واشنطن: تآكل دور طهران شرطٌ لبدء التسوية

TT

واشنطن: تآكل دور طهران شرطٌ لبدء التسوية

لم تعلّق الخارجية الأميركية بعد على رفض ألمانيا «الأوّلي» طلب نشر قوات برية في سوريا. لكن أوساط واشنطن تشير إلى أن الاتصالات التي يتولاها المبعوث الأميركي جيمس جيفري، للتوصل إلى تفاهمات إقليمية ودولية حول مستقبل الوضع في سوريا، قطعت أشواطاً مهمة على الرغم من الرد الألماني.
ورغم أن عدداً قليلاً من الدول الأوروبية ترغب في إرسال قوات برية إلى سوريا، فإن الأمر ليس بهذا التعقيد ولن يؤثر على خطط الإدارة الأميركية، لأن العدد المطلوب لا يتجاوز 2000 جندي.
وتضيف الأوساط أن جيفري يعلم جيداً أن الولايات المتحدة هي الوحيدة تقريباً، القادرة على التحدث عن ضمانات وعن استقرار في المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي ضد «داعش»، بينما الأطراف الأخرى عاجزة عن تأمين هذا الاستقرار. وهو ما يشكّل دافعاً فعلياً للحديث عن تفعيل ما يطلق عليه البعض «مناطق النفوذ» في سوريا تمهيداً لفرض مسار سياسي للأزمة السورية.
فقد تمكنت الولايات المتحدة من بناء جيش يقدّر بنحو 70 ألف مقاتل عماده الرئيسي القوات الكردية. ونجحت في فرض استقرار معقول سياسياً وأمنياً واجتماعياً في مناطق شمال شرقي سوريا، وفي مثلث الحدود السوري - العراقي - الأردني عند قاعدة التنف. وفي الأسبوع الماضي فتحت قوات التحالف باب الانتساب لتشكيل قوات محلية، باشرت تدريباتها في تلك القاعدة أيضاً.
كما بوشرت ورشات عمل تنموية بمشاركة أطراف عربية ودولية لبحث خطط تنموية للمنطقة، ما سمح لجيفري بالإعلان أخيراً خلال مشاركته في مؤتمر أمني في إسرائيل، أن الرئيس السوري يخطئ إذا كان يعتقد أنه استعاد السيطرة على ميزان القوى، بينما نحو 40% من مساحة البلاد خارج سيطرته، وكذلك موارد الطاقة والإنتاج الزراعي. مقابل منطقة النفوذ الأميركية هناك منطقة نفوذ أخرى تشهد استقراراً أمنياً وسياسياً في جنوب سوريا تشمل محافظة درعا نظراً إلى قوة التفاهمات الأميركية - الروسية - الإسرائيلية.
وترى أيضاً أن المراوحة التي تشهدها معركة حسم مصير محافظة إدلب، تعود لأسباب عدة، ليس أقلها عدم قدرة النظام وروسيا على حسم المعركة فيها، في ظل افتقارهما للقوات الميدانية القادرة على تحمل الكلفة العالية لحسمها.
وتضيف تلك الأوساط: «المشكلة أن تركيا تجد نفسها في مأزق حقيقي لا تستطيع معه تحديد خياراتها ومخارجها بشكل دقيق في سوريا»، وإضافة إلى مشكلة إدلب هناك مستقبل المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي تسعى أنقرة للهيمنة عليها عبر محاولتها ابتزاز واشنطن والضغط عليها للحصول على موافقتها لإقامة (منطقتها العازلة)».
وتتعرض قدرة إيران وحركتها للتآكل في ظل الضربات الإسرائيلية المتتالية على مواقعها في سوريا، وعدم قدرتها على الزج بمجموعاتها المقاتلة، خوفاً من كشفها وتعرضها للضرب.
وتعتقد تلك الأوساط أن الدور الإيراني يتراجع بشكل كبير ما يهدد بخسارة طهران ما بذلته من استثمارات في سوريا، مقابل تصاعد الدور الروسي الذي لا تعارضه واشنطن، بل تشجعه. وقد يكون اجتماع مسؤولي الأمن القومي للدول الثلاث: روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة، الذي عُقد الأسبوع الماضي في إسرائيل، قد ناقشه.
يقول باراك بارفي، من معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إن هناك فرصة لتفاهم روسي - إسرائيلي أفضل من تفاهم أميركي - روسي، لأن موسكو تعلم أن في استطاعتها الضغط على النظام مقابل وقف الضربات الإسرائيلية. وقد أثبت الإسرائيليون أنهم أكثر استعداداً لحماية مصالحهم من الأميركيين، ولهذا السبب يعرف السوريون أنه قد يكون من الضروري اتخاذ بعض الخطوات لاسترضائهم.



الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)

بعد نحو 10 أيام من الهدوء وتراجع الهجمات الحوثية ضد السفن، تبنّت الجماعة المدعومة من إيران قصف قاعدة إسرائيلية في منطقة النقب، الجمعة، وزعمت إسقاط مسيرة أميركية من طراز «إم كيو 9»، بالتزامن مع إقرارها تلقي غارتين غربيتين استهدفتا موقعاً في جنوب محافظة الحديدة الساحلية.

وجاءت هذه التطورات بعد يومين فقط من فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية؛ حيث تتصاعد مخاوف الجماعة الحوثية من أن تكون إدارته أكثر صرامة فيما يتعلّق بالتصدي لتهديداتها للملاحة الدولية وتصعيدها الإقليمي.

صاروخ زعمت الجماعة الحوثية أنه «فرط صوتي» أطلقته باتجاه إسرائيل (إعلام حوثي)

وتهاجم الجماعة منذ أكثر من عام السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحرين الأحمر والعربي، كما تطلق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، وأخيراً مساندة «حزب الله» اللبناني.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان، إن قوات جماعته نفّذت عملية عسكرية استهدفت قاعدة «نيفاتيم» الجوية الإسرائيلية في منطقة النقب بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع «فلسطين 2»، وإذ ادّعى المتحدث الحوثي أن الصاروخ أصاب هدفه، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضه دون الحديث عن أي أضرار.

وتوعّد المتحدث العسكري الحوثي بأن جماعته ستواصل ما تسميه «إسناد فلسطين ولبنان»، من خلال مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، زاعماً أن هذه العمليات لن تتوقف إلا بتوقف الحرب على قطاع غزة ولبنان.

حريق ضخم في ميناء الحديدة اليمني إثر ضربات إسرائيلية استهدفت خزانات الوقود (أرشيفية - أ.ف.ب)

وكان آخر هجوم تبنّته الجماعة الحوثية ضد إسرائيل في 28 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، حينها، أن طائرة مسيّرة أُطلقت من اليمن عبرت أجواء مدينة عسقلان قبل أن تسقط في منطقة مفتوحة.

وخلال الأشهر الماضية تبنّت الجماعة إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو (تموز) الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة؛ وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

12 مسيّرة تجسسية

زعم المتحدث العسكري الحوثي، في البيان الذي ألقاه خلال حشد في صنعاء، أن الدفاعات الجوية التابعة للجماعة أسقطت، فجر الجمعة، «طائرة أميركية من نوع (إم كيو 9) في أثناء تنفيذها مهام عدائية في أجواء محافظة الجوف».

وحسب مزاعم الجماعة، تُعدّ هذه الطائرة المسيرة الـ12 التي تمكّنت من إسقاطها منذ بدأت تصعيدها البحري ضد السفن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

المتحدث العسكري باسم الحوثيين يردّد «الصرخة الخمينية» خلال حشد في صنعاء (أ.ف.ب)

وتحدّثت وكالة «أسوشييتد برس» عما وصفه شهود، الجمعة، بأنه سقوط مسيّرة في أحدث إسقاط محتمل لمسيرّة تجسس أميركية. وأوردت أن الجيش الأميركي على علم بشأن مقاطع الفيديو المتداولة عبر الإنترنت التي تُظهر ما بدا أنها طائرة مشتعلة تسقط من السماء والحطام المحترق في منطقة، وصفها من هم وراء الكاميرا بأنها منطقة في محافظة الجوف اليمنية.

وحسب الوكالة، قال الجيش الأميركي إنه يحقّق في الحادث، رافضاً الإدلاء بمزيد من التفاصيل، وذكرت أنه «لم يتضح على الفور طراز الطائرة التي أُسقطت في الفيديو الليلي منخفض الجودة».

غارتان في الحديدة

في سياق الضربات الغربية التي تقودها واشنطن لإضعاف قدرة الجماعة الحوثية على مهاجمة السفن، اعترفت وسائل الجماعة بتلقي غارتين، الجمعة، على موقع في جنوب محافظة الحديدة.

وحسب ما أوردته قناة «المسيرة» الذراع الإعلامية للجماعة، استهدفت الغارتان اللتان وصفتهما بـ«الأميركية - البريطانية» مديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً رئيسياً لشن الهجمات البحرية ضد السفن.

قاذفة شبحية أميركية من طراز «بي 2» مضادة للتحصينات (أ.ب)

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم رابع ضد سفينة ليبيرية.

يُشار إلى أن الجماعة أقرت بتلقي أكثر من 770 غارة غربية، بدءاً من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي؛ سعياً من واشنطن التي تقود تحالف «حارس الازدهار»، إلى تحجيم قدرات الجماعة الهجومية.

وكانت واشنطن لجأت إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في استهداف المواقع المحصنة للجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة، في رسالة استعراضية فُهمت على أنها موجهة إلى إيران بالدرجة الأولى.

وتقول الحكومة اليمنية، إن الضربات الغربية ضد الجماعة الحوثية غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانيها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

صورة طوربيد بحري وزّعها الحوثيون زاعمين أنه بات ضمن أسلحتهم الجديدة (إكس)

ويتهم مراقبون يمنيون الجماعة الحوثية بأنها وجدت في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية؛ إذ كان الطرفان وافقا أواخر العام الماضي على خريطة سلام توسطت فيها السعودية وعمان، قبل أن تنخرط الجماعة في هجماتها ضد السفن وتعلن انحيازها إلى المحور الإيراني.

وتترقّب الجماعة، ومعها حلفاء المحور الإيراني، بحذر شديد ما ستؤول إليه الأمور مع عودة ترمب إلى سدة الرئاسة الأميركية؛ إذ يتوقع المراقبون اليمنيون أن تكون إدارته أكثر صرامة في التعامل مع ملف إيران والجماعات الموالية لها، وفي مقدمتها الجماعة الحوثية.

وحاول زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في خطبته الأسبوعية، الخميس، التهوين من أهمية فوز ترمب بالرئاسة الأميركية، كما حاول أن يطمئن أتباعه بأن الجماعة قادرة على المواجهة، وأنها لن تتراجع عن هجماتها مهما كان حجم المخاطر المرتقبة في عهد ترمب.