فرنسا تقر «الضريبة الرقمية» رسمياً وأميركا تفتح «تحقيقاً تمييزياً»

واشنطن تدرس رد الفعل وباريس تؤكد سيادتها

أقر البرلمان الفرنسي أمس «الضريبة الرقمية» رسمياً على عمالقة التكنولوجيا فيما تدرس واشنطن رد الفعل مع إجراء تحقيق حول آثارها (أ.ف.ب)
أقر البرلمان الفرنسي أمس «الضريبة الرقمية» رسمياً على عمالقة التكنولوجيا فيما تدرس واشنطن رد الفعل مع إجراء تحقيق حول آثارها (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تقر «الضريبة الرقمية» رسمياً وأميركا تفتح «تحقيقاً تمييزياً»

أقر البرلمان الفرنسي أمس «الضريبة الرقمية» رسمياً على عمالقة التكنولوجيا فيما تدرس واشنطن رد الفعل مع إجراء تحقيق حول آثارها (أ.ف.ب)
أقر البرلمان الفرنسي أمس «الضريبة الرقمية» رسمياً على عمالقة التكنولوجيا فيما تدرس واشنطن رد الفعل مع إجراء تحقيق حول آثارها (أ.ف.ب)

أصبحت فرنسا، أمس (الخميس)، أول اقتصاد رئيسي يفرض ضريبة على المجموعات الرقمية العملاقة، بعد أن أقر البرلمان هذه الخطوة بشكل نهائي، في تحدٍّ للتحقيق الذي أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفتحه، وقد يطلق «تدابير مضادة».
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أول من أمس (الأربعاء) أنها فتحت تحقيقاً حول آثار الضريبة التي ستفرضها فرنسا أحادياً على عمالقة الإنترنت، وتعد أول بلد يتخذ هذه الخطوة بانتظار اتفاق على المستوى الدولي حول فرض الضريبة على «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» و«آبل» و«آر بي آند بي» و«إنستغرام» وكذلك «كريتيو» الفرنسية.
والتحقيق، الذي فُتح بموجب المادة في قانون التجارة المعروف بـ«الفرع 301»، قد يؤدي إلى تدابير رد أميركية وفقاً لاستنتاجاته. وهو تهديدٌ أثار رد فعل وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، أمام أعضاء مجلس الشيوخ، إذ قال: «يمكننا كحلفاء –لا، بل علينا- تسوية خلافاتنا بطريقة أخرى غير التهديد». وأكد أنها المرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا التي تقرر فيها الإدارة الأميركية فتح تحقيق بموجب مادة في قانون التجارة معروفة بـ«الفرع 301».
وأضاف لومير: «أود أن أكرر لحلفائنا الأميركيين أن ذلك يجب أن يكون تشجيعاً لهم لتسريع الأعمال لإيجاد حل دولي للضريبة على الشركات الرقمية على مستوى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ولنبرم اتفاقات بدلاً من إطلاق التهديدات». كما أوضح أنه أجرى محادثة طويلة مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، مؤكداً أن فرنسا دولة ذات سيادة، وسوف تستمر في اتخاذ إجراءات سيادية.
ويُستوحى الإجراء من مشروع أوروبي لم يفضِ إلى نتيجة بسبب تردد دول أوروبية عدة منها آيرلندا والسويد والدنمارك وفنلندا. وستطال الضريبة المؤسسات التي تحقق رقم أعمال لأنشطتها الرقمية يزيد على 750 مليون يورو في العالم، منها 25 مليون يورو بفضل مستخدمين في فرنسا.
لكنّ هذا الحل الأحادي مؤقت بانتظار توصل المفاوضات الدولية إلى نتيجة. ومجموعة العشرين المالية التي اجتمعت الشهر الماضي في اليابان حققت تقدماً في هذا الملف، حيث وعد وزراء مال أكبر اقتصادات العالم بـ«مضاعفة الجهود لإقرار عدالة ضريبية على الساحة الدولية». والهدف هو التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 2020، وهو تقدم بات ممكناً بفضل تغيير الموقف الأميركي بعد أن عُرقلت المفاوضات لسنوات. لكن الخلافات تبقى كبيرة حول سبل التطبيق، إذ تفضل واشنطن مقاربةً أوسع لا تقتصر على القطاع الرقمي. والفكرة تكمن في فرض ضريبة بنسبة 3% من رقم الأعمال المحقق في فرنسا، خصوصاً من خلال الدعاية الإلكترونية وبيع بيانات لأغراض دعائية. وذكرت لجنة المال في مجلس الشيوخ الفرنسي «أن هذا القانون الجديد غير الكامل اقتصادياً، بما أنه يفرض ضريبة على رقم الأعمال وليس الأرباح، والمعقّد في تطبيقه من عدة نواحٍ، يجب أن يعد حلاً مؤقتاً بانتظار قرار متعدد الأطراف». ويرى اليسار أن الضريبة خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها تبقى غير كافية.
وهذه الضريبة التي أعلنها ماكرون نهاية 2018 في أوج أزمة «السترات الصفراء» ستسهم في تمويل التدابير العاجلة الاقتصادية والاجتماعية بمستوى 10 مليارات يورو.
والهدف نفسه للشق الثاني من مشروع القانون الذي يغيّر مسار خفض الضرائب عن الشركات لعام 2019 بالنسبة إلى المجموعات الكبرى. ويرى اليمين، على غرار إريك وورث من حزب الجمهوريين ورئيس لجنة المال في الجمعية الوطنية، في ذلك «ضربة لتنافسية الشركات».
وعلى الجانب الأميركي، قال روبرت لايتهايزر الممثل الأميركي للتجارة، في بيان، إن «واشنطن قلقة جداً من الضرائب على عمالقة الإنترنت التي يتبناها مجلس الشيوخ الفرنسي وتستهدف المؤسسات الأميركية بشكل جائر». وأضاف: «طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن ندرس آثار هذا القانون ونقرر ما إذا كان تمييزياً أو غير منطقي، وإذا كان يشكل عبئاً أو قيوداً على التجارة الأميركية».
وأشادت رابطة صناعة الحاسوب والاتصالات (سي سي آي إيه)، وهو لوبي للشركات الرقمية، على الفور بهذه المبادرة. وأضافت في بيان: «سترغم الضريبة الفرنسية الأجهزة الأميركية المصدرة إلى فرنسا على دفع، بمفعول رجعي، نسبةً من إيراداتها للسلطات الفرنسية الضريبية منذ مطلع العام».
وتابعت الرابطة أن «الاقتراح الفرنسي مماثل لذلك الذي تخلت عنه مطلع هذا العام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعد أن أصبحت النزاعات حول القانون التجاري الدولي واضحة». وقالت إدارة ترمب إن «طريقة اقتراح الضريبة الجديدة، وتصريحات مسؤولين، تدفع إلى الاعتقاد بأن فرنسا تستهدف بعض المؤسسات التكنولوجية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها بصورة جائرة».
وذكر مكتب الممثل الأميركي للتجارة أن «الفرع 301» يمنح ممثل التجارة «صلاحية تامة للتحقيق في ممارسات تجارية غير مشروعة في بلد أجنبي، والرد عليها». وفي إطار هذا التحقيق ستُجري إدارة ترمب مشاورات تليها جلسات عامة. وأضاف المكتب أن «الولايات المتحدة تواصل جهودها مع دول أخرى في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية للتوصل إلى اتفاق متعدد الأطراف لرفع التحديات على النظام الضريبي الدولي المفروضة من اقتصاد عالمي يزداد رقمية».



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.