صدرت عن «دار الآداب» ببيروت رواية «البنتُ التي لا تحِّبُ اسمَها» لأليف شافاك وهي رواية مختلفة عن رواياتها السابقة حجماً وشكلاً ومضموناً فهي لم تجتز الـ159 صفحة، كما أنّ ثيمتها مختلفة عن الموضوعات التي عالجتها في نصوصها السردية السابقة مثل التصوّف، والظلم الاجتماعي، والهُويات الهامشية وما إلى ذلك، غير أن روايتها الجديدة هي رواية عجائبية بامتياز، تنطلق من الواقع، ثم تعود إليه بعد أن تحلّق في الخيال وتأخذنا فيما يشبه الرؤيا الحُلُمية المُقنِعة على الرغم من غرابتها ومناخها الفنتازي.
تتألف الرواية من 16 فصلاً تُذكِّر منْ يَقرأها بقصص «ألف ليلة وليلة»، الكتاب الذي تُفضِّله إليف ضمن عشرة كتب أساسية، وهي لا تجد حرجاً في استعارة هذه التقنية التي تؤهلها لكتابة نص إبداعي يتوفر على اشتراطاته الفنية المكتملة التي تُمتّع القارئ وتنفعه في خاتمة المطاف.
نتعرّف في الفصل الأول على عائلة صغيرة تتألف من الأب حسن، والأم خيال، والطفلة اليافعة التي لا تحب اسمَها «زهرة الساردونيا» الذي تعدّه أغرب اسم في العالم، وأن التلاميذ المشاكسين يسخرون منها في المدرسة لكنها تحب قراءة الكتب، وسماع الموسيقى، والرسم، وتستعير القصص والروايات من مكتبة المدرسة وتعيدها بانتظام. ونتيجة لشغفها بالقراءة تكتشف القارة الثامنة. لا تتأخر إليف كثيراً قبل أن تضعنا أمام الانعطافة الأولى للرواية وهي سفر والديها إلى خارج البلد لمدة أسبوع، وسوف يعتني بها جدّاها خلال فترة غيابهما الذي لم يفصحا عن السبب الحقيقي له لكنها بالمصادفة سمعت أمها تقول: «لن تُباشر بالعمل بعد إجراء العملية». أخذت دفتر مذكراتها المعنون بـ«الشجرة العظيمة» ودوّنت فيه قلقها على الوالد، وأنها ستدعو له بالشفاء خِفية.
وبينما كانت ساردونيا تبحث في أرفف المكتبة عن كتاب «قلب الطفل» عثرت على كرة سحرية وخبأتها خشية أن تكتشفها أسيل، أمينة المكتبة، وتدخل معها في نقاش عميق حول الكتب التي تُقرأ أكثر من مرة حيث تشعر بأنّ الكتاب ليس نفسه، وإنما هو كتاب مختلف فتعزو ذلك إلى التغيير الذي أصابها لأنها تعلمت أشياء كثيرة في القراءة الثانية: «فعندما يتغير القارئ يتغيّر المقروء أيضاً».
منذ البدء يشعر المتلقي بأن الرواية تشجّع على القراءة، وأن الأهل والأقارب والأصدقاء يعرفون أنّ ساردونيا شغوفة بالقراءة التي تشحذ المخيّلة. تنتقل بنا الراوية من إسطنبول إلى الضاحية ونتعرّف على الجد كامل وزوجته كريمة التي تتحدث للضيوف عن عملية ابنها حسن، وتلتمس منهم ألا يخبروا ساردونيا كي لا تتأثر.
وبينما هي تنظر خارج النافذة شاهدت فتاة تراقبها فقفزت إليها على وجه السرعة وصادقتها فعرفنا أنّ اسمها زهراء، وشقيقها آصوتاي الذي يعني المُهر العصبي، وهما ليسا من هذه الضاحية، وإنما قادمان من بلاد «أفهِما»، وقد جاء لكي يجمعا الأفكار، ويضعاها في الأكياس الكبيرة كمادة خام قيد التشغيل، ثم يعودان بها إلى معسكر الفكر الأبجدي في بلادهما. تتردّد ثيمة القراءة بين ثنايا النص «فكلّما قرأ طفل كتاباً تتفتح زهرة ويغرّد عصفور في القارة الثامنة من هذا العالم».
ولكن كيف تتطوّر قوة الخيال لدى الأطفال الذين لا يقرأون؟ ليس من العسير أن نفهم أنّ آصوتاي هو الذي وضع الكرة السحرية خلف الكتب كي يشحنها لكن إشاراتها ضعفت الآن لأن بيت الجد خالٍ من الكتب تقريباً ولا يستطيعان العودة إلى بلدهما من دون هذه الإشارات التي تُرسلها الكرة إلى السوار.
وبما أنّ ساردونيا تمتلك خيالاً خصباً مثل الشعراء والمؤلفين والرسّامين فقد شقّت طريقها وتقدّمتهم بعد أن جلبت دفتر مذكراتها وتركوا الكرة السحرية في مكتبة السيد نظمي، وركبوا على حصانين مجنّحين هبطا من السماء وبعد أن صفقوا أربع مرّات وجدوا أنفسهم يحلّقون في السماء، وحينما وصلوا صفقوا ثلاث مرات فهبطوا على بقعة سوداء في المحيط في إشارة واضحة لانتشار الجفاف وعليهم أن يكملوا الطريق مشياً على الأقدام للوصول إلى العاصمة الأبجدية. غير أن سوار زهراء بدأ يخفت ولا بد أنّ أحداً قد أخذ الكرة السحرية وأبعدها عن الكتب، مصدر طاقتها الوحيد.
يبدأ المنحى العجائبي للرواية حينما تتساقط ثلاث أوراق زهرة كبيرة الحجم عليها ثلاثة أحرف وهي: الطاء، والياء، والراء وعندما اجتمعت خرج منها طيرٌ فائق الجمال، وطار محلّقاً. ثم تساقطت أربع أوراق فخرج منها ثعلب فأدركت ساردونيا بأنها أمام الزهرة السحرية، وكل كلمة تكتب على أوراقها تتحول إلى كائن حقيقي أو أكلة شهية، أو فاكهة لذيذة، فتمنّى آصوتاي لو يأخذ هذه الزهرة معه ليحصل على كل ما يتمناه في حياته. ثم سقطت عدة أوراق فخرجت ساحرة وأخبرتهم أنّ أمامهم أربع طرق وهي: التراب والماء والنار والهواء إحداها صحيحة والأخرى خاطئة، فوقع اختيارهم على طريق التراب فوجدوا أنفسهم أمام جنيّة تقف عند رأس جسر زجاجي ولا تسمح لهم بالعبور ما لم يجيبوا على أسئلتها، ولمّا كانت إجاباتهم صحيحة سمحت لهم بالعبور لكنهم عادوا إلى المكان ذاته بعد أن تعلموا أشياء جديدة غيّرتهم قليلاً. ثم اختارت ساردونيا طريق الماء لكن سمكة السلمون اشترطت عليهم الإجابة عن أسئلتها قبل عبور النهر، ورغم أنهم نجحوا في الإجابة فإنّ السمكة طلبت من آصوتاي المشاركة في السباق مع السمكة التي فازت بفارق ضئيل فقالت ساردونيا لعل الطريق المختصر هو طريق النار، ولمّا ساروا فيه حتى وصلوا إلى بلاد الحكايات والأساطير لاحظوا أن الأنهار قد جفت، والأراضي أقحلت، وهذا يعني أن البلاد ستختفي في القريب العاجل. ثم شاهدوا تنّيناً يقف على رأس عربة ويبيع عصير الليمون ولا يسمح لأحد بالمرور ما لم يشتروا منه. وبما أنهم لا يملكون النقود فعليهم الإجابة عن أسئلته.
ولمّا نجحت ساردونيا في الإجابة طلب منهم التنّين اجتياز تلّة من حبّات الذرة فأدركت زهراء صعوبة طريق النار فقررت أخيرا المضي في طريق الهواء، وهو الطريق الصحيح. ثم يأتيهم طائر قادم من وراء جبال القاف، منقاره مثل الذهب، الكل يرميه بالحجارة ويسخر منه لأنه مختلف، ولهذا السبب فهو وحيد، تماماً مثل ساردونيا التي تعرف معنى الوحدة، فيخبرهم بأنّ كل الطرق صعبة، وما من طريق سهل في الحياة، ووراء كل خُسران ثمة نجاح خفيّ. وحينما تهبّ ريحٌ قوية، وتتساقط الأفكار من الأكياس تنصحهم ساردونيا بأن يحثّوا الأطفال على الكتابة وسوف ينتجون أفكاراً رائعة.
وما إن بدأوا بتأليف القصص والحكايات والأشعار حتى استعادت القارة الثامنة نشاطها، وكلما أنتجوا أفكاراً جديدة اخضرت الأشجار، وامتلأت الأنهار بالماء، ثم عادت إلى بلدها بأسرع حصان، وقبل أن تصل إلى بيت جدّها أهداها صاحب المكتبة كرة سحرية وسوارا تستطيع بفضلهما أن تذهب إلى أي مكان برمشة عين.
حينما عادت إلى البيت وتأكدت من نجاح عملية والدها أخذت تفكر فيما رأته إن كان حقيقة أو خيالا، فلربما كان ذلك مجرد رؤيا. لم تخبر أحداً بالقارة الثامنة باستثناء «دفتر مذكّراتها» الذي قالت له بأنها تغيّرت كثيراً بعد هذه الرحلة، وصارت تحب اسمها، وأخيراً تطلب من القارئ أن يكتب حكاية متعلقة باسمه.
«البنتُ التي لا تحِّبُ اسمَها» رواية تُراهن على قوّة الخيال
أليف شافاك تقدم رواية مختلفة عن رواياتها السابقة
«البنتُ التي لا تحِّبُ اسمَها» رواية تُراهن على قوّة الخيال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة