«روك القصبة» فيلم روائي يتناول المجتمع الشرقي انطلاقا من المغرب

المخرجة المغربية ليلى مراكشي: لم أتوقع موافقة عمر الشريف على المشاركة

ولبنى الزبال (تصوير حسان براهيتي)
ولبنى الزبال (تصوير حسان براهيتي)
TT

«روك القصبة» فيلم روائي يتناول المجتمع الشرقي انطلاقا من المغرب

ولبنى الزبال (تصوير حسان براهيتي)
ولبنى الزبال (تصوير حسان براهيتي)

«روك القصبة» فيلم روائي جديد للمغربية ليلى مراكشي من بطولة عمر الشريف ونادين لبكي وهيام عباس ولبنى الزبال ومرجانة علاوي بدأ عرضه في صالات السينما في بيروت.
حاولت مراكشي في عملها السينمائي هذا تسليط الضوء على النساء بصورة خاصة، وكيف ينتقلن من فتيات مراهقات إلى سن النضوج، ويبقين رغم ذلك كالأطفال، فلا يكتمل نموهن العاطفي كما يجب، بسبب ما يفرضه عليهن المجتمع من عادات وتقاليد تمنعهن من تحقيق ذاتهن.
تقول ليلى مراكشي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة الفيلم انتابتها إثر وفاة خالها، الذي كان بمثابة «شيخ» العائلة ويتمتع في المقابل بمزاج شاعري. وخلال أيام الحداد الـ3 الأولى عاشت قصة مؤثرة جدا مكتشفة نساء عائلتها الضعيفات اللاتي في الوقت نفسه لا يخجلن من كشف حقيقتهن هذه. وأضافت المخرجة التي سبق أن قدمت فيلم بعنوان «ماروك»: «فكرت حينها بفكرة الفيلم، فأنا إنسانة حرة بطبيعتي، ولكن الكبت الذي تعيشه تلك النسوة استفزني ودفعني إلى أن أقول الأشياء كما هي، ولكني خشيت أن يبدو الفيلم ثقيلا كونه يدور حول جنازة، إلا أنني استطعت المزج ما بين البكاء والكوميديا بشكل سلس، فولدت توازنا ملحوظا فيما بينهما دون أن يفقد العمل شيئا من أهمية رسالته».
ويحكي الفيلم عن وفاة رب العائلة «عمر الشريف»، واجتماع أفرادها المؤلفة من الوالدة (هيام عباس) وبناتها الـ3 (نادين لبكي ومرجانة علاوي ولبنى الزبال)، في المنزل الأسري لـ3 أيام متتالية، فيستعدن الذكريات ويتشاركن الحزن وفق ما تنص عليه التقاليد، أي بعيدا عن ارتداء الثياب العادية واستبدال الجلبابات بها، ولمّ شمل العائلة، وإضفاء مظاهر الحداد على المنزل.
يخيم التوتر على أجواء المنزل، لا سيما أن الأب المتوفى لم يخلف وراءه سوى النساء (الزوجة و3 بنات)، ومع وصول الابنة الصغرى صوفيا العائدة من نيويورك حيث تعمل ممثلة، تنقلب الأوضاع في المنزل رأسا على عقب. فتستغل عودتها لتضع النقاط على الحروف في كل ما شاب علاقاتها مع أفراد عائلتها، ولتزعزع النظام الذي أرسته السلطة الأبوية. حالة هستيرية جارفة تمتزج بالضحكات والدموع، ستقود كل واحدة من تلك النسوة للمصالحة مع الذات، لا سيما أن سرا دفينا يجري كشفه في القسم الأخير من الفيلم يرسو بتلك العلاقات على بر الأمان.
وعندما استوضحنا المخرجة عن مدى احترامها للتقاليد الشرقية وللرجل بنوع خاص، لا سيما أنها أظهرت ذلك بوضوح في الفيلم، أجابت: «نعم، إن تقاليدنا بمثابة جذورنا التي يجب أن نتشبث بها، اليوم هناك حملة في الغرب للعودة إلى لمّ شمل العائلة، فيما نحن في الشرق نعاني من تفككها، أما من ناحية احترامي للرجل فهو يأتي من ضمن عاداتنا هذه وعلى صورة الأب الموجود في كل عائلة، فهو يمثل المرجعية، ولهذا رغبت في أن أحافظ على ذلك الأمر من حيث المبدأ، كما أني في المقابل أظهرت قوة المرأة في غياب الرجل. عندها فقط تصبح الحاكمة الآمرة».
وعن العلاقة بين الحياة والموت التي تناولتها بشكل مباشر، من خلال مشاهد تظهر الأب (عمر الشريف) يواكب أيام الحداد الـ3 وكأنه حي يُرزق، قالت: «نعم، أنا على يقين بأن هناك علاقة وطيدة ما بين الحياة والموت، وأن لكل منا تجربته في هذا الموضوع، ورغبت في أن أقول من خلال تلك المشاهد إننا بعد الموت ننتقل إلى عالم آخر يشبه الحياة». وعما إذا تأثرت بفكرة أفلام أخرى تناولت هذه العلاقة كـ(Meet Joe black) مثلا؟ ابتسمت وقالت: «لا شك أنني تأثرت بأفكار مخرجين عظماء في هذا الموضوع، كـالمخرج الإيطالي فيلليني، كما أنني معجبة أيضا بفرانسيس كوبولا، لا سيما بفيلمه (تيترو)، وحاولت أن أنقل صورة عن الأموات (الأشباح) الذين نبحث عن رؤيتهم بشكل آخر يحمل الإيجابية، كالأخت المنتحرة والوالد الذي يرد له اعتباره في نهاية الفيلم، والذي يمثل الأمل بالمستقبل مهما بلغت شكوكنا به».
ووصفت المخرجة ليلى مراكشي شخصية الابنة الصغرى (صوفيا) بأنها الأقرب إليها في الحقيقة؛ فهي ثائرة وصريحة مع نفسها وتتمتع بحرية في التفكير، لا سيما أنها منفتحة على الغرب كونها تعيش خارج بلدها. وتعلق عن هذا الموضوع بالقول: «نعم، هي الأقرب إلى شخصيتي وتشبهني في كثير من الأحيان، إذ إنها لم تتوانَ عن مكاشفة الجميع بما يدور في خلدها، وهذا ما قمت به شخصيا في مجريات الفيلم».
وعن انتقاد البعض لمدة الفيلم الذي يستغرق نحو الساعتين من الوقت، أجابت: «كنت أريد أن أنقل صورة عن حياتنا كما هي وعلى طبيعتها دون أن أفقدها أهميتها، فأخذت وقتي في نقل الوقائع دون اتباع أسلوب الوعظ، فكان إيقاعه كالموسيقى، فإذا ما حذفت نوتة موسيقية منها شابها النشاز».
وعن سبب اختيارها عمر الشريف بطلا لقصتها قالت: «في الحقيقة وجدته مناسبا جدا لهذا الدور، وعندما وافق على تمثيله تفاجأت، فلم أكن أتوقع منه ذلك». وأضافت: «لقد كان لي الحظ بأن أتعاون معه، خصوصا أنه محبوب جدا من قبل النساء».
أما بالنسبة لتعاونها مع نادين لبكي قالت: «أنا متابعة جيدة لأفلام نادين السينمائية، فالممثلون معها يتصرفون بطبيعية مطلقة تلفتني، كما أنني معجبة بأدائها التمثيلي، فهي تمثل وكأنها لا تمثل، وتعاوني معها أثمر نتيجة جيدة في الفيلم لا بد أن تلاحظوها».
وعن المصاعب التي واجهتها أثناء إدارتها الفيلم قالت: «الأصعب كان كيفية إدارتي للممثلين جمعا، خصوصا أن بينهم مخرجين سينمائيين، وأيضا كيفية إيجاد التوازن ما بين الخطين الكوميدي والدرامي الموجودين في الفيلم».
وعما إذا كانت تتابع الأفلام السينمائية العربية قالت: «طبعا، فأنا أحببت بعضها مثل فيلم (هم الكلاب) لابن بلدي هشام لأسري، وكذلك فيلم (عمر) للفلسطيني هاني أبو أسعد، ففيهما رسائل سياسية واجتماعية مباشرة».
وعن مشاريعها الجديدة قالت: «أنوي تصوير فيلم سينمائي يتحدث عن قصة تخبر المشاهد بأشياء جديدة، وليس من الضروري أن تتحدث عن مجتمعنا الشرقي، بل على العكس تماما أريد أن أبحر في المجتمع الغربي وبحرية، بحيث سأشدد أكثر على ناسه ومشكلاته دون التقيد بإطار معين».
يمكن القول إن فيلم «روك القصبة» يجذب المشاهد بطريقة تصويره، فقد اختارت مخرجته مدينة «طنجة» المغربية موقعا له، وجاءت غالبية لقطاته ومشاهده مأخوذة عن قرب، وولدت علاقة وطيدة فيما بين الممثلين والمشاهد. كما أن إيقاع الفيلم الهادئ في معظمه ينقلك إلى عالم واقعي يرسم البسمة على ثغرك من ناحية، ويلمسك في العمق من خلال مواقف اجتماعية حقيقية ترافقك حتى بعد انتهاء الفيلم وخروجك منه.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)