نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

الحزب الحاكم: «الجماعة» استفادت في توسعها من موجة اللجوء

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
TT

نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)

عندما تُوفّي الرئيس المصري السابق محمد مرسي في القاهرة، الشهر الماضي، كانت مئات المساجد في أنحاء ألمانيا تدعو ليوم «صلاة الغائب» على روحه. أكثر من 300 مسجد، معظمها تابع لـ«الجمعية الإسلامية» التي تتلقى تمويلها من أنقرة عبر «ديتيب»، وهو اسم مختصر لـ«الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» ومقره مدينة كولون الألمانية، ونظمت صلوات «جنازة الغائب» لهذا الهدف، يوم الجمعة الذي تلا وفاة مرسي.
كلمات رثاء خرجت كذلك من «قادة» في الجالية الإسلامية في ألمانيا، وصفها مراقبون بأنها «تمجّد» الشخص، وليست مجرد كلمات رثاء. فولكر بيك، نائب سابق عن حزب الخضر ومحاضر في الدراسات الدينية بجامعة بوخوم، قال في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية: «ما صدر عن الجمعيات الإسلامية حول وفاة مرسي لا علاقة له بالتقوى أو الدين الإسلامي، بل كان يصبّ من جهة تصوير الشخص على أنه (شهيد)». وأضاف أن «أي شخص يمجّد مرسي ليس ملتزماً بأسس النظام الديمقراطي».
بينما اعتبرت البروفسورة سوزان شروتر، رئيسة مركز فرانكفورت العالمي للبحوث الإسلامية، أن هناك «رابطاً خطيراً» بين جمعية المساجد التركية في ألمانيا و«الإخوان المسلمين».

قبل أشهر من ذلك، أطلق الإخوان في أوروبا عبر «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث» الذي يتخذ من دبلن مقراً له، وأسَّسَه يوسف القرضاوي عام 1997، مفتي جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو قطري الجنسية مصري الأصل، تطبيقاً على الهواتف الذكية اسمه «يورو فتوى آب». أثار هذا التطبيق جدلاً كبيراً ووُجّهت اتهامات لمؤسسيه بأنه يحرّض على الكراهية ومعاداة السامية. وبعد تلقي «غوغل» لكثير من الشكوى، أوقف التطبيق لفترة وجيزة، قبل أن يعيده. واليوم يواجه التطبيق، الذي أُطلِق في أبريل (نيسان) الماضي، شكاوى جديدة ومساعي لحظره.
وكتبت صحيفة «فرانكفورت ألمانيه» الشهر الماضي مقالاً يقول إن التطبيق يحاول إظهار «الإخوان» على أنهم «منفتحون على الديانات الأخرى»، وهذا أحد الأسباب «التي يُساء فيها فهم هذا التنظيم على أنه مسالم ومنفتح ما يمكِّنهم من كسب تأثير كبير في المجتمع». ولكن كاتب المقال يضيف أن التطبيق يحمل نصائح تُعدّ «متطرفة».

«الإخوان» يعملون ضد الاندماج في المجتمع

وبالفعل، فإن لجنة حماية الدستور، أي المخابرات الألمانية الداخلية، تقول إن «الإخوان المسلمين» نجحوا في بناء شبكة تأثير واسعة وقوية في ألمانيا، وزادوا من نفوذهم في السنوات الماضية. وتصفهم بأنهم أخطر من «داعش» و«القاعدة»، لأنهم لا يؤمنون بالأسس الديمقراطية التي ترتكز عليها الحياة في أوروبا.
وترى البروفسورة شتروتر في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقييم «صحيح»، لأنه «من السهل تعريف أتباع (القاعدة) و(داعش) واتخاذ خطوات لمواجهتهم، ولكن تعريف أتباع (الإخوان) أصعب بكثير». وتضيف: «قادة (الإخوان) عادة متعلمون، فيما أتباع (القاعدة) هم من الفئات عير المتعلِّمة بشكل عام، وفيما تستخدم (القاعدة) و(داعش) العنف الأخرق، فإن مسؤولي (الإخوان) يطورون استراتيجيات ذكية لخرق المجتمع الألماني».
واستفاد «الإخوان» في السنوات الأخيرة من موجة اللجوء الكبيرة التي وصلت إلى ألمانيا منذ عام 2015، لكسب المزيد من التعاطف، بحسب مفوض اللجوء والاندماج لدى الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم مصطفى عمار. ويقول عمار، وهو ألماني مسلم من أصول عراقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان» يعملون «ضدّ الاندماج عبر معارضتهم مثلاً لاندماج النساء في المجتمع، وتأييدهم لتعدد الزوجات، وسعيهم لتطبيق الشريعة في بلد يمنع ذلك».
وكشف عمار عن نقاشات دائرة داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لحظر «الإخوان» في ألمانيا، وقال إن النقاشات بدأت على مستوى الحزب في ولايته (بادن فورتمبيرغ): «وفي حال تمت الموافقة على الطرح الذي سيتم بحثه لاحقاً، هذا الشهر، سيتم رفع المقترح للتصويت عليه على مستوى الحزب».
وإذا تبنى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي طلب حظر «الإخوان»، يتم عندها رفعه للبرلمان لمناقشته والتصويت عليه ليصبح قانوناً نافذاً بعد ذلك. وقبل أشهر، دارت نقاشات شبيهة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، الذي يشهد أيضاً نقاشات داخلية للاتفاق على طرح حظر «الإخوان» على البرلمان.

مساعٍ لحظر «حزب الله»

وقبل أسابيع صوَّت البرلمان الألماني على اقتراح حظر «حزب الله» بالكامل، أي بجناحيه السياسي والعسكري، علماً بأن ألمانيا تحظر اليوم فقط الجناح العسكري. ولكن تم رفض المقترح الذي تقدم به حزب «البديل» لألمانيا اليميني المتطرف. وقال حينها نواب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، إنّ أي تغيير في التعاطي مع «حزب الله» يجب أن يتم على المستوى الأوروبي أولاً. وتعارض الأحزاب الرئيسية بشكل أساسي حظر الجناح السياسي في «حزب الله» لأنه يحظى بشرعية عبر مشاركته بالبرلمان اللبناني والحكومة.
ويرى الخبير الألماني عمار أن اقتراح حظر «الإخوان»، في حال وصل للبرلمان، قد يتمتع بحظوظ أكثر من اقتراح حظر «حزب الله» الذي فشل. ويقول إن «الإخوان» لا يتمتعون بمظلة شرعية كـ«حزب الله»، بعد خروجهم من السلطة في مصر.
ولكن حظر «الإخوان» في ألمانيا قد لا يكون بهذه السهولة؛ فالمساجد والجمعيات التي تصنفها المخابرات الألمانية على أنها مرتبطة بـ«الإخوان» تنفي ذلك نفياً تامّاً. وبالفعل، فقد حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الإمام خالد حنفي، أحد رجال الدين الذين تم ذكرهم في تقرير استخباراتي داخلي عند تقييم «الإخوان» في ألمانيا، ونفى انتماءه لـ«الجماعة». وتجد فتاوى للحنفي في التطبيق المثير للجدل «يورو فتوى» التي وصفتها الصحافة الألمانية بأنها «متطرفة».
وتؤكد هذا الأمر البروفسورة شتروتر المتخصصة بالإسلام السياسي والحركات المتشددة، وتقول إن «أعضاء جمعيات مرتبطة بـ(الإخوان)، ينفون أن مؤسساتهم تمثل هذه الجماعة... هم ينفون الرابط ببساطة ويدعون أن (الإخوان) ليس لهم وجود في ألمانيا. ولهذا فهم لا يلعبون بأوراق مكشوفة ويخدعون الشعب ويخفون هويتهم الحقيقة وأهدافهم». وتضيف أن «قيادييهم يتحدثون لغة الديمقراطية، ولكنهم يحاولون تطبيق أسس غير ديمقراطية، وقد بدأوا بالفعل بخرق السياسة والمجتمع بنجاح، وهذا ما يجعلهم خطراً كبيراً على المجتمع».
ورغم أن شتروتر تؤيد فكرة حظر «الإخوان»، فإنها ترى أن تطبيق الحظر قد يكون «صعباً إذا لم تكن هناك إثباتات على أن الجماعة متورطة بأعمال عنف».

«التجمع الإسلامي في ألمانيا» يثير الجدل

في مطلع العام مثلاً، عقد «الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» (ديتيب) ندوة في كولون، أثارت جدلاً كبيراً بسبب دعوة أعضاء في «الإخوان» للمشاركة. ويخضع «ديتيب» لإشراف رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) في أنقرة، ويُعد مظلة للمساجد والجمعيات الإسلامية التركية.
وإضافة إلى «ديتيب»، يعد «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا» مظلة أخرى كبيرة يمثل عدداً من المساجد والجمعيات الإسلامية. والمركز تأسس عام 1993. عن طريق «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، وهي واحدة من أقدم المنظمات المسلمة في ألمانيا، وتأسست عام 1958، وتصنفها المخابرات الداخلية على أنها من أهم المنظمات التابعة لـ«الإخوان»، وأن أعضاءها يسعون «لتأسيس دولة إسلامية في المدى المتوسط». وبحسب المخابرات، فإن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» يضم 1300 عضو، وهو ناشط في أنحاء ألمانيا، ونسق نشاطات مع أكثر من 50 مسجداً.
ويرأس «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا»، أيمن مزيك، وهو ألماني من أصول سورية يواجه هو نفسه اتهامات بأنه مقرَّب من «الإخوان». وقد أثارت تغريدة كتبها بعد وفاة مرسي انتقادات كثيرة، وأعادت تسليط الضوء على الاتهامات الموجهة له بارتباطه بـ«الإخوان». وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بمزيك لمنحه الحق بالرد، ولكنه رفض الإجابة عن الأسئلة عبر الهاتف، وطلب إرسالها كتابةً، ولكنه امتنع عن الردّ كذلك حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق.
وفي دراسة نشرها معهد كوناراد أدناور، يقول علاء الدين سرحان مُعدّ الدراسة، إن «(التجمع الإسلامي في ألمانيا) يحاول تفريق المراكز الإسلامية المتفرعة منه»، مضيفاً أن «هذا يخلق تركيبة تصعب على السلطات الأمنية الألمانية التحكم بها، وتموّه الرابط الحقيقي مع التجمع الإسلامي». ويقول سرحان أيضاً إن هذا الأمر يسمح للمنظمات المستقلة التي تتأسس حديثاً بالتقدم للحصول على طلب تجمع خيري للحصول على مزايا ضريبية.
ويشير الكاتب إلى أن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» خسر طابعه الخيري عام 1999، ووصف كاتب الدراسة هذا التجمع بأنه «لاعب أساسي» في شبكة «الإخوان» الأوروبية. ويقول: «الهدف الأول للتجميع الإسلامي هو التأثير آيديولوجياً على المسلمين الذين يعيشون هنا (في ألمانيا) وكسبهم». ويضيف أنه في الظهور العلني، يتفادى ممثلو التجمع الاعتراف بالارتباط بـ«الإخوان» أو الإدلاء بتصريحات مخالفة للدستور الألماني.
وتحاول ألمانيا كذلك وقف التمويل الخارجي عن «الإخوان» التي تتلقى مؤسساتها ومساجدها في ألمانيا، تمويلاً من تركيا وقطر. وقد وافق حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قبل أشهر على تبني قرار سيُطرح على البرلمان للتصويت عليه في نهاية العام، يمنع التمويل الخارجي عن المساجد والجمعيات الدينية العاملة في ألمانيا.
وطرحت كذلك فكرة فرض «ضريبة مساجد» في ألمانيا تقتطع من ضريبة الدخل التي يدفعها الموظفون المسلمون العاملون في البلاد، أسوة بضريبة الكنيسة التي تُقتطع من مرتبات الموظفين المسيحيين لتمويل الكنائس في ألمانيا. ولم تلاقِ الفكرة حينها ترحيباً من الجمعيات المسلمة العاملة في البلاد.
وترى شتروتر أن منع التمويل الأجنبي للمساجد التركية سيكون أيضاً من الصعب تطبيقه لأن التمويل لا ينتهك القانون. وتضيف أن «العامل الرئيسي ليس النظام القانوني الذي يمكن تغييره… ولكن المشكلة هي بغياب الوعي السياسي والمجتمعي». وتذهب شتروتر لحد وصف السياسيين في ألمانيا بأنهم «سُذّج ويؤمنون بأن منظمات الإخوان هي مجرد منظمات إسلامية، وهم تنقصهم أدنى درجات المعرفة».
ولكن إذا كانت المعرفة تنقص السياسيين، فإن المخابرات الألمانية تبدو على دراية كاملة بأهداف «الإخوان» وأفكارهم. ففي التقرير الذي صدر قبل فترة عن المخابرات الداخلية، جاء أن «الإخوان» يستغلون التناقض بين جماعتهم والتنظيمات التي تنتهج العنف مثل «داعش»، كوسيلة لطرح أنفسهم بديلاً لا يتسبب بمشاكل. ويضيف تقرير المخابرات أن تزايد نفوذ «الإخوان» من الممكن أن يؤدي إلى «تهديد السلام الاجتماعي». وكان الصحافي أكسل شبيلكر المتخصص بالجماعات المتطرفة نقل عن رئيس المخابرات الداخلية في ولاية راين فستفاليا، في تحقيق لموقع «فوكس»، أن الجماعة في ألمانيا «تسعى في النهاية إلى إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية». ولم تكن الصلوات التي رفعتها مساجد ألمانية بعد وفاة مرسي، ولا كلمات الرثاء التي صدرت عن قادة مسلمين في ألمانيا، إلا تذكيراً بمدى وصول «الإخوان» وتمددهم في المجتمع الألماني.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».