موسكو تستعد لإعلان تشكيل «الدستورية السورية»

TT

موسكو تستعد لإعلان تشكيل «الدستورية السورية»

تزامن الإعلان عن نتائج زيارة المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، دمشق وتأكيد «الأجواء الإيجابية» التي رافقت المحادثات حول تشكيل اللجنة الدستورية، مع تسريب معطيات في موسكو حول تحديد موعد الجولة الجديدة من مفاوضات آستانة في اليومين الأول والثاني من الشهر المقبل في عاصمة كازاخستان، نور سلطان.
ويُنتظر أن يوجه الجانب الكازاخي الدعوات، كما جرت العادة وفقاً لاتفاقات ضامني «مسار آستانة» روسيا وتركيا وإيران. وبالإضافة إلى الأطراف الثلاثة وطرفي النظام وبعض الفصائل المعارضة في سوريا يُنتظر أن يشارك الأردن، والأمم المتحدة ممثَّلةً في بيدرسن، ومفوضية شؤون اللاجئين، فضلاً عن توجيه الدعوة للمرة الأولى إلى لبنان والعراق، وهما يحضران بصفة مراقب. وكانت موسكو وطهران وأنقرة قد اتفقت في الجولة الماضية على ضم البلدين إلى «مسار آستانة»، وأجرى المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، محادثات في بيروت وبغداد قبل أسبوعين حول هذا الموضوع، ونقل بشكل رسمي الدعوة للبلدين للانضمام إلى المسار.
ووفقاً لمعطيات دبلوماسيين روس، فإن الجولة المقبلة من المباحثات ستركز على ملف تشكيل اللجنة الدستورية بعدما حققت الأطراف تقدماً مهماً على طريق تذليل الخلافات السابقة لإعلان تشكيلتها النهائية، كما يُنتظر أن يكون الوضع في إدلب والتحركات الأميركية في شرق سوريا وجنوبها بين أبرز محاور النقاشات، فضلاً عن مسألة المعتقلين لدى النظام، وهو ملف طال النقاش بشأنه خلال الجولات الماضية، ويصر المبعوث الدولي على إعطائه أولوية حالياً في إطار إجراءات تحسين الثقة لإنجاح عملية إطلاق اللجنة الدستورية. وأشارت مصادر إلى أن موسكو تتوقع الإعلان بشكل رسمي عن تشكيل اللجنة الدستورية قبل حلول نهاية الشهر، كون النقاشات حول آليات عملها ستكون ضمن محاور البحث في جولة آستانة. كما لفتت إلى أن الاجتماع الأول للجنة قد يُعقد في سبتمبر (أيلول) المقبل، من دون إشارات إلى مكان انعقاده، علماً بأن الأمم المتحدة تؤكد ضرورة أن ينعقد في جنيف برعاية أممية، فيما يصر النظام على عقد الاجتماع في دمشق، ويتحفظ على الرعاية الدولية الكاملة.
ووفقاً لتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، لصحافيين أول من أمس، فإن الأطراف الضامنة وقف النار في سوريا تعمل على إنجاز ترتيبات لعقد قمة ثلاثية تم التفاهم على أن تلتئم في إسطنبول مباشرةً بعد جولة مفاوضات آستانة. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قد دعا خلال أعمال قمة «العشرين» إلى عقد قمة «روسية - تركية – إيرانية» لدفع التفاهمات حول التسوية في سوريا، وأعلن الكرملين في وقت لاحق ترحيبه بالدعوة، على أن يتم إعلان موعدها ومكانها لاحقاً.
إلى ذلك، أعلنت موسكو، أمس، أن روسيا وإيران اتفقتا على مواصلة الاتصالات المنتظمة المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية بما في ذلك التسوية السورية، وفقاً لبيان صدر عن الخارجية الروسية. وأفاد بأن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، وسيرغي فرشينين نائب وزير الخارجية الروسي، التقيا في إطار زيارة وفد مشترك بين الوزارات وممثلي وزارة الدفاع الروسية إلى طهران، مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ومع المساعد الأول لوزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي.
وتم خلال الاجتماعات «تبادل مفصل لوجهات النظر حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط مع التركيز على الوضع في سوريا».
ولفت البيان إلى أن الطرفين «ناقشا بالتفصيل قضايا تحقيق الاستقرار في الوضع (على الأرض) مع الاستمرار في مكافحة الإرهابيين، وكذلك مهام إعادة الإعمار، والبحث عن المفقودين، وتيسير عودة اللاجئين السوريين والمشردين بشكل مؤقت».
وأوضحت الوزارة أن الطرفين ناقشا آفاق إنهاء تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا، و«جرى الاتفاق على مواصلة الاتصالات المنتظمة حول كل المشكلات الإقليمية والدولية المعقدة، وتنسيق المزيد من الخطوات في إطار مسار آستانة، بما في ذلك الإعداد لعقد الاجتماع الدولي المقبل حول سوريا في العاصمة الكازاخية نور سلطان».
على صعيد آخر، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن موسكو ستقدم معطيات إضافية، اليوم (الجمعة)، بخصوص «الهجوم الكيماوي المزعوم في دوما السورية». وقال ريابكوف للصحافيين: «سنقدم معطيات إضافية قريباً، جمعها خبراؤنا وممثلون عن المجتمع المدني، تخص حادث دوما»، وأضاف: «أعرف أن غداً (اليوم) سيُجرى في لاهاي عرض مخصص لهذا الغرض، وسيكون مفتوحاً».
كانت موسكو قد رفضت النتائج التي خلص إليها تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في مارس (آذار) الماضي، أشارت فيه إلى إثباتات حول استخدام مادة الكلور في هجوم على مدينة دوما السورية في أبريل (نيسان) عام 2018.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.