم للأشهر الـ12 المقبلة، بدءاً من يناير الحالي، إلى 25.38 في المائة من 27.07 في المائة في الاستطلاع السابق، ما اعتبر إشارة إلى تحسن نسبي في التوقعات قصيرة الأجل مقارنة بالعام بأكمله.

متسوقة تعاين الأسعار في سوبر ماركت بإسطنبول (إعلام تركي)

كما تراجعت توقعات سعر الفائدة لشهر يناير الحالي إلى 45 في المائة، مقابل 48.59 في المائة في الاستطلاع السابق، ما يعكس تفاؤلاً بالاستمرار في الانخفاض التدريجي في أسعار الفائدة.

وبالنسبة لسعر الصرف توقع المشاركون في الاستطلاع أن يرتفع سعر صرف الدولار إلى 43.03 ليرة تركية في نهاية العام الحالي، وأن يرتفع خلال الأشهر الـ12 المقبلة إلى 43.81 ليرة من 43.23 ليرة في الاستطلاع السابق، ما يعزز القلق بشأن استمرار ضعف العملة التركي.

وبالنسبة لتوقعات النمو، ظلت ثابتة دون تغيير عند معدل 3.1 في المائة كما في الاستطلاع السابق، بينما ارتفعت التوقعات لعام 2026 إلى 3.9 في المائة.

وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك (إكس)

وفي تقييمه لنتائج استطلاع المشاركين في السوق لشهر يناير، قال وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، إنه من المتوقع أن يشهد التضخم السنوي تراجعاً كبيراً خلال العامين المقبلين؛ إذ يتوقع أن ينخفض بمقدار 17 نقطة ليصل إلى 27.1 في المائة بنهاية العام الحالي.

وأضاف شيمشك أن التوقعات الخاصة بالتضخم السنوي تتحسن مع تقدم جهود مكافحة التضخم، وقد انخفضت على مدار 15 شهراً متتالياً، وفي عام 2024، شهدنا انخفاضاً بمقدار 20 نقطة في التضخم السنوي.

وأكد شيمشك أن الحكومة ستتخذ خطوات جديدة في مجالات الغذاء والإسكان والطاقة بهدف دعم جهود مكافحة التضخم، لافتاً إلى أهمية استمرار تحسن التوقعات.

وأضاف: «نخطط لتنفيذ سياسات عرضية لدعم هذه المجالات الحيوية إلى جانب السياسات التي تركز على الطلب».

في السياق ذاته حذر الخبير الاقتصادي الأكاديمي التركي، مهفي إيغيلماز، من «تداعيات السياسات الاقتصادية الخاطئة»، موضحاً أن أزمة التضخم وزيادة الضرائب دفعت الأفراد إلى سلوكيات استهلاكية مفرطة، وصفها بمصطلح «المنفق الهالك».

ولفت، عبر حسابه في «إكس» إلى أن السياسات الحالية المرتبطة بخفض أسعار الفائدة تسببت في تعقيد الوضع الاقتصادي، موضحاً أن المقصود بمصطلح «المنفق الهالك» هو الشخص الذي يفتقر إلى الأمل في المستقبل ويختار الإنفاق الفوري بدلاً من الادخار، وهو ما يعكس تأثيرات السياسات الاقتصادية غير المدروسة في السنوات الأخيرة.

وذكر إيغيلماز أن خفض الفائدة في عام 2021 أدى إلى قفزات كبيرة في معدلات التضخم، مؤكداً أن خفض الفائدة لمحاربة التضخم كان خطأ فادحاً، ما حول التضخم المرتفع إلى تضخم مفرط».

وأضاف أن رفع الفائدة كان هو الحل الأنسب للخروج من هذه الأزمة، وأن السياسات المالية خلال عام 2022 شجعت على زيادة الاستهلاك بشكل كبير، حيث دفعت الفائدة السلبية الحقيقية المواطنين إلى الاقتراض والإنفاق بدلاً من الادخار، ما أدى إلى اعتماد الكثيرين على القروض لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (الرئاسة التركية)

وأصر الرئيس التركي على مدى سنوات على خفض الفائدة معتبراً أن الفائدة المرتفعة هي السبب في زيادة التضخم، مخالفاً في ذلك النظريات الاقتصادية الراسخة.

وعزل إردوغان 5 رؤساء للبنك المركزي التركي في 3 سنوات، لإصراره على المضي في خفض الفائدة، إلى أن عاد وتقبل السياسة العقلانية التي أعادها وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، عقب تعيينه في منصبه، في يونيو (حزيران) 2023، عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في مايو (أيار) من ذلك العام.

وأكد إردوغان، مراراً خلال الأسابيع الأخيرة، أن الحكومة ستواصل عملها على خفض التضخم، مطالباً المواطنين بالمزيد من الصبر.

وحذر إيغيلماز من أن استمرار السياسات الخاطئة سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. ودعا إلى مراجعة عاجلة للسياسات النقدية لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.