نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

الحزب الحاكم: «الجماعة» استفادت في توسعها من موجة اللجوء

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
TT

نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)

عندما تُوفّي الرئيس المصري السابق محمد مرسي في القاهرة، الشهر الماضي، كانت مئات المساجد في أنحاء ألمانيا تدعو ليوم «صلاة الغائب» على روحه. أكثر من 300 مسجد، معظمها تابع لـ«الجمعية الإسلامية» التي تتلقى تمويلها من أنقرة عبر «ديتيب»، وهو اسم مختصر لـ«الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» ومقره مدينة كولون الألمانية، ونظمت صلوات «جنازة الغائب» لهذا الهدف، يوم الجمعة الذي تلا وفاة مرسي.
كلمات رثاء خرجت كذلك من «قادة» في الجالية الإسلامية في ألمانيا، وصفها مراقبون بأنها «تمجّد» الشخص، وليست مجرد كلمات رثاء. فولكر بيك، نائب سابق عن حزب الخضر ومحاضر في الدراسات الدينية بجامعة بوخوم، قال في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية: «ما صدر عن الجمعيات الإسلامية حول وفاة مرسي لا علاقة له بالتقوى أو الدين الإسلامي، بل كان يصبّ من جهة تصوير الشخص على أنه (شهيد)». وأضاف أن «أي شخص يمجّد مرسي ليس ملتزماً بأسس النظام الديمقراطي».
بينما اعتبرت البروفسورة سوزان شروتر، رئيسة مركز فرانكفورت العالمي للبحوث الإسلامية، أن هناك «رابطاً خطيراً» بين جمعية المساجد التركية في ألمانيا و«الإخوان المسلمين».

قبل أشهر من ذلك، أطلق الإخوان في أوروبا عبر «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث» الذي يتخذ من دبلن مقراً له، وأسَّسَه يوسف القرضاوي عام 1997، مفتي جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو قطري الجنسية مصري الأصل، تطبيقاً على الهواتف الذكية اسمه «يورو فتوى آب». أثار هذا التطبيق جدلاً كبيراً ووُجّهت اتهامات لمؤسسيه بأنه يحرّض على الكراهية ومعاداة السامية. وبعد تلقي «غوغل» لكثير من الشكوى، أوقف التطبيق لفترة وجيزة، قبل أن يعيده. واليوم يواجه التطبيق، الذي أُطلِق في أبريل (نيسان) الماضي، شكاوى جديدة ومساعي لحظره.
وكتبت صحيفة «فرانكفورت ألمانيه» الشهر الماضي مقالاً يقول إن التطبيق يحاول إظهار «الإخوان» على أنهم «منفتحون على الديانات الأخرى»، وهذا أحد الأسباب «التي يُساء فيها فهم هذا التنظيم على أنه مسالم ومنفتح ما يمكِّنهم من كسب تأثير كبير في المجتمع». ولكن كاتب المقال يضيف أن التطبيق يحمل نصائح تُعدّ «متطرفة».

«الإخوان» يعملون ضد الاندماج في المجتمع

وبالفعل، فإن لجنة حماية الدستور، أي المخابرات الألمانية الداخلية، تقول إن «الإخوان المسلمين» نجحوا في بناء شبكة تأثير واسعة وقوية في ألمانيا، وزادوا من نفوذهم في السنوات الماضية. وتصفهم بأنهم أخطر من «داعش» و«القاعدة»، لأنهم لا يؤمنون بالأسس الديمقراطية التي ترتكز عليها الحياة في أوروبا.
وترى البروفسورة شتروتر في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقييم «صحيح»، لأنه «من السهل تعريف أتباع (القاعدة) و(داعش) واتخاذ خطوات لمواجهتهم، ولكن تعريف أتباع (الإخوان) أصعب بكثير». وتضيف: «قادة (الإخوان) عادة متعلمون، فيما أتباع (القاعدة) هم من الفئات عير المتعلِّمة بشكل عام، وفيما تستخدم (القاعدة) و(داعش) العنف الأخرق، فإن مسؤولي (الإخوان) يطورون استراتيجيات ذكية لخرق المجتمع الألماني».
واستفاد «الإخوان» في السنوات الأخيرة من موجة اللجوء الكبيرة التي وصلت إلى ألمانيا منذ عام 2015، لكسب المزيد من التعاطف، بحسب مفوض اللجوء والاندماج لدى الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم مصطفى عمار. ويقول عمار، وهو ألماني مسلم من أصول عراقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان» يعملون «ضدّ الاندماج عبر معارضتهم مثلاً لاندماج النساء في المجتمع، وتأييدهم لتعدد الزوجات، وسعيهم لتطبيق الشريعة في بلد يمنع ذلك».
وكشف عمار عن نقاشات دائرة داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لحظر «الإخوان» في ألمانيا، وقال إن النقاشات بدأت على مستوى الحزب في ولايته (بادن فورتمبيرغ): «وفي حال تمت الموافقة على الطرح الذي سيتم بحثه لاحقاً، هذا الشهر، سيتم رفع المقترح للتصويت عليه على مستوى الحزب».
وإذا تبنى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي طلب حظر «الإخوان»، يتم عندها رفعه للبرلمان لمناقشته والتصويت عليه ليصبح قانوناً نافذاً بعد ذلك. وقبل أشهر، دارت نقاشات شبيهة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، الذي يشهد أيضاً نقاشات داخلية للاتفاق على طرح حظر «الإخوان» على البرلمان.

مساعٍ لحظر «حزب الله»

وقبل أسابيع صوَّت البرلمان الألماني على اقتراح حظر «حزب الله» بالكامل، أي بجناحيه السياسي والعسكري، علماً بأن ألمانيا تحظر اليوم فقط الجناح العسكري. ولكن تم رفض المقترح الذي تقدم به حزب «البديل» لألمانيا اليميني المتطرف. وقال حينها نواب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، إنّ أي تغيير في التعاطي مع «حزب الله» يجب أن يتم على المستوى الأوروبي أولاً. وتعارض الأحزاب الرئيسية بشكل أساسي حظر الجناح السياسي في «حزب الله» لأنه يحظى بشرعية عبر مشاركته بالبرلمان اللبناني والحكومة.
ويرى الخبير الألماني عمار أن اقتراح حظر «الإخوان»، في حال وصل للبرلمان، قد يتمتع بحظوظ أكثر من اقتراح حظر «حزب الله» الذي فشل. ويقول إن «الإخوان» لا يتمتعون بمظلة شرعية كـ«حزب الله»، بعد خروجهم من السلطة في مصر.
ولكن حظر «الإخوان» في ألمانيا قد لا يكون بهذه السهولة؛ فالمساجد والجمعيات التي تصنفها المخابرات الألمانية على أنها مرتبطة بـ«الإخوان» تنفي ذلك نفياً تامّاً. وبالفعل، فقد حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الإمام خالد حنفي، أحد رجال الدين الذين تم ذكرهم في تقرير استخباراتي داخلي عند تقييم «الإخوان» في ألمانيا، ونفى انتماءه لـ«الجماعة». وتجد فتاوى للحنفي في التطبيق المثير للجدل «يورو فتوى» التي وصفتها الصحافة الألمانية بأنها «متطرفة».
وتؤكد هذا الأمر البروفسورة شتروتر المتخصصة بالإسلام السياسي والحركات المتشددة، وتقول إن «أعضاء جمعيات مرتبطة بـ(الإخوان)، ينفون أن مؤسساتهم تمثل هذه الجماعة... هم ينفون الرابط ببساطة ويدعون أن (الإخوان) ليس لهم وجود في ألمانيا. ولهذا فهم لا يلعبون بأوراق مكشوفة ويخدعون الشعب ويخفون هويتهم الحقيقة وأهدافهم». وتضيف أن «قيادييهم يتحدثون لغة الديمقراطية، ولكنهم يحاولون تطبيق أسس غير ديمقراطية، وقد بدأوا بالفعل بخرق السياسة والمجتمع بنجاح، وهذا ما يجعلهم خطراً كبيراً على المجتمع».
ورغم أن شتروتر تؤيد فكرة حظر «الإخوان»، فإنها ترى أن تطبيق الحظر قد يكون «صعباً إذا لم تكن هناك إثباتات على أن الجماعة متورطة بأعمال عنف».

«التجمع الإسلامي في ألمانيا» يثير الجدل

في مطلع العام مثلاً، عقد «الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» (ديتيب) ندوة في كولون، أثارت جدلاً كبيراً بسبب دعوة أعضاء في «الإخوان» للمشاركة. ويخضع «ديتيب» لإشراف رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) في أنقرة، ويُعد مظلة للمساجد والجمعيات الإسلامية التركية.
وإضافة إلى «ديتيب»، يعد «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا» مظلة أخرى كبيرة يمثل عدداً من المساجد والجمعيات الإسلامية. والمركز تأسس عام 1993. عن طريق «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، وهي واحدة من أقدم المنظمات المسلمة في ألمانيا، وتأسست عام 1958، وتصنفها المخابرات الداخلية على أنها من أهم المنظمات التابعة لـ«الإخوان»، وأن أعضاءها يسعون «لتأسيس دولة إسلامية في المدى المتوسط». وبحسب المخابرات، فإن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» يضم 1300 عضو، وهو ناشط في أنحاء ألمانيا، ونسق نشاطات مع أكثر من 50 مسجداً.
ويرأس «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا»، أيمن مزيك، وهو ألماني من أصول سورية يواجه هو نفسه اتهامات بأنه مقرَّب من «الإخوان». وقد أثارت تغريدة كتبها بعد وفاة مرسي انتقادات كثيرة، وأعادت تسليط الضوء على الاتهامات الموجهة له بارتباطه بـ«الإخوان». وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بمزيك لمنحه الحق بالرد، ولكنه رفض الإجابة عن الأسئلة عبر الهاتف، وطلب إرسالها كتابةً، ولكنه امتنع عن الردّ كذلك حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق.
وفي دراسة نشرها معهد كوناراد أدناور، يقول علاء الدين سرحان مُعدّ الدراسة، إن «(التجمع الإسلامي في ألمانيا) يحاول تفريق المراكز الإسلامية المتفرعة منه»، مضيفاً أن «هذا يخلق تركيبة تصعب على السلطات الأمنية الألمانية التحكم بها، وتموّه الرابط الحقيقي مع التجمع الإسلامي». ويقول سرحان أيضاً إن هذا الأمر يسمح للمنظمات المستقلة التي تتأسس حديثاً بالتقدم للحصول على طلب تجمع خيري للحصول على مزايا ضريبية.
ويشير الكاتب إلى أن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» خسر طابعه الخيري عام 1999، ووصف كاتب الدراسة هذا التجمع بأنه «لاعب أساسي» في شبكة «الإخوان» الأوروبية. ويقول: «الهدف الأول للتجميع الإسلامي هو التأثير آيديولوجياً على المسلمين الذين يعيشون هنا (في ألمانيا) وكسبهم». ويضيف أنه في الظهور العلني، يتفادى ممثلو التجمع الاعتراف بالارتباط بـ«الإخوان» أو الإدلاء بتصريحات مخالفة للدستور الألماني.
وتحاول ألمانيا كذلك وقف التمويل الخارجي عن «الإخوان» التي تتلقى مؤسساتها ومساجدها في ألمانيا، تمويلاً من تركيا وقطر. وقد وافق حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قبل أشهر على تبني قرار سيُطرح على البرلمان للتصويت عليه في نهاية العام، يمنع التمويل الخارجي عن المساجد والجمعيات الدينية العاملة في ألمانيا.
وطرحت كذلك فكرة فرض «ضريبة مساجد» في ألمانيا تقتطع من ضريبة الدخل التي يدفعها الموظفون المسلمون العاملون في البلاد، أسوة بضريبة الكنيسة التي تُقتطع من مرتبات الموظفين المسيحيين لتمويل الكنائس في ألمانيا. ولم تلاقِ الفكرة حينها ترحيباً من الجمعيات المسلمة العاملة في البلاد.
وترى شتروتر أن منع التمويل الأجنبي للمساجد التركية سيكون أيضاً من الصعب تطبيقه لأن التمويل لا ينتهك القانون. وتضيف أن «العامل الرئيسي ليس النظام القانوني الذي يمكن تغييره… ولكن المشكلة هي بغياب الوعي السياسي والمجتمعي». وتذهب شتروتر لحد وصف السياسيين في ألمانيا بأنهم «سُذّج ويؤمنون بأن منظمات الإخوان هي مجرد منظمات إسلامية، وهم تنقصهم أدنى درجات المعرفة».
ولكن إذا كانت المعرفة تنقص السياسيين، فإن المخابرات الألمانية تبدو على دراية كاملة بأهداف «الإخوان» وأفكارهم. ففي التقرير الذي صدر قبل فترة عن المخابرات الداخلية، جاء أن «الإخوان» يستغلون التناقض بين جماعتهم والتنظيمات التي تنتهج العنف مثل «داعش»، كوسيلة لطرح أنفسهم بديلاً لا يتسبب بمشاكل. ويضيف تقرير المخابرات أن تزايد نفوذ «الإخوان» من الممكن أن يؤدي إلى «تهديد السلام الاجتماعي». وكان الصحافي أكسل شبيلكر المتخصص بالجماعات المتطرفة نقل عن رئيس المخابرات الداخلية في ولاية راين فستفاليا، في تحقيق لموقع «فوكس»، أن الجماعة في ألمانيا «تسعى في النهاية إلى إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية». ولم تكن الصلوات التي رفعتها مساجد ألمانية بعد وفاة مرسي، ولا كلمات الرثاء التي صدرت عن قادة مسلمين في ألمانيا، إلا تذكيراً بمدى وصول «الإخوان» وتمددهم في المجتمع الألماني.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.