بارزاني في الإليزيه سعياً لدعم فرنسي لحلحلة القضايا الخلافية مع بغداد

ماكرون وعد بزيارة أربيل... ورئيس إقليم كردستان يشيد بالدور الفعال لباريس

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغادر مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني قصر الإليزيه عقب لقائهما في باريس أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغادر مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني قصر الإليزيه عقب لقائهما في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

بارزاني في الإليزيه سعياً لدعم فرنسي لحلحلة القضايا الخلافية مع بغداد

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغادر مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني قصر الإليزيه عقب لقائهما في باريس أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغادر مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني قصر الإليزيه عقب لقائهما في باريس أمس (أ.ف.ب)

بعد زيارتين مهمتين للرئيس العراقي برهم صالح - نهاية فبراير (شباط) الماضي، ثم لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي بداية مايو (أيار) إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي - جاء عصر أول من أمس (الأربعاء) دور رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني للمجيء إلى العاصمة الفرنسية ولقاء إيمانويل ماكرون. وسبق لبارزاني أن حل في باريس بداية شهر فبراير عام 2017 في عز الأزمة بين بغداد وأربيل عقب الاستفتاء الذي نظم في كردستان والذي نصحت باريس القيادة الكردية وقتها بعدم اللجوء إليه. وليس سراً أنها ساهمت في تخفيف آثاره ولعبت دور الوسيط بين العاصمة المركزية والعاصمة الإقليمية لتحسين العلاقات بينهما، لا، بل العمل على تطبيعها. من هنا، فإن أجواء اللقاء الذي حصل في قصر الإليزيه بين ماكرون وبارزاني كان مختلفاً تماماً عن اللقاء السابق. لكن ملف العلاقات بين بغداد وأربيل كان حاضراً بقوة في اللقاء، وهو ما أكده بارزاني عقب الاجتماع.
وفي بيان مختصر صادر عن الرئاسة الفرنسية، جددت باريس تأكيد تمسكها بوحدة العراق وسيادته، لكن في إطار «احترام مكوناته كافة» في إشارة إلى الأكراد. كذلك، ذكّر البيان بـ«العلاقات الخاصة» التي تربط فرنسا بالأكراد والتي تعود إلى أيام الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران وزوجته دانيال التي كان لها دور كبير في مساعدة أكراد العراق من خلال مؤسستها الإنسانية «فرنسا الحريات». وأشار البيان إلى «ارتياح» فرنسا للتقدم الحاصل في الحوار المفتوح بين بغداد وأربيل، وإلى تصميم فرنسا على الاستمرار في توفير الدعم للإقليم «كما لسائر العراق» في الحرب على الإرهاب وتوفير المساعدات الإنسانية والسير بالمشاريع التي تؤمّن الاستقرار.
في السياق ذاته، وعد ماكرون رئيس الإقليم بأن تعزيز العلاقات الفرنسية - العراقية والتعاون الثنائي بين البلدين الذي نصت عليه «خريطة الطريق الاستراتيجية» التي أبرمت بمناسبة زيارة عبد المهدي إلى باريس سيستفيد منها الإقليم في مجالات التربية والعلاقات الثقافية والتعاون الاقتصادي. ووعد ماكرون مجدداً بزيارة العراق «في الأشهر المقبلة»، من غير الإشارة إلى موعد محدد. لكنها ليست المرة الأولى التي يصدر فيها هذا الوعد، وكان مقرراً أن يذهب ماكرون إلى العراق ربيع العام الماضي، لكن تعقيدات المشهد العراقي الداخلي حفزته على تأجيل الزيارة. وبهذا الخصوص، قال بارزاني، في تصريحات صحافية في باريس، إنه وجّه الدعوة للرئيس ماكرون لزيارة كردستان، وأن الأخير وعد بالقيام بهذه الزيارة التي من المرجح أن تحصل خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى بغداد. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السابق فرنسوا هولاند زار كردستان، كذلك قام بهذه الزيارة وزير الخارجية جان إيف لودريان بمناسبة توجهه مؤخراً إلى العراق.
وليس سراً أن باريس تنظر بكثير من الأهمية إلى إقليم كردستان، وقد لعبت دوراً مهماً في إطار التحالف الدولي في توفير الدعم العسكري له «وللقوات العراقية» عن طريق التدريب والتسليح، كما أرسلت قوات كوماندوس إلى جانب البيشمركة، فضلاً عن مساهماتها في الضربات الجوية ضد مواقع «داعش» في العراق وسوريا.
من جانبه، أشاد بارزاني بـ«الدور الفعال» الذي لعبته باريس من أجل تحسين العلاقات مع بغداد، مضيفاً أنه «بعد أحداث إجراء الاستفتاء، كان لفرنسا دور كبير في انفتاح كردستان على العالم، ولا تزال تقدم أنواع الدعم كافة لنا حتى الآن». ونوّه بدور فرنسا التي «كانت داعمة للكرد خلال الحرب ضد تنظيم (داعش)، وبالدور الكبير للرئيس ماكرون في حماية كردستان، ونأمل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين الطرفين». ورغم التقدم الذي حصل بين بغداد وأربيل على طريق تطبيع علاقاتهما، فإن كماً كبيراً من المسائل العالقة ما زال ينتظر توافقات معقدة، ومنها ما يتعلق بالنفط وأخرى بمصير كركوك... ولا شك أن بارزاني جاء إلى باريس ساعياً وراء مزيد من الدعم الفرنسي بشأن هذه المسائل العالقة. من هنا، تأكيد بارزاني أن «العلاقات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية وسبل حل الخلافات بين الجانبين كانت من أهم المواضيع التي جرى بحثها مع الرئيس ماكرون». واستفاد ماكرون من المناسبة ليعبّر عن ارتياحه لتشكيل حكومة الإقليم، وهو ما جاء في بيان الإليزيه.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.