نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

الحزب الحاكم: «الجماعة» استفادت في توسعها من موجة اللجوء

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
TT

نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)

عندما تُوفّي الرئيس المصري السابق محمد مرسي في القاهرة، الشهر الماضي، كانت مئات المساجد في أنحاء ألمانيا تدعو ليوم «صلاة الغائب» على روحه. أكثر من 300 مسجد، معظمها تابع لـ«الجمعية الإسلامية» التي تتلقى تمويلها من أنقرة عبر «ديتيب»، وهو اسم مختصر لـ«الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» ومقره مدينة كولون الألمانية، ونظمت صلوات «جنازة الغائب» لهذا الهدف، يوم الجمعة الذي تلا وفاة مرسي.
كلمات رثاء خرجت كذلك من «قادة» في الجالية الإسلامية في ألمانيا، وصفها مراقبون بأنها «تمجّد» الشخص، وليست مجرد كلمات رثاء. فولكر بيك، نائب سابق عن حزب الخضر ومحاضر في الدراسات الدينية بجامعة بوخوم، قال في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية: «ما صدر عن الجمعيات الإسلامية حول وفاة مرسي لا علاقة له بالتقوى أو الدين الإسلامي، بل كان يصبّ من جهة تصوير الشخص على أنه (شهيد)». وأضاف أن «أي شخص يمجّد مرسي ليس ملتزماً بأسس النظام الديمقراطي».
بينما اعتبرت البروفسورة سوزان شروتر، رئيسة مركز فرانكفورت العالمي للبحوث الإسلامية، أن هناك «رابطاً خطيراً» بين جمعية المساجد التركية في ألمانيا و«الإخوان المسلمين».

قبل أشهر من ذلك، أطلق الإخوان في أوروبا عبر «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث» الذي يتخذ من دبلن مقراً له، وأسَّسَه يوسف القرضاوي عام 1997، مفتي جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو قطري الجنسية مصري الأصل، تطبيقاً على الهواتف الذكية اسمه «يورو فتوى آب». أثار هذا التطبيق جدلاً كبيراً ووُجّهت اتهامات لمؤسسيه بأنه يحرّض على الكراهية ومعاداة السامية. وبعد تلقي «غوغل» لكثير من الشكوى، أوقف التطبيق لفترة وجيزة، قبل أن يعيده. واليوم يواجه التطبيق، الذي أُطلِق في أبريل (نيسان) الماضي، شكاوى جديدة ومساعي لحظره.
وكتبت صحيفة «فرانكفورت ألمانيه» الشهر الماضي مقالاً يقول إن التطبيق يحاول إظهار «الإخوان» على أنهم «منفتحون على الديانات الأخرى»، وهذا أحد الأسباب «التي يُساء فيها فهم هذا التنظيم على أنه مسالم ومنفتح ما يمكِّنهم من كسب تأثير كبير في المجتمع». ولكن كاتب المقال يضيف أن التطبيق يحمل نصائح تُعدّ «متطرفة».

«الإخوان» يعملون ضد الاندماج في المجتمع

وبالفعل، فإن لجنة حماية الدستور، أي المخابرات الألمانية الداخلية، تقول إن «الإخوان المسلمين» نجحوا في بناء شبكة تأثير واسعة وقوية في ألمانيا، وزادوا من نفوذهم في السنوات الماضية. وتصفهم بأنهم أخطر من «داعش» و«القاعدة»، لأنهم لا يؤمنون بالأسس الديمقراطية التي ترتكز عليها الحياة في أوروبا.
وترى البروفسورة شتروتر في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقييم «صحيح»، لأنه «من السهل تعريف أتباع (القاعدة) و(داعش) واتخاذ خطوات لمواجهتهم، ولكن تعريف أتباع (الإخوان) أصعب بكثير». وتضيف: «قادة (الإخوان) عادة متعلمون، فيما أتباع (القاعدة) هم من الفئات عير المتعلِّمة بشكل عام، وفيما تستخدم (القاعدة) و(داعش) العنف الأخرق، فإن مسؤولي (الإخوان) يطورون استراتيجيات ذكية لخرق المجتمع الألماني».
واستفاد «الإخوان» في السنوات الأخيرة من موجة اللجوء الكبيرة التي وصلت إلى ألمانيا منذ عام 2015، لكسب المزيد من التعاطف، بحسب مفوض اللجوء والاندماج لدى الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم مصطفى عمار. ويقول عمار، وهو ألماني مسلم من أصول عراقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان» يعملون «ضدّ الاندماج عبر معارضتهم مثلاً لاندماج النساء في المجتمع، وتأييدهم لتعدد الزوجات، وسعيهم لتطبيق الشريعة في بلد يمنع ذلك».
وكشف عمار عن نقاشات دائرة داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لحظر «الإخوان» في ألمانيا، وقال إن النقاشات بدأت على مستوى الحزب في ولايته (بادن فورتمبيرغ): «وفي حال تمت الموافقة على الطرح الذي سيتم بحثه لاحقاً، هذا الشهر، سيتم رفع المقترح للتصويت عليه على مستوى الحزب».
وإذا تبنى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي طلب حظر «الإخوان»، يتم عندها رفعه للبرلمان لمناقشته والتصويت عليه ليصبح قانوناً نافذاً بعد ذلك. وقبل أشهر، دارت نقاشات شبيهة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، الذي يشهد أيضاً نقاشات داخلية للاتفاق على طرح حظر «الإخوان» على البرلمان.

مساعٍ لحظر «حزب الله»

وقبل أسابيع صوَّت البرلمان الألماني على اقتراح حظر «حزب الله» بالكامل، أي بجناحيه السياسي والعسكري، علماً بأن ألمانيا تحظر اليوم فقط الجناح العسكري. ولكن تم رفض المقترح الذي تقدم به حزب «البديل» لألمانيا اليميني المتطرف. وقال حينها نواب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، إنّ أي تغيير في التعاطي مع «حزب الله» يجب أن يتم على المستوى الأوروبي أولاً. وتعارض الأحزاب الرئيسية بشكل أساسي حظر الجناح السياسي في «حزب الله» لأنه يحظى بشرعية عبر مشاركته بالبرلمان اللبناني والحكومة.
ويرى الخبير الألماني عمار أن اقتراح حظر «الإخوان»، في حال وصل للبرلمان، قد يتمتع بحظوظ أكثر من اقتراح حظر «حزب الله» الذي فشل. ويقول إن «الإخوان» لا يتمتعون بمظلة شرعية كـ«حزب الله»، بعد خروجهم من السلطة في مصر.
ولكن حظر «الإخوان» في ألمانيا قد لا يكون بهذه السهولة؛ فالمساجد والجمعيات التي تصنفها المخابرات الألمانية على أنها مرتبطة بـ«الإخوان» تنفي ذلك نفياً تامّاً. وبالفعل، فقد حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الإمام خالد حنفي، أحد رجال الدين الذين تم ذكرهم في تقرير استخباراتي داخلي عند تقييم «الإخوان» في ألمانيا، ونفى انتماءه لـ«الجماعة». وتجد فتاوى للحنفي في التطبيق المثير للجدل «يورو فتوى» التي وصفتها الصحافة الألمانية بأنها «متطرفة».
وتؤكد هذا الأمر البروفسورة شتروتر المتخصصة بالإسلام السياسي والحركات المتشددة، وتقول إن «أعضاء جمعيات مرتبطة بـ(الإخوان)، ينفون أن مؤسساتهم تمثل هذه الجماعة... هم ينفون الرابط ببساطة ويدعون أن (الإخوان) ليس لهم وجود في ألمانيا. ولهذا فهم لا يلعبون بأوراق مكشوفة ويخدعون الشعب ويخفون هويتهم الحقيقة وأهدافهم». وتضيف أن «قيادييهم يتحدثون لغة الديمقراطية، ولكنهم يحاولون تطبيق أسس غير ديمقراطية، وقد بدأوا بالفعل بخرق السياسة والمجتمع بنجاح، وهذا ما يجعلهم خطراً كبيراً على المجتمع».
ورغم أن شتروتر تؤيد فكرة حظر «الإخوان»، فإنها ترى أن تطبيق الحظر قد يكون «صعباً إذا لم تكن هناك إثباتات على أن الجماعة متورطة بأعمال عنف».

«التجمع الإسلامي في ألمانيا» يثير الجدل

في مطلع العام مثلاً، عقد «الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» (ديتيب) ندوة في كولون، أثارت جدلاً كبيراً بسبب دعوة أعضاء في «الإخوان» للمشاركة. ويخضع «ديتيب» لإشراف رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) في أنقرة، ويُعد مظلة للمساجد والجمعيات الإسلامية التركية.
وإضافة إلى «ديتيب»، يعد «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا» مظلة أخرى كبيرة يمثل عدداً من المساجد والجمعيات الإسلامية. والمركز تأسس عام 1993. عن طريق «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، وهي واحدة من أقدم المنظمات المسلمة في ألمانيا، وتأسست عام 1958، وتصنفها المخابرات الداخلية على أنها من أهم المنظمات التابعة لـ«الإخوان»، وأن أعضاءها يسعون «لتأسيس دولة إسلامية في المدى المتوسط». وبحسب المخابرات، فإن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» يضم 1300 عضو، وهو ناشط في أنحاء ألمانيا، ونسق نشاطات مع أكثر من 50 مسجداً.
ويرأس «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا»، أيمن مزيك، وهو ألماني من أصول سورية يواجه هو نفسه اتهامات بأنه مقرَّب من «الإخوان». وقد أثارت تغريدة كتبها بعد وفاة مرسي انتقادات كثيرة، وأعادت تسليط الضوء على الاتهامات الموجهة له بارتباطه بـ«الإخوان». وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بمزيك لمنحه الحق بالرد، ولكنه رفض الإجابة عن الأسئلة عبر الهاتف، وطلب إرسالها كتابةً، ولكنه امتنع عن الردّ كذلك حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق.
وفي دراسة نشرها معهد كوناراد أدناور، يقول علاء الدين سرحان مُعدّ الدراسة، إن «(التجمع الإسلامي في ألمانيا) يحاول تفريق المراكز الإسلامية المتفرعة منه»، مضيفاً أن «هذا يخلق تركيبة تصعب على السلطات الأمنية الألمانية التحكم بها، وتموّه الرابط الحقيقي مع التجمع الإسلامي». ويقول سرحان أيضاً إن هذا الأمر يسمح للمنظمات المستقلة التي تتأسس حديثاً بالتقدم للحصول على طلب تجمع خيري للحصول على مزايا ضريبية.
ويشير الكاتب إلى أن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» خسر طابعه الخيري عام 1999، ووصف كاتب الدراسة هذا التجمع بأنه «لاعب أساسي» في شبكة «الإخوان» الأوروبية. ويقول: «الهدف الأول للتجميع الإسلامي هو التأثير آيديولوجياً على المسلمين الذين يعيشون هنا (في ألمانيا) وكسبهم». ويضيف أنه في الظهور العلني، يتفادى ممثلو التجمع الاعتراف بالارتباط بـ«الإخوان» أو الإدلاء بتصريحات مخالفة للدستور الألماني.
وتحاول ألمانيا كذلك وقف التمويل الخارجي عن «الإخوان» التي تتلقى مؤسساتها ومساجدها في ألمانيا، تمويلاً من تركيا وقطر. وقد وافق حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قبل أشهر على تبني قرار سيُطرح على البرلمان للتصويت عليه في نهاية العام، يمنع التمويل الخارجي عن المساجد والجمعيات الدينية العاملة في ألمانيا.
وطرحت كذلك فكرة فرض «ضريبة مساجد» في ألمانيا تقتطع من ضريبة الدخل التي يدفعها الموظفون المسلمون العاملون في البلاد، أسوة بضريبة الكنيسة التي تُقتطع من مرتبات الموظفين المسيحيين لتمويل الكنائس في ألمانيا. ولم تلاقِ الفكرة حينها ترحيباً من الجمعيات المسلمة العاملة في البلاد.
وترى شتروتر أن منع التمويل الأجنبي للمساجد التركية سيكون أيضاً من الصعب تطبيقه لأن التمويل لا ينتهك القانون. وتضيف أن «العامل الرئيسي ليس النظام القانوني الذي يمكن تغييره… ولكن المشكلة هي بغياب الوعي السياسي والمجتمعي». وتذهب شتروتر لحد وصف السياسيين في ألمانيا بأنهم «سُذّج ويؤمنون بأن منظمات الإخوان هي مجرد منظمات إسلامية، وهم تنقصهم أدنى درجات المعرفة».
ولكن إذا كانت المعرفة تنقص السياسيين، فإن المخابرات الألمانية تبدو على دراية كاملة بأهداف «الإخوان» وأفكارهم. ففي التقرير الذي صدر قبل فترة عن المخابرات الداخلية، جاء أن «الإخوان» يستغلون التناقض بين جماعتهم والتنظيمات التي تنتهج العنف مثل «داعش»، كوسيلة لطرح أنفسهم بديلاً لا يتسبب بمشاكل. ويضيف تقرير المخابرات أن تزايد نفوذ «الإخوان» من الممكن أن يؤدي إلى «تهديد السلام الاجتماعي». وكان الصحافي أكسل شبيلكر المتخصص بالجماعات المتطرفة نقل عن رئيس المخابرات الداخلية في ولاية راين فستفاليا، في تحقيق لموقع «فوكس»، أن الجماعة في ألمانيا «تسعى في النهاية إلى إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية». ولم تكن الصلوات التي رفعتها مساجد ألمانية بعد وفاة مرسي، ولا كلمات الرثاء التي صدرت عن قادة مسلمين في ألمانيا، إلا تذكيراً بمدى وصول «الإخوان» وتمددهم في المجتمع الألماني.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».