رغم انتعاش «السياحة المظلمة»... تحذيرات علمية من زيارة «تشرنوبل»

الحكومة الأوكرانية افتتحت قبة معدنية لتحيط بالمفاعل المدمر

القبة المعدنية الجديدة التي افتتحتها أوكرانيا الأربعاء الماضي حول مفاعل نووي مدمر في تشرنوبل (أ.ف.ب)
القبة المعدنية الجديدة التي افتتحتها أوكرانيا الأربعاء الماضي حول مفاعل نووي مدمر في تشرنوبل (أ.ف.ب)
TT

رغم انتعاش «السياحة المظلمة»... تحذيرات علمية من زيارة «تشرنوبل»

القبة المعدنية الجديدة التي افتتحتها أوكرانيا الأربعاء الماضي حول مفاعل نووي مدمر في تشرنوبل (أ.ف.ب)
القبة المعدنية الجديدة التي افتتحتها أوكرانيا الأربعاء الماضي حول مفاعل نووي مدمر في تشرنوبل (أ.ف.ب)

حذّر علماء من أن الإقبال السياحي على زيارة موقع الكارثة النووية «تشرنوبل» قد يكون له بعض الجوانب السلبية، أبرزها استمرار الإشعاعات النووية حتى الآن ما يضر بالزائرين، على الرغم من حماس الحكومة الأوكرانية لاستثمار الموقع سياحيا.
وذكر علماء أمس (الجمعة) أن جزءا كبيرا من أرض تشرنوبل لا تزال مغطاة بمواد مشعة، والتي يمكن أن تشكل مخاطر صحية خطيرة على أولئك الذين يلمسونها، وأن بعض المناطق أكثر نشاطا جراء الإشعاعات من غيرها، وبالتالي أكثر خطورة.
وشهد موقع الكارثة إقبالا سياحيا بنسبة من 30 إلى 40 في المائة، وفقا لشركات السياحة في البلاد، والذي أحياه مسلسل تلفزيوني وثائقي مكون من 5 حلقات وهو إنتاج مشترك جمع بين شبكتي «إتش بي أو» الأميركية و«سكاي» البريطانية. كما انجذب السياح لأول مرة لموقع الحادث عقب لعبة باسم «ستالكر» منذ 10 سنوات، وهي لعبة افتراضية عن الكارثة.
وتختلف الإشعاعات من مكان لآخر داخل تشرنوبل، وبحسب جيم بيسلي، وهو أستاذ في جامعة جورجيا يدرس الحياة البرية في منطقة تشرنوبل منذ عام 2012، فإن المنطقة هي أكثر الأماكن الملوثة إشعاعيا على وجه الأرض حتى الآن.
وفي السياق ذاته، قالت تي ستين، الباحثة في علم الأحياء الدقيقة في كلية الطب بجامعة جورج تاون والمشرفة على أبحاث الإشعاع في الكائنات الحية في مواقع الكوارث النووية، إن أي شخص يزور موقع الكارثة يجب أن يكون حذرا أثناء وجوده، وأن يحد من الوقت الذي يقضيه هناك، لعدم التأثير على صحته مستقبلا.
ووجه باحثون زوّار منطقة تشرنوبل لارتداء ملابس وأحذية يمكن التخلص منها، وكذلك قناع للوجه وقفازات، وتجنب ملمس أي نباتات، حسب ما نقل موقع «ستف» النيوزيلندي.
وقد أظهرت الأبحاث أن الفطريات والطحالب هناك لا تزال مشعة، كما أن الأكل أو الشرب في المنطقة التي شهدت الكارثة النووية الأسوأ في العالم غير آمن، لكن في الوقت ذاته، أشار باحثون إلى أنه بشكل عام يمكن أن تكون زيارة تشرنوبل آمنة، لكن ذلك يعتمد على «تصرف الناس».
يأتي ذلك في الوقت الذي تتوجه فيه الحكومة الأوكرانية من أجل استثمار السياحة في المنطقة المعزولة. وكانت الحكومة قد أعلنت أن تشرنوبل ستصبح موقعا سياحيا رسميا، بإتمام الطرق والممرات المائية ونقاط التفتيش و«الممر الأخضر» الذي يضعها على الخريطة مع وجهات السياحة الأخرى في البلاد، حسب ما ذكر تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تصريحات الأربعاء الماضي، أدلى بها في موقع الكارثة التي وقعت منتصف ثمانينات القرن الماضي: «لنتوقف عن ترويع السائحين، ولنحول المنطقة المعزولة إلى قوة جذب علمية وسياحية مستقبلا»، مضيفا: «تشرنوبل كانت جزءا سلبيا من أوكرانيا. لقد حان الوقت لتغييرها».
وقامت أوكرانيا بوضع قبة معدنية جديدة للحماية، والتي صممها وبناها كونسورتيوم نوفاركا الفرنسي، لتحيط بالمفاعل الرابع المدمر في المحطة النووية بتشرنوبل. وافتتح الرئيس الأوكراني القبة رسمياً الأربعاء الماضي، والتي تُصنف أنها أكبر هيكل معدني قابل للنقل في العالم.
وعبر تيموثي موسو، عالم الأحياء والأستاذ بجامعة ساوث كارولينا، والذي يدرس الآثار البيئية والتطورية للملوثات المشعة على الحياة البرية والكائنات الحية في تشرنوبل منذ 20 عاما عن قلقه إزاء تلك الحملة السياحية التي تتبناها أوكرانيا، وأن ذلك يمكن أن يزيد الأمر سوءا. وقال: «الجوانب السلبية التي يتم تجاهلها بالكامل هي الصحة والسلامة المتمثلة في جلب هذا العدد الكبير من الناس، وتعرضهم للخطر من هذا النوع من التلوث. كلما زاد عدد الزوار، زاد الغبار، وبالتالي التلوث هنا».
وأصبح موقع تشرنوبل واحدا من أكثر الأمثلة على ظاهرة معروفة باسم «السياحة المظلمة»، وهو مصطلح لزيارة المواقع المرتبطة بالموت والمعاناة، مثل معسكرات الاعتقال النازية في أوروبا أو النصب التذكاري ومتحف 11 سبتمبر (أيلول) في نيويورك، حسب تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية.
ولا يزال هناك نحو 150 شخصا من كبار السن يعيشون في المنطقة المعزولة هناك، في تحد للسلطات. ويقول مسؤولون إنه سيكون من الآمن للبشر أن يعيشوا هناك مرة أخرى بعد 24000 عام، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، على الرغم من أنه من يمكن للسائحين زيارتهم لفترات قصيرة.
ووقعت حادثة تشرنوبل في 26 أبريل (نيسان) 1986 عندما حدث انصهار وانفجار داخل المفاعل النووي، على مسافة نحو 100 كيلومتر إلى الشمال من العاصمة كييف، وكانت أوكرانيا آنذاك دولة سوفياتية.
وقُتل أكثر من 30 شخصا في أعقاب الانفجار مباشرة، ولا يزال المسؤولون يناقشون حصيلة القتلى على المدى الطويل في أوكرانيا والبلدان المجاورة حيث أصيب الناس بالسرطان وأمراض أخرى.
وتقدر منظمة الصحة العالمية إجمالي الوفيات الناجمة عن السرطان بنحو 9 آلاف حالة حتى عام 2005، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء. ويعد موقع تشرنوبل مختبرا فريدا للقيام بأبحاث حول الإشعاعات، لكن في الوقت ذاته، لا يزال الباحثون يدرسون الأضرار الناتجة عن استمرار الإشعاعات على النباتات والحشرات والطيور والأسماك، وأيضا الثدييات مثل الثعالب.


مقالات ذات صلة

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن اجتمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (ا.ف.ب)

بايدن وشي يحذران من «مخاطر» سيطرة الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الصيني شي جين بينغ، على ضرورة الحفاظ على السيطرة البشرية على قرار استخدام الأسلحة النووية.

«الشرق الأوسط» (ليما)
شؤون إقليمية صورة التقطها قمر «بلانت لابس» لحفريات تحت جبل قرب منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم وسط إيران في 14 أبريل 2023 (أ.ب)

تقرير: إسرائيل دمّرت منشأة إيرانية سرية لأبحاث الأسلحة النووية

كشف موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم الجمعة، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن إسرائيل نفذت هجوماً استهدف منشأة سرية إيرانية في منطقة بارشين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي هائل (رويترز)

روسيا تُجري تجارب إطلاق صواريخ في محاكاة لرد على هجوم نووي

أجرت روسيا، الثلاثاء، تجارب إطلاق صواريخ على مسافات تصل إلى آلاف الأميال لمحاكاة رد نووي «هائل» على ضربة أولى للعدوّ.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.