المجلس الأعلى للقضاء الليبي ينجو من الانقسامات بعد انتخاب أعضائه

TT

المجلس الأعلى للقضاء الليبي ينجو من الانقسامات بعد انتخاب أعضائه

التأم، أمس، المجلس الأعلى للقضاء، في العاصمة الليبية، بعد انتخاب أعضائه، في عملية وُصِفت بـ«الناجحة»، وأشاد بها المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، والبعثة الأممية للدعم في البلاد، وسياسيون ليبيون، وقالوا إنها جرت في أجواء «اتسمت بالشفافية»، وأعطت «مثالاً للديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة، وتعكس استقلالية ومهنية مؤسسة القضاء». ويُعدّ المجلس الأعلى للقضاء المؤسسة الوحيدة التي نجت من الانقسام السياسي في ليبيا، وظلت متماسكة دون أن يكون لها جسم موازٍ على غرار «المصرف المركزي»، أو حكومتي شرق وغرب البلاد.
وهنّأ المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» المجلس الأعلى للقضاء على اكتمال تشكيله عبر انتخابات قال إنها «نزيهة وشفافة تستكمل طريق الاستحقاقات الدستورية، وصولاً إلى دولة مدنية تكرّس استقلال السلطة القضائية». وأضاف المجلس الرئاسي في بيان نشره مكتبه الإعلامي، أمس، أنه «يؤكد على ثقته في قدرة (الأعلى للقضاء) على القيام بمهامه ومسؤولياته»، مثمناً دور المجلس السابق المنتهية ولايته في خدمته للوطن، ومؤكداً أنه «سيدعم المجلس الجديد ليؤدي رسالته في تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان».
وانتخب المجلس الأعلى للقضاء 12 عضواً لولاية جديدة مدتها ثلاثة أعوام، إضافة إلى ثلاثة معينين من قِبَل البرلمان، وهم رئيس المجلس، والنائب العام، ورئيس التفتيش القضائي.
وعلّق كثير من الساسة الليبيين في الفضائيات وعبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي على انتخاب المجلس الأعلى للقضاء، حيث رأوا أنه «قدم المثل على وحدة المؤسسات التي نأت بنفسها عن الانقسامات السياسية والجهوية التي تسود البلاد منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011».
بدورها، هنأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المجلس الأعلى للقضاء على انتخاب أعضائه «بنجاح، كمؤسسة رئيسية تعزز سيادة القانون وحقوق الإنسان»، مشيرة إلى أن هذه الخطوة «تمثل بارقة أمل للشعب الليبي في فترة الصراع الجاري حالياً»، وانتهت إلى أنها «تقدر الشراكة القائمة مع السلطة القضائية، وتتطلع إلى مزيد من التعاون مع المجلس الجديد، من أجل دعم مبادئ حقوق الإنسان، وسيادة القانون في ربوع ليبيا».
وهنَّأ وزير العدل محمد لملوم الرئيس والأعضاء الجدد والقدامى، وأثنى في بيان لوزارته على إصرار المجلس المنتهية ولايته على «تحقيق الاستحقاقات الدستورية، والتداول السلمي على السلطة، والحفاظ على وحدة السلطة القضائية واستقلالها وحياديتها». كما أبدى وزير العدل «ثقته في قدرة المجلس الأعلى للقضاء على السعي باستمرار إلى الانخراط في التوجهات الحديثة للعدالة، والعمل الدؤوب على تطوير المنظومة القضائية لخدمة المواطنين، وتطلعات المجتمع، في ضوء الحقوق والحريات».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم