نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

الحزب الحاكم: «الجماعة» استفادت في توسعها من موجة اللجوء

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
TT

نقاشات في ألمانيا لحظر «الإخوان» بعد تزايد نفوذهم

مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)
مسجد كولون أحد أكبر مساجد أوروبا افتتحه الرئيس التركي إردوغان العام الماضي وسط جدل كبير (الشرق الأوسط)

عندما تُوفّي الرئيس المصري السابق محمد مرسي في القاهرة، الشهر الماضي، كانت مئات المساجد في أنحاء ألمانيا تدعو ليوم «صلاة الغائب» على روحه. أكثر من 300 مسجد، معظمها تابع لـ«الجمعية الإسلامية» التي تتلقى تمويلها من أنقرة عبر «ديتيب»، وهو اسم مختصر لـ«الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» ومقره مدينة كولون الألمانية، ونظمت صلوات «جنازة الغائب» لهذا الهدف، يوم الجمعة الذي تلا وفاة مرسي.
كلمات رثاء خرجت كذلك من «قادة» في الجالية الإسلامية في ألمانيا، وصفها مراقبون بأنها «تمجّد» الشخص، وليست مجرد كلمات رثاء. فولكر بيك، نائب سابق عن حزب الخضر ومحاضر في الدراسات الدينية بجامعة بوخوم، قال في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية: «ما صدر عن الجمعيات الإسلامية حول وفاة مرسي لا علاقة له بالتقوى أو الدين الإسلامي، بل كان يصبّ من جهة تصوير الشخص على أنه (شهيد)». وأضاف أن «أي شخص يمجّد مرسي ليس ملتزماً بأسس النظام الديمقراطي».
بينما اعتبرت البروفسورة سوزان شروتر، رئيسة مركز فرانكفورت العالمي للبحوث الإسلامية، أن هناك «رابطاً خطيراً» بين جمعية المساجد التركية في ألمانيا و«الإخوان المسلمين».

قبل أشهر من ذلك، أطلق الإخوان في أوروبا عبر «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث» الذي يتخذ من دبلن مقراً له، وأسَّسَه يوسف القرضاوي عام 1997، مفتي جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو قطري الجنسية مصري الأصل، تطبيقاً على الهواتف الذكية اسمه «يورو فتوى آب». أثار هذا التطبيق جدلاً كبيراً ووُجّهت اتهامات لمؤسسيه بأنه يحرّض على الكراهية ومعاداة السامية. وبعد تلقي «غوغل» لكثير من الشكوى، أوقف التطبيق لفترة وجيزة، قبل أن يعيده. واليوم يواجه التطبيق، الذي أُطلِق في أبريل (نيسان) الماضي، شكاوى جديدة ومساعي لحظره.
وكتبت صحيفة «فرانكفورت ألمانيه» الشهر الماضي مقالاً يقول إن التطبيق يحاول إظهار «الإخوان» على أنهم «منفتحون على الديانات الأخرى»، وهذا أحد الأسباب «التي يُساء فيها فهم هذا التنظيم على أنه مسالم ومنفتح ما يمكِّنهم من كسب تأثير كبير في المجتمع». ولكن كاتب المقال يضيف أن التطبيق يحمل نصائح تُعدّ «متطرفة».

«الإخوان» يعملون ضد الاندماج في المجتمع

وبالفعل، فإن لجنة حماية الدستور، أي المخابرات الألمانية الداخلية، تقول إن «الإخوان المسلمين» نجحوا في بناء شبكة تأثير واسعة وقوية في ألمانيا، وزادوا من نفوذهم في السنوات الماضية. وتصفهم بأنهم أخطر من «داعش» و«القاعدة»، لأنهم لا يؤمنون بالأسس الديمقراطية التي ترتكز عليها الحياة في أوروبا.
وترى البروفسورة شتروتر في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقييم «صحيح»، لأنه «من السهل تعريف أتباع (القاعدة) و(داعش) واتخاذ خطوات لمواجهتهم، ولكن تعريف أتباع (الإخوان) أصعب بكثير». وتضيف: «قادة (الإخوان) عادة متعلمون، فيما أتباع (القاعدة) هم من الفئات عير المتعلِّمة بشكل عام، وفيما تستخدم (القاعدة) و(داعش) العنف الأخرق، فإن مسؤولي (الإخوان) يطورون استراتيجيات ذكية لخرق المجتمع الألماني».
واستفاد «الإخوان» في السنوات الأخيرة من موجة اللجوء الكبيرة التي وصلت إلى ألمانيا منذ عام 2015، لكسب المزيد من التعاطف، بحسب مفوض اللجوء والاندماج لدى الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم مصطفى عمار. ويقول عمار، وهو ألماني مسلم من أصول عراقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان» يعملون «ضدّ الاندماج عبر معارضتهم مثلاً لاندماج النساء في المجتمع، وتأييدهم لتعدد الزوجات، وسعيهم لتطبيق الشريعة في بلد يمنع ذلك».
وكشف عمار عن نقاشات دائرة داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لحظر «الإخوان» في ألمانيا، وقال إن النقاشات بدأت على مستوى الحزب في ولايته (بادن فورتمبيرغ): «وفي حال تمت الموافقة على الطرح الذي سيتم بحثه لاحقاً، هذا الشهر، سيتم رفع المقترح للتصويت عليه على مستوى الحزب».
وإذا تبنى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي طلب حظر «الإخوان»، يتم عندها رفعه للبرلمان لمناقشته والتصويت عليه ليصبح قانوناً نافذاً بعد ذلك. وقبل أشهر، دارت نقاشات شبيهة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، الذي يشهد أيضاً نقاشات داخلية للاتفاق على طرح حظر «الإخوان» على البرلمان.

مساعٍ لحظر «حزب الله»

وقبل أسابيع صوَّت البرلمان الألماني على اقتراح حظر «حزب الله» بالكامل، أي بجناحيه السياسي والعسكري، علماً بأن ألمانيا تحظر اليوم فقط الجناح العسكري. ولكن تم رفض المقترح الذي تقدم به حزب «البديل» لألمانيا اليميني المتطرف. وقال حينها نواب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، إنّ أي تغيير في التعاطي مع «حزب الله» يجب أن يتم على المستوى الأوروبي أولاً. وتعارض الأحزاب الرئيسية بشكل أساسي حظر الجناح السياسي في «حزب الله» لأنه يحظى بشرعية عبر مشاركته بالبرلمان اللبناني والحكومة.
ويرى الخبير الألماني عمار أن اقتراح حظر «الإخوان»، في حال وصل للبرلمان، قد يتمتع بحظوظ أكثر من اقتراح حظر «حزب الله» الذي فشل. ويقول إن «الإخوان» لا يتمتعون بمظلة شرعية كـ«حزب الله»، بعد خروجهم من السلطة في مصر.
ولكن حظر «الإخوان» في ألمانيا قد لا يكون بهذه السهولة؛ فالمساجد والجمعيات التي تصنفها المخابرات الألمانية على أنها مرتبطة بـ«الإخوان» تنفي ذلك نفياً تامّاً. وبالفعل، فقد حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الإمام خالد حنفي، أحد رجال الدين الذين تم ذكرهم في تقرير استخباراتي داخلي عند تقييم «الإخوان» في ألمانيا، ونفى انتماءه لـ«الجماعة». وتجد فتاوى للحنفي في التطبيق المثير للجدل «يورو فتوى» التي وصفتها الصحافة الألمانية بأنها «متطرفة».
وتؤكد هذا الأمر البروفسورة شتروتر المتخصصة بالإسلام السياسي والحركات المتشددة، وتقول إن «أعضاء جمعيات مرتبطة بـ(الإخوان)، ينفون أن مؤسساتهم تمثل هذه الجماعة... هم ينفون الرابط ببساطة ويدعون أن (الإخوان) ليس لهم وجود في ألمانيا. ولهذا فهم لا يلعبون بأوراق مكشوفة ويخدعون الشعب ويخفون هويتهم الحقيقة وأهدافهم». وتضيف أن «قيادييهم يتحدثون لغة الديمقراطية، ولكنهم يحاولون تطبيق أسس غير ديمقراطية، وقد بدأوا بالفعل بخرق السياسة والمجتمع بنجاح، وهذا ما يجعلهم خطراً كبيراً على المجتمع».
ورغم أن شتروتر تؤيد فكرة حظر «الإخوان»، فإنها ترى أن تطبيق الحظر قد يكون «صعباً إذا لم تكن هناك إثباتات على أن الجماعة متورطة بأعمال عنف».

«التجمع الإسلامي في ألمانيا» يثير الجدل

في مطلع العام مثلاً، عقد «الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية» (ديتيب) ندوة في كولون، أثارت جدلاً كبيراً بسبب دعوة أعضاء في «الإخوان» للمشاركة. ويخضع «ديتيب» لإشراف رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) في أنقرة، ويُعد مظلة للمساجد والجمعيات الإسلامية التركية.
وإضافة إلى «ديتيب»، يعد «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا» مظلة أخرى كبيرة يمثل عدداً من المساجد والجمعيات الإسلامية. والمركز تأسس عام 1993. عن طريق «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، وهي واحدة من أقدم المنظمات المسلمة في ألمانيا، وتأسست عام 1958، وتصنفها المخابرات الداخلية على أنها من أهم المنظمات التابعة لـ«الإخوان»، وأن أعضاءها يسعون «لتأسيس دولة إسلامية في المدى المتوسط». وبحسب المخابرات، فإن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» يضم 1300 عضو، وهو ناشط في أنحاء ألمانيا، ونسق نشاطات مع أكثر من 50 مسجداً.
ويرأس «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا»، أيمن مزيك، وهو ألماني من أصول سورية يواجه هو نفسه اتهامات بأنه مقرَّب من «الإخوان». وقد أثارت تغريدة كتبها بعد وفاة مرسي انتقادات كثيرة، وأعادت تسليط الضوء على الاتهامات الموجهة له بارتباطه بـ«الإخوان». وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بمزيك لمنحه الحق بالرد، ولكنه رفض الإجابة عن الأسئلة عبر الهاتف، وطلب إرسالها كتابةً، ولكنه امتنع عن الردّ كذلك حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق.
وفي دراسة نشرها معهد كوناراد أدناور، يقول علاء الدين سرحان مُعدّ الدراسة، إن «(التجمع الإسلامي في ألمانيا) يحاول تفريق المراكز الإسلامية المتفرعة منه»، مضيفاً أن «هذا يخلق تركيبة تصعب على السلطات الأمنية الألمانية التحكم بها، وتموّه الرابط الحقيقي مع التجمع الإسلامي». ويقول سرحان أيضاً إن هذا الأمر يسمح للمنظمات المستقلة التي تتأسس حديثاً بالتقدم للحصول على طلب تجمع خيري للحصول على مزايا ضريبية.
ويشير الكاتب إلى أن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» خسر طابعه الخيري عام 1999، ووصف كاتب الدراسة هذا التجمع بأنه «لاعب أساسي» في شبكة «الإخوان» الأوروبية. ويقول: «الهدف الأول للتجميع الإسلامي هو التأثير آيديولوجياً على المسلمين الذين يعيشون هنا (في ألمانيا) وكسبهم». ويضيف أنه في الظهور العلني، يتفادى ممثلو التجمع الاعتراف بالارتباط بـ«الإخوان» أو الإدلاء بتصريحات مخالفة للدستور الألماني.
وتحاول ألمانيا كذلك وقف التمويل الخارجي عن «الإخوان» التي تتلقى مؤسساتها ومساجدها في ألمانيا، تمويلاً من تركيا وقطر. وقد وافق حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قبل أشهر على تبني قرار سيُطرح على البرلمان للتصويت عليه في نهاية العام، يمنع التمويل الخارجي عن المساجد والجمعيات الدينية العاملة في ألمانيا.
وطرحت كذلك فكرة فرض «ضريبة مساجد» في ألمانيا تقتطع من ضريبة الدخل التي يدفعها الموظفون المسلمون العاملون في البلاد، أسوة بضريبة الكنيسة التي تُقتطع من مرتبات الموظفين المسيحيين لتمويل الكنائس في ألمانيا. ولم تلاقِ الفكرة حينها ترحيباً من الجمعيات المسلمة العاملة في البلاد.
وترى شتروتر أن منع التمويل الأجنبي للمساجد التركية سيكون أيضاً من الصعب تطبيقه لأن التمويل لا ينتهك القانون. وتضيف أن «العامل الرئيسي ليس النظام القانوني الذي يمكن تغييره… ولكن المشكلة هي بغياب الوعي السياسي والمجتمعي». وتذهب شتروتر لحد وصف السياسيين في ألمانيا بأنهم «سُذّج ويؤمنون بأن منظمات الإخوان هي مجرد منظمات إسلامية، وهم تنقصهم أدنى درجات المعرفة».
ولكن إذا كانت المعرفة تنقص السياسيين، فإن المخابرات الألمانية تبدو على دراية كاملة بأهداف «الإخوان» وأفكارهم. ففي التقرير الذي صدر قبل فترة عن المخابرات الداخلية، جاء أن «الإخوان» يستغلون التناقض بين جماعتهم والتنظيمات التي تنتهج العنف مثل «داعش»، كوسيلة لطرح أنفسهم بديلاً لا يتسبب بمشاكل. ويضيف تقرير المخابرات أن تزايد نفوذ «الإخوان» من الممكن أن يؤدي إلى «تهديد السلام الاجتماعي». وكان الصحافي أكسل شبيلكر المتخصص بالجماعات المتطرفة نقل عن رئيس المخابرات الداخلية في ولاية راين فستفاليا، في تحقيق لموقع «فوكس»، أن الجماعة في ألمانيا «تسعى في النهاية إلى إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية». ولم تكن الصلوات التي رفعتها مساجد ألمانية بعد وفاة مرسي، ولا كلمات الرثاء التي صدرت عن قادة مسلمين في ألمانيا، إلا تذكيراً بمدى وصول «الإخوان» وتمددهم في المجتمع الألماني.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».