‪صناديق الثروة السيادية العربية تهجر أوروبا... وتتجه شرقاً‬

88 % منها تزيد استثماراتها في الصين‬

تحسنت جاذبية الصين بالنسبة للمستثمرين السياديين أكثر من أي منطقة رئيسية أخرى منذ 2017
تحسنت جاذبية الصين بالنسبة للمستثمرين السياديين أكثر من أي منطقة رئيسية أخرى منذ 2017
TT

‪صناديق الثروة السيادية العربية تهجر أوروبا... وتتجه شرقاً‬

تحسنت جاذبية الصين بالنسبة للمستثمرين السياديين أكثر من أي منطقة رئيسية أخرى منذ 2017
تحسنت جاذبية الصين بالنسبة للمستثمرين السياديين أكثر من أي منطقة رئيسية أخرى منذ 2017

‪أصدرت مؤسسة «انفستكو» تقريراً عن‬ إدارة الأصول السيادية العالمية، وهو تقرير سنوي يرصد السلوك الاستثماري المعقد لصناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية. ويكشف تقرير هذا العام تراجع جاذبية أوروبا بين مستثمري الصناديق السيادية، وتحوّل اهتمامهم نحو الأسواق الناشئة، وخاصة الصين. ووفقاً للتقرير، فإن 88 في المائة من مستثمري الشرق الأوسط (لا سيما الصناديق الخليجية) لديهم انفتاح على الصين، مقارنة بنسبة 73 في المائة من المستثمرين على الصعيد العالمي.
‎وجدير بالذكر أن تقرير هذا العام تمّ من خلال لقاءات فردية مع 139 مستثمراً من صناديق سيادية ومديري احتياطيات بنوك مركزية من جميع أنحاء العالم، يمثلون أصولاً بقيمة 20.3 تريليون دولار، منهم 71 ممثلاً لبنوك مركزية (62 في تقرير عام 2018)، الأمر الذي يعكس المكانة المتنامية للبنوك المركزية كمستثمرين سياديين.
‎الجاذبية الصينية
‎تحسنت جاذبية الصين بالنسبة للمستثمرين السياديين أكثر من أي منطقة رئيسية أخرى منذ 2017، ‎وقد كشفت الدراسة أن الديناميات التنافسية الفريدة التي تتمتع بها الصين تجذب الصناديق السيادية التي تسعى إلى مزيد من التنويع، رغم استمرار تمتع الأسهم بمكانتها كفئة الأصول الأكثر تفضيلاً.
‎كما أن نحو 100 في المائة من الصناديق السيادية العربية التي تتمتع بانكشاف على الصين تحمل أسهماً صينية، مما يدل على أن التدابير الحكومية لفتح السوق أمام المستثمرين الأجانب تؤتي ثمارها. وقد ذكر المشاركون في التقرير من منطقة الشرق الأوسط أنهم صبوا تركيزهم على بناء خبراتهم في الصين عبر الاستثمار في الشراكات وتطوير كفاءاتهم داخلياً وتأسيس مكاتب آسيوية مخصصة.
‎وتعد مخاطر الاستثمار أكبر تحدٍ يواجه الاستثمار في الصين بالنسبة للصناديق السيادية في الشرق الأوسط. ولا تزال الشفافية تشكل عقبة كبيرة أمام زيادة الصناديق السيادية العالمية مخصصاتها في الصين، بينما تعتبر قيود الاستثمار ومخاطر العملات من أهم العوائق الرئيسية بالنسبة للصناديق السيادية التي ليس لديها مخصصات حالية للصين.
‎ورغم أن الدراسة هذه قد أجريت خلال فترة ‎من التصريحات المستمرة حول الحرب التجارية، فإن المشاركين في استطلاع الرأي وجدوا في تعهد الصين بتحسين حماية الملكية الفكرية سبباً للتفاؤل بالتوصل إلى حل للتوترات القائمة.
‎هذا ويلحظ التقرير زيادة مستثمري الشرق الأوسط لمخصصاتهم إلى آسيا كمنطقة، حيث زادت نسبة المخصصات بنسبة 75 في المائة في عام 2018، مقارنة مع 47 في المائة من جميع المستثمرين الذين تم استطلاع رأيهم. وتشير الدلائل إلى أن هذا الاتجاه سيستمر في عام 2019.
‎أوروبا تفقد جاذبيتها
‎أدى تباطؤ النمو الاقتصادي والتنبؤات المتزايدة بالمخاطر السياسية إلى انخفاض في جاذبية الاقتصادات الأوروبية الرئيسية. ويؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الآن على قرارات تخصيص الأصول لـ64 في المائة من جميع الصناديق السيادية، بينما تزداد هذه النسبة لدى المستثمرين الشرق أوسطيين لتصل إلى 78 في المائة. وقد بات المستثمرون ينظرون إلى أوروبا القارية بعين من عدم التيقن بشكل متزايد، مع صعود الأحزاب والحركات الشعبوية اليمينية في الاقتصادات الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وإيطاليا، الأمر الذي يؤثر على قرارات تخصيص الأصول عند 46 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي.
‎وقد أدى ذلك إلى تراجع أوروبا على قائمة المناطق المفضلة، حيث قام نصف المستثمرين السياديين في الشرق الأوسط بتخفيض مخصصاتهم إلى أوروبا في عام 2018، وهناك عدد مماثل أيضاً يخطط لتقليص المخصصات في عام 2019. ويخطط فقط 13 في المائة من المستثمرين السياديين العالميين لزيادة مخصصاتهم إلى أوروبا هذا العام، مقارنة بنسبة 40 في المائة سيزيدون مخصصاتهم في آسيا و36 في المائة في الأسواق الناشئة.
التنويع الاستثماري
‎وكان عام 2018 عاماً مليئاً بالتحديات بالنسبة للصناديق السيادية، حيث أدى الضعف والتقلبات في أسواق الأسهم إلى انخفاض العائدات الإجمالية للاستثمار. وكانت الصناديق السيادية قد حققت في العموم عائدات بنسبة 4 في المائة في عام 2018، مقارنة مع 9 في المائة في عام 2017. ورغم الانخفاض في العائدات، حققت الصناديق السيادية أداءً جيداً في ضوء العوائد السلبية من الأسهم العالمية، التي انخفضت بنسبة 8.7 في المائة من حيث القيمة بالدولار خلال العام، وفقاً لمؤشر «إم إس سي آي» العالمي.
‎وتتوقع غالبية الصناديق السيادية (89 في المائة) نهاية الدورة الاقتصادية خلال العامين المقبلين. وقد أدى هذا، إلى جانب المخاوف من التقلبات واحتمال تحقيق عوائد سلبية من الأسهم، إلى زيادة مخصصات الصناديق في قطاع الدخل الثابت وزيادة التنويع في مخصصات البنية التحتية والعقارات والأسهم الخاصة.
‎وارتفعت مخصصات الدخل الثابت إلى 33 في المائة في عام 2019، بعد أن كانت تمثل 30 في المائة في عام 2018، لتصبح أكبر فئة أصول تستثمر فيها الصناديق السيادية. ومع ذلك، ففي منطقة الشرق الأوسط، كانت المخصصات للبدائل غير السائلة مهيمنة على المشهد بشكل خاص، حيث زادت المخصصات بنسبة 75 في المائة للبنية التحتية، و63 في المائة للأسهم الخاصة، و38 في المائة للعقارات، وهو فارق ملحوظ في استراتيجية العينة العالمية التي شملتها الدراسة. وتتعرض المنطقة بشكل خاص للدورات الاقتصادية العالمية بسبب اعتمادها على عائدات النفط، وبالتالي لديها حافز أكبر للاستثمار في هذه الأصول بهدف التنويع.
أهمية قطاع التكنولوجيا
‎تنظر الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى التكنولوجيا باعتبارها فرصة استثمارية كبيرة ذات قاعدة واسعة، إذ تضم 89 في المائة من تلك الصناديق مجموعة أو فريق عمل متخصص بالتكنولوجيا، مقارنة مع 48 في المائة من الصناديق العالمية. وإذا نظرنا إلى هيمنة شركات التكنولوجيا من حيث مساهمتها في عائدات الأسهم والتنمية الاقتصادية على مدى السنوات القليلة الماضية، سنجد أنه من غير المستغرب أن يشير 75 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي من منطقة الشرق الأوسط إلى تعزيز عائدات الاستثمار كالسبب الأكثر أهمية الذي يدفعهم للتركيز على هذا القطاع.
‎ولطالما كانت الصناديق السيادية في الشرق الأوسط من الرواد في استخدام الاستثمارات التكنولوجية لصالح مجتمعاتها المحلية. وتلعب التكنولوجيا والابتكار دوراً مهماً في هذه المجتمعات، بصفتها جزءاً من الكثير من المبادرات الإقليمية لبناء اقتصاد أكثر استدامة. إذ وضعت السعودية الابتكار التكنولوجي في صميم «رؤية المملكة 2030». ووفقاً لاستطلاع الرأي، قام 100 في المائة من المشاركين من منطقة الشرق الأوسط بتطبيق ابتكار تكنولوجي في مجال استراتيجية الاستثمار خلال الأشهر الـ12 الماضية، في مجالات مثل إدارة المخاطر والرصد والذكاء الاصطناعي.
‎الحوكمة والاعتبارات البيئية
‎تعد الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية قضية ذات أهمية متزايدة بالنسبة للصناديق السيادية والبنوك المركزية. وقد شهدت نسبة الصناديق السيادية التي تتبنى سياسة خاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ارتفاعاً من 46 في المائة إلى 60 في المائة منذ عام 2017. كما بات الآن لدى 20 في المائة من البنوك المركزية سياسة خاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، مقارنة مع 11 في المائة في عام 2017. وجدير بالذكر أن 67 في المائة من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط لديها سياسة خاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، متقدمة بذلك على المتوسط العالمي الذي يبلغ 60 في المائة، إلا أنها لا تزال متراجعة عن المعدل الموجود لدى الصناديق السيادية في الغرب الذي يبلغ 76 في المائة. وتشهد مقاربات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تطوراً بشكل متزايد، حيث إنها انتقلت إلى ما بعد الفحص والتدقيق لتتضمن الآن مزيداً من أشكال التكامل المتقدمة.
‎كما حدث أيضاً تحوّل في تركيز نشاط الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. ففي حين أن مالكي الأصول كانوا في الماضي يركزون على قضايا الحوكمة بسبب ما توفره من وضوح أكبر للمخاطر ومزايا تتعلق بالعائدات، فإن هذه العوامل غالباً ما تكون موجودة الآن بذهن الجهات التي تتبنى سياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. وأصبحت المخاوف البيئية بالنسبة للصناديق السيادية محور التركيز الأساسي بصورة متنامية، حيث أصبحت انبعاثات الكربون والتغير المناخي أهم قضية في سياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
تحول الاهتمام
‎وفي تعليق لها، قالت جوزيت رزق، مدير المبيعات للعملاء المؤسسين لمنطقة الشرق الأوسط لدى «انفستكو»: «نلحظ تحولاً مثيراً للاهتمام من حيث التوزيع الجغرافي والقطاعي في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن الحاجة إلى موازنة الانكشاف العالمي تدفع الكثير من المستثمرين الإقليميين لاستكشاف الفرص في الأسواق الناشئة وآسيا، لا سيما بسبب الأسس والتقييمات الجذابة التي تتمتع بها الأسواق الناشئة. ورغم أن زيادة المخصصات للصين لا تزال تشكل بنداً على أجندات المستثمرين الإقليميين، إلا أن مخاطر الاستثمار تعد أكبر تحدٍ للاستثمار هناك».
‎وتضيف رزق: «كما لاحظنا أيضاً اتجاهاً آخر مثيراً للاهتمام، وهو أن التكنولوجيا والابتكار أصبحا جزأين مهمين من المحفظة الكلية للمستثمرين الإقليميين. ويعود ذلك في المقام الأول إلى العائدات الجذابة التي تقدمها شركات التكنولوجيا، كما أنه يتوافق مع جداول أعمال الكثير من الحكومات الإقليمية، وخاصة السعودية والإمارات، التي ترغب في تطوير اقتصاد قائم على المعرفة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في بلدانهم... وقد اكتسب الحديث حول الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية وحوكمة الشركات، أو ما يطلق عليه تسمية (الاستثمار المسؤول)، زخماً كبيراً في الآونة الأخيرة.
وشكل مستثمرون مؤسسون من المنطقة، ولا سيما صناديق ثروة سيادية، القوة الدافعة الرئيسية وراء هذا الأمر، وخاصة بشأن الموضوعات الأساسية التي لها تأثير على الاستدامة وتوقيع مبادرة (كوكب واحد)».



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.