البرامج التلفزيونية الباكستانية تجلب تغييرا مشهودا للجمهور الهندي

إقبال على الحلقات التلفزيونية التي تعكس الحياة اليومية لعامة الناس في باكستان

إقبال على مسلسل «عيون زارا» الباكستاني يروي قصة الحياة اليومية في البنجاب
إقبال على مسلسل «عيون زارا» الباكستاني يروي قصة الحياة اليومية في البنجاب
TT

البرامج التلفزيونية الباكستانية تجلب تغييرا مشهودا للجمهور الهندي

إقبال على مسلسل «عيون زارا» الباكستاني يروي قصة الحياة اليومية في البنجاب
إقبال على مسلسل «عيون زارا» الباكستاني يروي قصة الحياة اليومية في البنجاب

يجلس المواطنون الهنود في جميع أرجاء البلاد، في كل مساء وبدءا من الساعة الثامنة فصاعدا، أمام أجهزة التلفاز لمشاهدة البرامج الباكستانية التي تبثها شبكة الترفيه بالتلفزيون الهندي المعروفة باسم مؤسسة «زي» الترفيهية المحدودة على قناتها الجديدة زينداجي.
ولأول مرة، تبث قناة تلفزيونية هندية برامج يتزامن عرضها في باكستان، وهي الدولة التي خاضت الهند أربعة حروب ضدها خلال 67 عاما. وتتيح الحلقات التلفزيونية نظرة عامة للجمهور الهندي حول الحياة اليومية الباكستانية كما تعمل على تحطيم بعض الصور النمطية حول الدولة المجاورة.
وترتفع معدلات المشاهدة بالنسبة للقناة التي بدأت العمل والبث منذ ما يقرب من شهرين. وفقا لشركة قياس معدلات المشاهدة بالتلفزيون الهندي، وهي شركة خاصة، فإن القناة المذكورة قد فاقت التوقعات من حيث عدد المشاهدين الأوائل، متفوقة في ذلك على كثير من القنوات الترفيهية الهندية الأخرى وذلك لأن الهنود، المتشككون دوما حيال جارتهم اللدودة، تلقوا البرامج التلفزيونية الباكستانية بترحيب شديد، والتي تعرض نوعا من البرامج الحقيقة والتي تقترب جدا من الحياة اليومية بعيدا عن الميلودراما التي تشتهر بها برامج التلفاز الهندي.
وقد تمتع الممثلون الباكستانيون من ذوي الشهرة مثل فؤاد خان، وسنام سعيد، ومايا علي، وفاتيما أفندي، وسنام بلوشي، وعثمان خالد بوت من بين الكثيرين بشعبية واسعة في الهند. وقد تجاوز فؤاد خان قفزة واسعة في تاريخه المهني من خلال فيلم تعاقد عليه مع بوليوود الهندية.
إن ما يميز الدراما الباكستانية فعلا، من وجهة نظر نقاد التلفاز الهندي، هو سرعة الوتيرة (فالبرامج الدرامية الباكستانية لا تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر، مقارنة بالأعوام التي تستغرقها البرامج الدرامية الهندية)، وكذلك الإعدادات الدرامية الواقعية (من حيث منازل الطبقة المتوسطة بدلا من القصور الفسيحة)، مع قصص درامية تقترب كثيرا من ظروف وحوارات الحياة اليومية. يبدو الممثلون حقيقيين، بخلاف الممثلين الهنود مع كثير من الماكياج والتعبيرات المفرطة، والعمل التصويري المتنافر، وقفزات غير منطقية بين الأجيال وكذلك الحلقات الدرامية اللانهائية.
يقول الناقد الإعلامي شيلاجا باجباي: «ربما، أحد أهم الأسباب وراء النجاح الضخم الذي حققته قناة زينداجي هو الحلقات التلفزيونية التي تعكس الحياة اليومية لعامة الناس في باكستان عبر الحدود، والتي هي من عدة أوجه تماثل نوعية الحياة التي يعيشها الناس في الهند».
حازت قناة «زي» التلفزيونية الجديدة (زينداجي) مع شعارها الذي يقول (تأليف القلوب) على ما يقرب من مائة برنامج درامي باكستاني يجري عرضها على الجمهور الهندي تباعا.
وقد نجحت قناة زينداجي بالفعل في تجاوز الفجوة وربط العوام من الناس على كلا جانبي الحدود، والذي لا يفهمون لغة الحدود على أساس الطبقة، أو العقيدة، أو الدين، أو الجنسية، أو الحدود الجغرافية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم المحتوى الدرامي الباكستاني يعرض باللغة الأردية، التي تشبه اللغة الهندية أو الهندوستانية (وهي خليط من اللغتين الهندية والأردية). وتهدف القناة كذلك إلى إضافة برامج تلفزيونية من تركيا، ومصر، وأميركا اللاتينية في المستقبل القريب. قضى شيلاجا كيجريوال، مدير الإبداع الفني الرئيسي والمشاريع الخاصة في قناة «زي»، ما يقرب من عامين في تخير وانتقاء المحتويات التي يمكن أن يتردد صداها لدى الجمهور الهندي. ويقول مدير المحتوى والمشروعات الخاصة بقناة «زي» المحدودة: «إن الفكرة الرئيسية كانت إعادة تعريف الجمهور الهندي على الثقافة الباكستانية عبر الحدود. حيث إن الدراما القائمة على العلاقات الإنسانية هي دائمة الإثمار، فقد ركزنا جهودنا على البرامج التي حققت نجاحا ممتازا بين السكان من الطبقة المتوسطة في المجتمع الباكستاني».
يقول المؤرخ الثقافي موكول جوشي إنه لا يستغرب حدوث ذلك. «نتقاسم معهم إرثا تاريخيا مشتركا، وعادات وقيما اجتماعية، وأنواع الأطعمة، وأنماط الملابس، والأهم من ذلك كله، هي الثقافة. إننا نعاني من المشكلات ذاتها على كلا جانبي الحدود مثل الفقر، وسوء المعاملة، واستغلال النساء. لذا فإن المحتوى الذي يعكس مثل تلك الاهتمامات سوف يكون له تأثير واضح».
وجوشي يعتبر أحد الذين أعلنوا عن إعجابهم الصريح بقناة «زينداجي».
والإعجاب الهندي بالمحتوى الدرامي الباكستاني ليس جديدا. فقد تربى جيل بأسره على مشاهدة البرامج التلفزيونية الباكستانية، والتي كان يشاهدها الجمهور الهندي حتى أواخر عقد التسعينات، حينما كانت الهوائيات الخارجية بالمنازل الهندية القريبة من الحدود تتمكن من التقاط إرسال القنوات الباكستانية، مما يتيح للمشاهدين على الجانب الآخر من الحدود التمتع بمشاهدة تلك البرامج. ولكن مع هجمة الأقمار الصناعية التلفزيونية والعلاقات المتوترة بين هذين الجانبين نظرا للدعم المزعوم الذي تقدمه باكستان للإرهاب في الهند، تجنب الهنود البرامج الباكستانية.
وقالت سامينا، وهي من كبريات الممثلات الباكستانيات في مقابلة أجرتها معها مجلة «التايمز» الهندية: «نحن سعداء بإعجاب الهنود لبرامجنا. إن قضايانا متماثلة. فحينما يرغب الناس في كلتا الدولتين في تحسين معدلات القراءة والكتابة لديهم، وحينما يرغبون في حرية التعبير عن أنفسهم، والحياة في مكان لائق، والتمتع بالطعام والمأوى المناسب، ووجود ديمقراطية فعالة وكاملة.. وعندما نتقاسم نفس المخاوف، فلماذا نتمكن ولا نتشارك في أعمالنا سويا؟»
أنشأ المعجبون الهنود صفحات خاصة على وسائل الإعلام الاجتماعية مخصصة للوجوه الفنية الباكستانية التي كان لها تأثير على الشاشة الصغيرة. وبدأت مواقع الإعلام الاجتماعي في التجاوب مع ردود الفعل واعتراف كثير من المشاهدين بالعودة إلى التلفاز بعدما تخلوا عنه على إثر البرامج الترفيهية الهندية ذات المستوى المنخفض.
كتب ماني ساندو، وهو من المشاهدين النهمين، على صفحته على «فيسبوك» قائلا: «دفعنا البرنامج الباكستاني (أون زازا) بالحنين إلى جدتي لأمي، ولأني ولدت وترعرعت في لاهور بإقليم البنجاب وهاجرت إلى الهند عقب التقسيم الذي وقع في عام 1947. تملأ القناة فراغا واسعا، ليس فقط لأجل جدتي، بل ولأجلنا نحن كذلك، إن لنا جورا في باكستان. إنها تمنحنا شعورا بالأرض التي تركها أجدادنا ورحلوا. إن قصصهم تتشابه كثيرا مع قصصنا».
وهناك مشاهد نهم آخر يعشق البرنامج الباكستاني ريتو كتب قائلا: «إنه من أفضل الحلقات الدرامية التي شاهدتها في حياتي».
عندما نشر راجات تشابرا على «فيسبوك» حول عدد المعجبين الهنود الذين يشاهدون برامج قناة زينداجي؟ جاءت القصص فعلا مؤثرة وعظيمة ومبهرة. «تمثيل رائع. وممثلين عظماء! ما لم تتمكن البرامج التلفزيونية الهندية من عرضه في آلاف الحلقات، عبر عنه الباكستانيون في 26 حلقة! تحية عظيمة لهم! هل يمكنكم إنتاج المزيد من تلك الحلقات. عمل رائع!» ما لم يتوقعه تشابرا فعلا هو الردود المتدفقة على تعليقه من المعجبين في باكستان - خلال 24 ساعة تلقى 1650 إعجابا على تدوينته بخلاف 121 تعليقا عليها.
وتعتبر الزيادة الأولية في المشاهدين مؤشرا على مدى ظمأ المشاهدين الهنود على الشخصيات المتوازنة وغير المزيفة. حيث تتحدث الشخصيات اللكنة البنجابية السليمة، وتستدعي ذكريات ولاية البنجاب المتحدة في الهند المتحدة.
ويشجع الاستقبال الدافئ للبرامج الباكستانية المنتجين الهنود على إعادة النظر في المحتويات التي يعرضونها على شاشات التلفاز.
يقول نافجوت جولاتي، كاتب روائي تلفزيوني هندي، إن المجتمع الهندي العميق يحمل من السلبيات ما يحملها المجتمع ذاتها في باكستان. «لكنني سعيد بالحلقات الباكستانية التي تعرض. على الأقل، سوف تدفع الكتاب الهنود على تدوين روايات أفضل. هناك بالفعل كتابة قوية وغزيرة في باكستان. بالعودة إلى التسعينات، كان التلفاز الهندي في مثل جودة الأفلام، غير أن التركيز الآن منصب على الأرقام بدلا من الإبداع. إن هيكل الشركات معيب ومعظم الكتاب الجيدين غير مهتمين بالكتابة للتلفزيون». أفضل النصوص، من ثم، يتحول إلى مسلسل يتعامل مع الواقع والفروق الدقيقة في المجتمع الباكستاني من خلال قصة شجاعة وجريئة تدور حول النساء وعلل المجتمع.



«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.


قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)
TT

قرارات «يوتيوب» حول «مراقبة المحتوى» تثير جدلاً متصاعداً

شعار «يوتيوب»         (د.ب.أ)
شعار «يوتيوب» (د.ب.أ)

أثارت قرارات «يوتيوب» بشأن «مراقبة المحتوى» بالاعتماد على «نظام الإشراف القائم على الذكاء الاصطناعي في المنصة»، جدلاً متصاعداً بين صُنّاع المحتوى، بعد تكرار حالات الإغلاق المفاجئ لقنوات بـ«تهم الممارسات الخادعة وعمليات الاحتيال»، دون ردود واضحة من المنصة حول الأسباب. إذ يأتي الرد على الطعون بشكل «نمطي جاهز»، مما يعرّض قنوات بارزة للاختفاء بعد سنوات من الجهد.

واللافت أن بعض حالات حجب القنوات انتهت باستعادتها بعد لجوء صُنّاع المحتوى إلى إثارة «ضجة» على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حسبما رصد «سيرش إنجين جورنال». من جانبها، نفت «يوتيوب»، عبر مدونتها، اتهامات «عدم الدقة»، وقالت إنها «لم ترصد أي مشكلات واسعة النطاق في قرارات إغلاق القنوات، وإن نسبة صغيرة فقط من إجراءات الإنفاذ يتم التراجع عنها».

ويرى المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، تاج الدين الراضي، أن «يوتيوب» منصة لها استراتيجية خاصة مقارنةً بالمنصات الأخرى. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(يوتيوب) ارتبطت بالمحتوى الغني والعميق والفيديو الطويل، ومن ثم فإن أي تطوير في المنصة يجب ألا يخترق هويتها». وأضاف أن «(يوتيوب) ليست منصة تصفّح سريع بلا مضمون، فما يميزها هم صُنّاع محتوى استثمروا وقتاً وجهداً وإنتاجاً».

وعن توسّع «يوتيوب» في استخدام الذكاء الاصطناعي في «مراقبة المحتوى»، قال الراضي: «هذا الاتجاه من (يوتيوب) هو أمر مفهوم في إطار تطوير إدارة المنصة، لكن بشرط أساسي، ألا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نسخة جديدة من (السباق وراء السرعة) على حساب جوهر (يوتيوب)». وأشار إلى أن «أي نموذج رقابي آلي يحمل هامش خطأ عالي المستوى، وعملياً قد لا يكون عادلاً، وهنا تكلفة الخطأ كبيرة، لأنها منصة مهنية أكثر منها منصة عبور سريع».

وأثار الراضي خلال حديثه شعوراً بـ«عدم الأمان لدى صُنّاع المحتوى على (يوتيوب)» وتأثير هذه القرارات على الاستثمار في المنصة. وقال إن «مناخ عدم الأمان يدفع (اليوتيوبرز) نحو محتوى أكثر تحفظاً وأقل عمقاً، ويضعف استعدادهم للاستثمار طويل الأمد في (يوتيوب)، لأن مستقبلهم يصبح مرهوناً بقرار آلي غير متوقع».

وتحدث موقع Dexerto الإنجليزي عن حالة صانع محتوى يملك آلاف المشتركين، تم حظره بسبب تعليق لصانع المحتوى كتبه من حساب آخر عندما كان عمره 13 عاماً. ولاحقاً اعتذرت «يوتيوب» وأبلغته أن الحظر كان خطأ من جانبها.

وأعلنت «يوتيوب» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج تجريبي باسم «الفرص الثانية» يسمح لبعض المبدعين بإنشاء قنوات جديدة إذا استوفوا شروطاً محددة، وكانت قنواتهم قد أُغلقت منذ أكثر من عام، إلا أن البرنامج لا يعيد الفيديوهات أو المشتركين المفقودين.

من ناحية أخرى، أشار الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، نيل مواهان، في مقابلة مع مجلة «تايم»، في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى «نية الشركة توسيع أدوات الإشراف بالذكاء الاصطناعي». وقال إن «(يوتيوب) ستمضي قدماً في توسيع الإنفاذ بالذكاء الاصطناعي رغم مخاوف المبدعين».

ويعتقد الصحافي المصري، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، أن النموذج الأنسب ليس اختياراً بين مراجعة بشرية أو شفافية خوارزميات تعلن عنها منصة «يوتيوب»، بل معادلة هجينة تجمع أيضاً الذكاء الاصطناعي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك يتحقق من خلال الفرز أولاً وفق معايير واضحة، لكن مع مراجعة بشرية إلزامية تشرح سبب المخالفات والبنود التي تعرضت للانتهاك في السياسة الخاصة بالموقع وكيفية تقديم استئناف (ضد قرارات الحظر)».

وتعليقاً على تصريح رئيس «يوتيوب» بأن الشركة ستواصل توسيع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، قال معتز نادي إن «العلاقة المقبلة مع صُناع المحتوى ستكون على المحك، فالمنصة تريد الـAI (الذكاء الاصطناعي) لأنه سلاحها لتنقيح كل المحتوى في ظل العدد الهائل من الحسابات».

وأضاف أن «صُنّاع المحتوى أمام سيناريو مواصلة العمل على منصة (يوتيوب) للحصول على مزيد من الأرباح والانصياع لسياساتها وبنودها، أو التفكير في الهجرة لمنصة تواصل اجتماعي أخرى، لكن يبقى هاجس المكاسب حاضراً، فالكل يبحث عن زيادة موارده، والكنز هنا هو الجمهور بعدد مشاهداته، ومن ثم سيكون الربح هو لغة التعامل بينهما».


بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».