بداية غير موفقة: المتحدث باسم البيت الأبيض يتحول إلى صحافي

في يونيو (حزيران) الماضي، استقال جاي كارني من منصبه متحدثا باسم البيت الأبيض. ولفترة، لم يكن الناس يعرفون ماذا سيفعل حتى الأسبوع الماضي، عندما أعلن تلفزيون «سي إن إن» أنه عقد عقدا معه ليشترك في برامج المناقشات السياسية، وليقدم برنامجا هو نفسه، وأن وظيفته الرسمية ستكون «معلقا سياسيا كبيرا».
وهكذا، تحول السياسي خبير العلاقات العامة «لأنه يدافع عن الحكومة» إلى صحافي «يقدر على نقد الحكومة».
يوم الأربعاء الماضي، ولأول مرة، ظهر كارني في برنامج مناقشات سياسية في «سي إن إن». ويا ليته لم يظهر. دخل في مواجهة ساخنة جدا مع السيناتور جون ماكين (جمهوري من ولاية أريزونا). خاصة عند مناقشة قرار أوباما، قبل عام ونصف عام، ألا يرسل قوات لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن، ربما ستزيد مثل هذه المواجهات الساخنة الإقبال على «سي إن إن».
ظهر كارني في البرنامج (الذي يقدم من نيويورك) وهو في سان فرانسيسكو. وظهرت عليه علامات الراحة. تحولت بشرته البيضاء إلى سمرة خفيفة، بعد أسابيع في البلاج. ولبس بدلة من دون ربطة عنق (لم يفعل هذا أبدا خلال مؤتمراته الصحافية في البيت الأبيض).
كأنه يقول للمشاهدين إن موجة «تشينج» (تغيير) هبت عليه، لكنها تبدو عكس موجة التغيير التي جاءت برئيسه السابق أوباما، وبه، إلى البيت الأبيض (عام 2008).
ظهر كارني في برنامج «360 درجة» الذي يقدمه أندرسون كوبر، كبير مذيعي «سي إن إن». وسألت صحيفة «هافنغتون بوست» إذا تعمد كوبر المواجهة بين كارني والسيناتور ماكين؛ وذلك لأن البرنامج بدأ بأشخاص آخرين حول مائدة دائرية داخل الاستوديو. وكان الموضوع هو خطاب الرئيس أوباما (كان انتهى قبل دقائق) عن الحرب ضد تنظيم داعش.
ثم قال أندرسون إن كارني سيشترك في النقاش من سان فرانسيسكو، وسأله عن خطاب أوباما: «هل كنت تتصور، وأنت في البيت الأبيض، أن يوما سيأتي يدخل فيه رئيسك السابق حربا في المنطقة التي كان انسحب منها (العراق)، ثم رفض التدخل مرة أخرى (سوريا)؟».
وفي هدوء أجاب أندرسون (مدافعا عن أوباما): «نعم، صحيح، يوجد هنا تناقض في المواقف هنا. لكن، كل رئيس يضع اعتبارات للتغييرات الداخلية والخارجية.. لم يعلن أوباما أنه ضد الحرب، لكنه كرر بأن خيار الحرب موضوع على مائدة المفاوضات».
خلال السنوات القليلة الماضية، ظل أندرسون ينتقد بعض سياسات أوباما، وخاصة لأنه رفض التدخل في سوريا للإطاحة بنظام الأسد. ولهذا، سأل كارني. ومرة أخرى، دافع كارني عن أوباما وقال: «نعم، ترددنا في التحالف مع بعض جماعات المعارضة في سوريا. هؤلاء الذين يذبحون الناس هذه الأيام..».
وفجأة، أعلن كوبر، مقدم البرنامج، اشتراك السيناتور ماكين، الذي دخل في نقاش ساخن جدا مع كارني.
لا بد أن كوبر خطط لذلك سلفا، لكن، هل كلم كارني سلفا؟ هل خطط لهجوم حاد على كارني من السيناتور «ليضعف كارني، وهو منافس جديد له»؟ أو هل خطط لمواجهة مثيرة «تفيد برنامجه، وتزيد عدد المشاهدين»؟ أولا يوجد تناقض بين الهدفين؟
في كل الأحوال، صارت المواجهة بين كارني والسيناتور خبرا في حد ذاته. وحقق كارني الهدفين، متناقضين أو غير متناقضين. وتناقلت الأخبار مناقشات مثل هذه:
- السيناتور: غريب أن يقول كارني إن الجيش السوري الحر أقوى مما كان عليه «رغم أن أوباما رفض التدخل لصالحه».
- كارني: لم أقل ذلك يا سيدي. قلت إننا، الآن، نعرف عن المعارضة السورية أكثر مما كنا نعرف.
- السيناتور: كفى هرطقة. نحن كنا نعرف عن المعارضة السورية كل شيء. أنتم فقط (في البيت الأبيض) اخترتم ألا تعرفوا. أنا كنت أعرف. أنا ذهبت إلى هناك، وقابلت المعارضة السورية. أنا أعرفهم. لكنكم أنتم الذين رفضتم تدريب المعارضة ومساعدتها، وعندما قدم مجلس الأمن الوطني (في البيت الأبيض) مذكرة إلى أوباما ليدعم المعارضة، رفض..
- كارني: مع كل الاحترام، أيها السيناتور، علينا أن نتفق على أننا لا نتفق.
وهكذا، خطط كوبر، أو خطط كارني، بعد أول عمل صحافي لكارني، صار يواجه معضلة حقيقية:
في جانب، يصير نزيها جدا في تحليلاته عن سياسات أوباما. ويقطع الجسر الذي يربطه بالبيت الأبيض. وفي هذه الحالة، يحرق فرصة عقد بملايين الدولارات مع شركة أو بنك أميركي «للاستفادة من علاقته مع البيت الأبيض».
في جانب، يدافع عن أوباما في «سي إن إن»، ويصير مثل سفير أوباما فيها. وفي هذه الحالة، لن يرتاح له المشاهدون، وستضطر «سي إن إن» لعدم تجديد عقده.
ليس كارني أول متحدث باسم البيت الأبيض يواجه هذه المعضلة: خبير علاقات عامة يقضى سنوات يدافع عن الرئيس، ثم يتحول إلى صحافي.
من المفارقات أن واحدا من الذين اشتركوا في نقاش «سي إن إن» كان ديفيد غيرغين، الذي عمل مديرا للاتصالات في البيت الأبيض مع الرئيس نيكسون، ثم الرئيس فورد، ثم (رغم أنه ينتمي للحزب الجمهوري) مع الرئيس كلنتون، ويقدم الآن تعليقات في «سي إن إن».
لكن، لم يكن غيرغين متحدثا صحافيا، رغم أن مدير الاتصالات يشرف على المتحدث الصحافي. وربما لهذا، يبدو أن غيرغين ظل ناجحا ربما لـ40 عاما، كما أن عمله مع كلنتون قلل من إلصاق التهم به أنه يدافع فقط عن الجمهوريين.
لكن، لا يقدر كارني على أن يتهرب من دفاعه عن رئيس هبطت شعبيته إلى رقم قياسي، وقد كان أمل الأمة «وربما أيضا أمل العالم».