إبداعنا العربيّ... أليس جديراً بالترجمة؟

الأمر مرهون بمؤسسات رسمية عربية تحتضنها منظمات دولية مثل {اليونيسكو}

موريس بلانشو  -  غلاف أسئلة الكتابة
موريس بلانشو - غلاف أسئلة الكتابة
TT

إبداعنا العربيّ... أليس جديراً بالترجمة؟

موريس بلانشو  -  غلاف أسئلة الكتابة
موريس بلانشو - غلاف أسئلة الكتابة

تُوصف الترجمة بأنّها شكلٌ من أشكالِ الاعتراف بالممارسة الإبداعية، وأداة قوية من الأدوات المطوِّرة للثّقافة العالمية التي استطاعت تجاوز تقليدية الفهم للترجمة، ذلك الفهم الذي بموجبه كان مؤرخو الثقافة ينكرون دور الترجمة في تطوير الثقافات الوطنية، ناظرين إليها بوصفها هي المنفى والاغتراب.
ولقد تغيرَ هذا الفهم مع أدبيات مرحلة ما بعد الحداثة التي صارت تولي الترجمة أهمية بالغة، فموريس بلانشو مثلاً رأى في كتابه (أسئلة الكتابة) أنّ للتّرجمة شكل الأدب، ورفض عدَّها اقترافاً لعصيان واستعادة أو إعادة لبرج بابل، متسائلاً لماذا لا ننظر إلى عمل المترجم، كما لو كان عملاً إبداعياً، يضاهي أو يحاكي الأصل في المظهر، من منطلق (أن العمل لا يكون أهلاً لأن يترجم إلا إذا أفصح عن استعداد للاختلاف) «أسئلة الكتابة، ص85»، مشبهاً المسألة بالتفاهم بين لغتين تتمكنان من جعل الفجوة بينهما منبعاً لمعنى جديد.
ولن نجانبَ الحقيقة إذا قلنا إنّ الترجمة ليست أكثر من تغيير للغة تغييراً أفقياً ضمن حيز أدبي كوني. وما سلسلة عمليات تحويل النصوص الأدبية وترجمتها سوى نوع من تسلسل الاستراتيجيات اللغوية الأدبية في شكل حلقاتٍ متواصلة من الحلول المستمرة.
والغاية الهروب من الفقر والجهل اللاأدبيين على حد تعبير باسكال كازانوفا، التي ذهبتْ إلى أنّ هذا الفهم العولمي للتّرجمة بإمكانه أنْ يمحو البؤسَ الأدبي، بمعنى أنّ كل كاتب ينتمي إلى أمة ليست محرومة من إرث أدبي، سيوفر له الخير الأدبي المناسب لازدراء البؤس والعكس صحيح، فتغدو الترجمة الأدبية ملاذاً وألفة وليست منفى أو غربة.
وبموجب هذا الفهم، تغدو الترجمة خير وسيلة للتقارب بين الثقافات والحضارات. وثقافتنا العربية بالعموم ومنجزنا الإبداعي بالخصوص بحاجة إلى الدراسة العالمية، علماً بأن أكثر الترجمات التي تمت خلال العقود الماضية كانت قليلة جداً، وانحصرت في الأدب العربي الكلاسيكي، خذ مثلاً الدراسات الروسية التي اقتصر أغلبها على الكتّاب المصريين، واهتمت بعض الدراسات الاستشراقية لكتاب بلغار وسويسريين وألمان وإسبان وإنجليز وفرنسيين بالأدب العربي المعاصر عموماً.
ورغم أنّ في هذا دلالة على تطور الاستشراق الأوروبي، فإنّه يستنهض دورنا بأهمية تعريف الآخر بما وصل إليه إبداعنا العربي من تطور وتجديد على طول خريطة الوطن العربي من المشرق إلى المغرب.
ولا يخفى أنّ للترجمة دورها المهم والفعّال في نشر النتاجات الأدبية العربية والتعريف بإبداعاتها في آداب اللغات المترجم إليها. ومن حسنات الجوائز الأدبية أنْ جعلت ترجمة الأعمال الإبداعية من ثمار الفوز بها، وفي ذلك منفعة ثقافية، تتحقق من جراء وصول صورة من صور إبداعنا إلى العالم. وهذا ما تفعله أيضاًأأن يترجم إلا إذا ا كبريات الجوائز العالمية بدءاً من جائزة البوكر الدولية وجائزة ألمانيا للكتاب وغيرهما.
وبالتأكيد يظلُّ الطموح أكبر من ذلك، فالجوائز لا تشمل بترجماتها كلَّ الإبداع العربيّ، وميدان اهتمامها يقتصر في الأغلب على الأدب الروائي وحده. وعدد الفائزين بها في كل عام لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة. وهو نزر بالقياس إلى حجم العطاء الثقافي في مشرق الوطن العربي ومغربه. ومن ثم سينزوي مبدعون آخرون لم يشركوا في الجوائز، ممن كرسوا جهودهم للأدب وحده. وكثير من هؤلاء المبدعين يمثلون الإبداع في أبهى صوره، لذا هم جديرون بتعريف الآخر بنتاجاتهم.
ولا شك أن التوسع في مجال ترجمة الإبداع العربي إلى أكثر من لغة عالمية، ليشمل مناحي متعددة منه، ولا سيما النتاجات التي تتمتع بالوعي الأصيل والصميم بالعملية الإبداعية ومتلازماتها الفكرية ذات الصلة بالرؤى النظرية وآفاقها الحداثية، ستكون له مردودات مهمة منها:
> ستعرف الآداب الأخرى بالمستوى الذي وصل إليه إبداعنا العربي وما بلغه من تقدم على المستويين الفني والفكري.
> اطلاع المؤسسات الثقافية الأجنبية والمتلقين في مختلف دول العالم على أسماء مبدعينا العرب.
> دفع الأدباء في مختلف البلدان إلى التفاعل الثقافي باتجاه الاستزادة الفنية وبالشكل الذي يقوي الصلات الثقافية والحضارية.
> إدامة الجسور الثقافية التي تسهم في تدعيم صلات الاندماج الثقافي والتعدد المعرفي والتنوع الحضاري والتي هي من السمات الإيجابية لمرحلة ما بعد العولمة التي تهدف إلى إلغاء الحدود والحواجز ما بين آداب الشعوب على اختلاف مشاربها وطوائفها وألوانها وألسنتها.
> فتح آفاق الارتقاء بالفنون الإبداعية إلى مستويات عالمية تسمح بالتوليد والاشتقاق داخل الفن الواحد من جهة وداخل الفنون بعضها بعضاً من جهة أخرى.
إن ثقافتنا عامة وفي حقل الدرس النقدي خاصة بحاجة ماسة إلى الترجمة إلى اللغات الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى تعزيز انفتاح نقدنا المعاصر على مختلف الحقول المعرفية العالمية، بما يجعل الناقد العربي مواكباً نظيره الآخر، متابعاً جديده النظري والمعرفي. وهذا ما يقوم به اليوم مترجمون واعون للعملية إلا بداعية.
وإذا كنا نرى أهمية تحشيد الحركة الترجمية بإطار علمي مدروس ينتقي الجيد والمهم من الكتب بنظر حصيف لا يخبط خبط عشواء ولا يخاتل القارئ التفافاً أو مراءاة، فإننا أيضاً نتطلع إلى حركة ترجمية مماثلة، تعرَّف الآخر الغربي بنتاجاتنا الإبداعية، كي تتوازن عمليتا الانفتاح والتأثير، ويكون الآخر الغربي على دراية بالمستوى الذي بلغه نظيره العربي على الصعيدين التنظيري الإبستمولوجي والإجرائي، عارفاً مقدار الشوط الذي قطعه العقل العربي المعاصر والراهن وهو يشيّد معماره الثقافي مضيفاً ومقوماً ومبتكراً.
وهذا ما نتوسم أن يقوم به مترجمونا العرب قاطبة على أن يكون الاندماج الثقافي مع الآخر اندماجاً متبادلاً أو تبادلياً أخذاً وعطاءً واستقبالاً وإرسالاً. وليس نقلاً من دون إعادة. فلماذا تقتصر أغلب الترجمات العربية على نقل إبداعات الآخر إلينا وتغفل أن تترجم إبداعنا إلى الآخر؟
أهو شعور أن ليس في إبداعنا العربي ما هو جدير بالترجمة أم هو ضيق يد الحال أم هو الانبهار بالآخر الذي يجعلنا ننسى التعريف بأنفسنا؟ ألسنا نؤمن بالانفتاح الذي يقوم بالأساس على التفاعل والتحاور؟ أم نحن أقل من أن نكون كذلك؟
ومهما تكن الإجابات؛ فإن الأمر المهم يبقى مرهوناً بقيام مؤسسات رسمية عربية، كمنظمات أو هيئات أو مراكز، تحتضنها منظمات دولية كاليونيسكو مثلاً، مهمتها وضع الخطط الاستراتيجية التي بالعمل بها يتم توحيد الفعل الترجمي العربي وتنسيق عطاءات المترجمين، وبالشكل الذي يحقق لنا توازناً ثقافياً وتبادلاً معرفياً، سواء فيما يترجم من الآخر إلينا أو فيما يترجم منا إليه.



احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».