الجيش الليبي يقصف معهداً للشرطة في غريان... ويعلن صدّ هجوم لعصابات تشادية

بعثة الأمم المتحدة تدعو إلى وقف فوري للقتال في مرزق

TT

الجيش الليبي يقصف معهداً للشرطة في غريان... ويعلن صدّ هجوم لعصابات تشادية

فيما قصف الجيش الوطني الليبي معهدا للشرطة في مدينة غريان، اتهم فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق» الليبية، القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر بمحاولة عسكرة الدولة، وإرجاع الحكم الشمولي إلى ليبيا.
وشن سلاح الجو، التابع للجيش الوطني، مساء أول من أمس، غارة على معهد تدريب للشرطة في مدينة غريان، جنوب العاصمة طرابلس، ما أسفر عن عدد من الإصابات. وقالت عملية «بركان الغضب»، التي تشنها قوات السراج، إن الغارة التي استهدفت المعهد أدت إلى وقوع «عدد من الإصابات وتدمير سيارات شرطة وأضرار بالمباني». لكنها لم تحدد عدد الجرحى. مشيرة إلى أن هذا القصف يأتي بعد أسبوعين من تحرير المدينة، وهروب قوات الجيش الوطني منها.
وكانت قوات السراج قد أحكمت سيطرتها على مدينة غريان جنوب العاصمة طرابلس، وكانت تعد بمثابة مركز القيادة والتحكم للعمليات القتالية للجيش في طرابلس.
في سياق ذلك، دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى وقف فوري للاقتتال في مدينة مرزق (جنوب)، وأوضحت في بيان نشرته مساء أول من أمس أنها «تتابع بقلق كبير استمرار الأعمال العدائية في مدينة مرزق، وتأسف لوقوع ضحايا».
داعية كل الأطراف إلى «ضبط النفس ووقف فوري للاقتتال»، عارضة مساعيها من أجل تسوية أي خلافات عبر الحوار.
وجاء البيان عقب إعلان «الجيش الوطني» في بيان عن تصديه بالتعاون مع أهالي مرزق والقوى الأمنية لهجوم ما وصفه بالعصابات التشادية، مشيرا إلى أنه تم غنم عدد من السيارات المسلحة، بعد أن قام سلاح الجو بضرب رتل هذه العصابات المجندة من قبل «تنظيم الإخوان»، وتنسيق الميليشياوي أسامة الجويلي، وذلك لمحاولة زعزعة الأمن في الجنوب، على حد تعبيره.
وتشهد مدينة مرزق توترات قبلية منذ يوم أمس، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، علما بأن قوات الجيش تسيطر منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي على المدينة، التي يقطنها غالبية من قبائل التبو غير العربية. وجاء التحرك صوب مرزق من قبل الجيش على خليفة اتهام المعارضة التشادية بمحاولة توسيع نفوذها في مدن الجنوب، والمشاركة في عمليات نقل الأسلحة والاتجار بالبشر لتمويل عملياتها.
في المقابل، شدد السراج خلال اجتماع عقده مساء أول من أمس بطرابلس مع عدد من عمداء بلديات المنطقة الغربية، على أهمية دور العمداء في نقل حقيقة ما يرتكب من اعتداءات وانتهاكات للمجتمع الدولي «التي يقوم بها حفتر»، الذي وصفه بـ«المعتدي».
وطبقا للمكتب الإعلامي للسراج، فقد أكد العمداء على دعمهم الكامل لما اتخذه السراج من قرارات وإجراءات لدعم القوات العسكرية والأمنية على جبهات ومحاور القتال، مشيرا إلى أنه تم التأكيد على توفير كافة الإمكانيات والمتطلبات الخاصة بمراحل القتال المختلفة.
من جهة ثانية، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن مركز المهاجرين غير الشرعيين بمنطقة تاجوراء (شرق طرابلس)، الذي تعرض لضربة جوية مميتة الأسبوع الماضي، يجري إخلاؤه تدريجيا بعد قرار السلطات الليبية إطلاق سراح نزلائه، بينما سمح مسؤولون ليبيون لما لا يقل عن مائة مهاجر بالخروج.
وقال مسؤولون في المركز، الذي تديره حكومة السراج، إنهم اتخذوا القرار بعد احتجاج المهاجرين على عدم إدراجهم في قائمة إجلاء وضعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في المركز أن القائمة شملت 55 مهاجرا فقط، مشيرا إلى أنه بعد مغادرتهم بقي نحو 110 مهاجرين آخرين داخل المركز يرقدون في العراء ويحتمون بالحشايا من قيظ الشمس... وهم لا يريدون العودة إلى المركز خوفا من استهدافه بضربات جوية أخرى.
وفي الإجمال غادر نحو 260 مهاجرا على الفور، وتوجهوا إلى منشأة تابعة للمفوضية، حيث سمح لهم بقضاء الليل، وقدمت لهم مساعدات طارئة. وقد كتبت المفوضية في بيان نشرته على «تويتر» أن بعض المهاجرين طلبوا إجلاء جميع نزلاء المركز إلى بلد ثالث آمن، مما يعطل العمليات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.