تسمية محافظ كردي جديد لكركوك يفجر أزمة قومية بين مكوناتها

العرب يرفضون تغيير الجبوري... والتركمان يطالبون بالمنصب

طيب جبار
طيب جبار
TT

تسمية محافظ كردي جديد لكركوك يفجر أزمة قومية بين مكوناتها

طيب جبار
طيب جبار

دائما تعود كركوك التي يعدها الأكراد بمثابة «قدس أقداسهم»، بينما يعدها العرب والتركمان مجرد محافظة، حالها حال باقي محافظات البلاد الـ18، إلى الواجهة. ومع اختلاف الظروف والمتغيرات، فإن الواجهات التي تتصدر من خلالها هذه المحافظات الأخبار تتعدد، خصوصاً بعد تثبيت الدستور العراقي المادة 140 التي تتعلق بها، وباقي ما بات يعرف في الخطاب السياسي العراقي لمرحلة ما بعد عام 2003 بـ«المناطق المتنازع عليها» بين العرب والكرد.
الكرد الذين كان لهم الصوت المؤثر خلال فترة كتابة الدستور، أيام كان التحالف الذي يربطهم مع الشيعة يسمى تحالفاً استراتيجياً، نجحوا في وضع تلك المادة التي وضع لها سقف زمني أمده عامان (تنتهي إجراءات المادة من تطبيع وإحصاء واستفتاء عام 2007)، لكن الخلافات التي سرعان ما برزت مع الحليف الشيعي، وفي ظل تهميش الطرف السني في تلك الظروف، حالت دون تنفيذ المادة المذكورة في موعدها المحدد. بعد ذلك، تحولت تلك المادة إلى «كعب أخيل» في كل ما يدور من نقاشات ومباحثات وخلافات بين مختلف الأطراف، حتى بدأت تتناسل أزمات عدة، كان آخرها أزمة 16 أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2017، حين دخلت القوات العراقية المدينة، وأخرجت منها قوات البيشمركة الكردية، وفرضت واقعاً آخر لا يزال مستمراً حتى اليوم.
وفيما تخلى محافظ كركوك السابق نجم الدين كريم عن المحافظة، وعن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان أحد أبرز قيادييه، واستقر في أربيل، وهي من معاقل الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، فقد تولى نائبه العربي راكان سعيد الجبوري منصب المحافظ إلى حين انتخاب محافظ جديد. ولأن كل شيء في كركوك قابل لأن يتحول إلى أزمة، فإن الخلافات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) مستمرة دائماً، بدأت من رئاسة الجمهورية في بغداد إلى تقاسم المناصب في كردستان، وصولاً إلى تسمية محافظ جديد لكركوك.
وأخيراً، حسم الكرد خلافاتهم، ليعلنوا عن تسمية ما عده القيادي البارز في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، خالد شواني، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، شخصية «تكنوقراط، ومقبول من كل الأطراف» محافظاً لكركوك، وهو طيب جبار. غير أنه ما إن ظهر الدخان الأبيض من داخل أروقة اجتماعات الحزبين التي طالت لأكثر من سنتين، بالاتفاق على تسمية المحافظ الجديد، حتى ثارت ثائرة العرب والتركمان في المحافظة، بوصفهم شركاء أساسيين لا يمكن تهميشهم، لا سيما في المناصب السيادية في المحافظة، مثل المحافظ أو رئيس مجلس المحافظة أو بعض المواقع الأخرى.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعي فيديو من مظاهرة عربية، أحدهما لسيدة تتفاخر بكونها «بعثية صدامية»، وتطلق تهديدات تخص المحافظة ومستقبلها، والثاني لرجل يتهجم على المكون الكردي بألفاظ بذيئة وسوقية أثارت استياءً وغضباً واسعاً في أوساط الشعب الكردي.
واستنكر حاتم الطائي، الناطق الرسمي باسم المجلس العربي في كركوك، المنظم للمظاهرات الاحتجاجية ضد تولي كردي منصب المحافظ، مقطعي الفيديو، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن مقطع الفيديو الذي تم تداوله، والذي «تم تسجيله خلسة دون علم المجلس، يمثل الصوت النشاز، ولا يعبر عن إرادة المتظاهرين، ولا يمثل المجلس العربي»، وأضاف أن المجلس العربي يطالب بالشراكة الحقيقية في إدارة شؤون كركوك، على أساس المساواة بين جميع المكونات بنسبة 32 في المائة لكل مكون، ومن خلال قنوات التفاوض السياسي الرسمي بين القوى التي تمثل الجميع. وحشد عرب كركوك وتركمانها مظاهرات يرونها كبيرة جداً، مثلما يقول لـ«الشرق الأوسط» الطائي، رغم أنها من وجهة نظره «مظاهرات عفوية عبرت عما تشعر به المكونات الأخرى في كركوك، مثل العرب والتركمان، حيال ما أقدم عليه الكرد، دون أخذ رأينا في مسألة مصيرية، مثل اختيار المحافظ».
لكن القيادي البارز في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، خالد شواني، يرد قائلاً إن «الإخوة لم يتمكنوا من تحشيد مظاهرات كبيرة، مثلما يقولون، بل هم بضع مئات، وجلهم من أقارب المحافظ الحالي، وبالتالي لا يمكن تغيير المعادلة إلا عبر الحوار بين مكونات كركوك».
ويضيف شواني أن «الانتخابات جرت وفقاً للآلية الديمقراطية والاستحقاق الانتخابي، وليس من خلال اتفاق منفرد بين الحزبين الرئيسيين، مثلما يقولون، بل من خلال قائمة كركوك المتآخية، التي تضم كرداً وعرباً وتركماناً ومسيحيين، ولديها 26 مقعداً من مجموع مقاعد مجلس المحافظة الـ41»، مضيفاً أن «الذي حصل في كركوك بعد أحداث (16-10) ليس هو القاعدة، بل إنه كان حالة استثنائية لا بد أن تتغير باتجاه حصول توافق على تسمية المحافظ عبر مكونات كركوك، وليس طبقاً لأي مسألة أخرى».
ويوضح شواني قائلاً إن «الإخوة العرب في كركوك استعجلوا الأمر، وحولوا القضية من مسألة إدارية إلى قضية سياسية، بل والأخطر عنصرية، حين أعلنوا أنه لا ينبغي أن يكون المحافظ كردياً».
بدوره، يقول الطائي إن «الكرد قفزوا على الواقع الموجود في كركوك، باتباع سياسة لي الأذرع وفرض أمر واقع آخر، وهذا غير مقبول من وجهة نظرنا»، ويضيف: «إننا في الوقت الذي نؤمن فيه بلغة الحوار مع الجميع من أجل الوصول إلى حل، فإننا نرى أنه ليس من المصلحة تغيير الإدارة الحالية للمحافظة، كونها حققت الأمن والاستقرار للمحافظة، وهو مطلب الجميع، وأن أي تغيير سوف يعيدنا إلى المربع الأول، علماً بأن لدينا ملاحظات على إدارة المحافظة، رغم أنها من المكون العربي».
وفي السياق نفسه، يرى حسن توران، نائب رئيس الجبهة التركمانية في كركوك، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأحزاب التركمانية ترى أن استمرار المنهج الإقصائي والأحادي للحزبين الكرديين في اختيار المحافظ غير ملزم لها، وكأنه لم يكن، وأن قرارات كركوك يجب أن تتخذ داخل المحافظة، لا أن تفرض من خارجها».
وأضاف توران أن «الأحزاب التركمانية تطالب بإسناد منصب المحافظ للمكون التركماني، لا سيما أن هذا الترشيح قد حظي بموافقة المكون العربي، وأن كركوك بحاجة إلى حلول مستدامة توافقية تضمن العيش المشترك لكل المكونات، وتحقيق الإدارة المشتركة بنسبة 32 في المائة»، وأوضح أن «التركمان يرون أن الأمن يجب أن يبقى اتحادياً، وعدم السماح لعودة البيشمركة إلى المحافظة، وندعو الحكومة الاتحادية للحفاظ على مكتسبات عملية فرض القانون في كركوك».
وعلى الصعيد الكردي، أيضاً، أصدر مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، بياناً أمس، جدد من خلاله التأكيد ثانية على الهوية الكردستانية لكركوك، وقال إنها غير قابلة للمساومة إطلاقاً، وقال إنه ينبغي لكركوك أن تكون مثالاً ونموذجاً للتعايش السلمي المشترك بين أبناء مختلف القوميات والأديان والمذاهب، وهو ما نكرر التأكيد عليه.



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.