واصلت الحكومة التركية عقد مزادات الاقتراض من الأسواق المحلية لمواجهة الأزمة الحادة الناجمة عن انهيار الليرة. وأعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية، في بيان أمس، أنها اقترضت مبلغ 12.31 مليار ليرة تركية (2.15 مليار دولار) من الأسواق المحلية، مشيرة إلى أن المزاد الأول تم إجراؤه على سندات كوبون صفرية لمدة 14 شهراً (الإصدار الأول) بلغ مجموعها 9.73 مليار ليرة تركية (1.7 مليار دولار).
وبلغ إجمالي العطاء على السندات 12.7 مليار ليرة تركية (2.2 مليار دولار) بمعدل قبول 76.4 في المائة. وستتم تسوية السندات اليوم الأربعاء وتستحق في 16 سبتمبر (أيلول) 2020، في حين تم قبول سعر الفائدة على السندات لمدة 434 يوماً بمعدل 25.02 في المائة.
وفي المزاد الثاني، اقترضت وزارة الخزانة والمالية التركية نحو 2.59 مليار ليرة تركية (452.3 مليون دولار) عن طريق إصدار سندات حكومية مدتها 5 سنوات (إصدار جديد نصف سنوي) تتم تسويتها اليوم أيضاً وتستحق في 5 يونيو (حزيران) 2024.
وبلغ إجمالي العطاء على السندات 3.34 مليار ليرة تركية (582.9 مليون دولار)، بنسبة قبول 77.6 في المائة.
وقالت وزارة الخزانة إن سعر الفائدة للسندات ذات أجل 1792 يوماً قد تم قبوله عند 2.07 في المائة، بينما كانت أسعار الفائدة البسيطة والمركبة السنوية 4.13 في المائة و4.17 في المائة على التوالي.
ووفقاً لاستراتيجية الوزارة للاقتراض، من المتوقع أن تعقد وزارة الخزانة 14 مزاد سندات وبيع مباشر حتى سبتمبر المقبل، لاقتراض نحو 36.5 مليار ليرة تركية (6.3 مليار دولار) من الأسواق المحلية.
توقعات بتحقيق 4.3 % نمواً اقتصادياً
على صعيد آخر، قالت الوزارة إنها تتوقع تحقيق نمو اقتصادي حقيقي سنوي نسبته 4.3 في المائة في المتوسط، في الفترة ما بين 2019 و2023، وذلك في إطار خطة تنمية مدتها 5 سنوات تهدف إلى تعزيز الكفاءة والتنافسية.
وتراجع نمو الاقتصاد التركي بشدة العام الماضي ليصل إلى 2.6 في المائة بدلا من 7.4 في المائة خلال العام السابق عليه. وانكمش اقتصاد تركيا 2.6 في المائة في الربع الأول من العام الحالي بعدما سجل انكماشا بلغ 3 في المائة في الربع الأخير من 2018، في أعقاب أزمة الليرة العام الماضي التي فقدت فيها 30 في المائة من قيمتها مقابل الدولار، وقفز التضخم إلى مستويات قياسية تجاوزت نسبة 25 في المائة.
وبحسب خطة التنمية، سيشهد العام الأول «إعادة توازن»، ثم تعقبه معدلات نمو صعودية. ومن المستهدف أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.08 تريليون دولار بحلول 2023، بحسب الخطة، مقارنة مع 784.09 مليار دولار في 2018.
وتتوقع الخطة أن تصل الصادرات السنوية إلى 226.6 مليار دولار في 2023، مقابل صادرات بلغت 168 مليار دولار في 2018. كما تتوقع أن يصل معدل البطالة إلى 9.9 في المائة في نهاية 2023، وأن تتمكن تركيا من توفير 4.3 مليون وظيفة إضافية خلال تلك الفترة.
ومن المتوقع أن يبلغ عجز ميزان المعاملات الجارية، الذي يشكل مبعث قلق لكثير من خبراء الاقتصاد ويدفع تركيا للاعتماد على تدفقات النقد الأجنبي، 9.9 مليار دولار بحلول 2023.
وسجل ميزان المعاملات الجارية عجزاً قدره 27.63 مليار دولار في نهاية 2018، في حين يبلغ معدل البطالة حالياً أكثر من 14 في المائة، وتستهدف الخطة أيضاً وصول التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 5 في المائة بحلول 2023. وكان التضخم بلغ 15.72 في المائة خلال يونيو (حزيران) الماضي. وتصدر تركيا خططاً خمسية للتنمية منذ الستينات من القرن الماضي.
وكانت وكالة «موديز» الدولية للتصنيف الائتماني خفضت الأسبوع قبل الماضي، التصنيف السيادي لتركيا إلى درجة «عالية المخاطر»، وقررت تخفيضه من درجة «بي إيه 3» إلى «بي1»، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية «سلبية».
وأرجعت «موديز» قرارها إلى ارتفاع مخاطر استمرار أزمة ميزان المدفوعات، وارتفاع مخاطر عجز الحكومة عن السداد. وقالت إن تركيا لم تعانِ خلال الفترة الماضية من أزمة انخفاض الليرة فحسب، «لكن مصيراً مؤلماً ينتظر اقتصادها في الفصول المقبلة».
وعلى صعيد المقارنة الفصلية، استطاع الاقتصاد التركي أن ينمو في الربع الأول بـ1.3 في المائة مقارنة مع الربع الأخير من العام الماضي. وقال خبراء إن النمو جاء مدفوعاً بالإجراءات التحفيزية التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبيل الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، متوقعين أن تأثيرها سيكون مؤقتاً.
استمرار تداعيات إقالة محافظ البنك المركزي
إلى ذلك؛ استمرت تداعيات قرار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإقالة محافظ البنك المركزي التركي مراد شتينكايا يوم السبت الماضي، بسبب ما قال إنه «عدم انصياع شتينكايا المتكرر لمطالبه بخفض سعر الفائدة البالغ 24 في المائة»، والذي كان البنك رفعه إلى هذا المستوي في سبتمبر (أيلول) 2018 بسبب تدهور الليرة وارتفاع التضخم بصورة قياسية غير مسبوقة.
وهاجم سزائي تمللي، الرئيس المشارك لـ«حزب الشعوب الديمقراطي» التركي المعارض، إردوغان لعزله محافظ البنك المركزي، وقال: «إذا كان إردوغان يرغب في خفض معدلات الفائدة، فعليه أن يرحل عن الحكم وستنخفض الفائدة من تلقاء نفسها».
وأضاف المعارض التركي، في تجمع لأنصار حزبه، أن «انهيار تركيا هو النتيجة الحتمية للسياسات التي يتبعها النظام الحاكم»، لافتاً إلى أن رفض محافظ البنك المركزي تعليمات إردوغان، وامتناعه عن خفض معدلات الفائدة، «أصابه (إردوغان) بالجنون، لأن في خفض الفائدة نجاة له وللمحيطين به حتى ولو كان ذلك على حساب الاقتصاد».
شبهات فساد مالي
في سياق مواز، كشف التقرير السنوي لرئاسة الشؤون الاستراتيجية والميزانية برئاسة الجمهورية التركية لعام 2018 تحويل 818 مليون ليرة (نحو 142 مليون دولار) من خزانة الحكومة إلى أوقاف وجمعيات أهلية يسيطر عليها مقربون من الرئيس رجب طيب إردوغان.
وأشار التقرير، الذي نقلته بعض وسائل الإعلام، إلى تحويل هذه المبالغ الهائلة إلى الجمعيات، على مدى عام عقب تطبيق النظام الرئاسي في تركيا في يونيو (حزيران) 2014 بهدف مساعدتها، دون أن يذكر أي تفاصيل حول أسماء الأوقاف والجمعيات التي حصلت على مساعدات مادية، من خزانة الدولة أو المجالات التي تعمل بها.
وأوضح أن حصة التحويلات الجارية في الميزانية ارتفعت من 21.2 في المائة عام 2002 عندما وصل حزب العدالة والتنمية للسلطة، إلى 38.9 في المائة عام 2018، فيما زادت نفقات مؤسسة التضامن الاجتماعي بنسبة 13 في المائة من 346.2 مليار ليرة إلى 391.3 مليار ليرة تركية.
وأظهر التقرير أن الوزارات التي حققت أكبر قدر من التحويلات للأوقاف والجمعيات، هي وزارة التربية والتعليم التركية بمبلغ قدره 171.7 مليون ليرة تركية، تتبعها وزارة الثقافة والسياحة بمبلغ قدره 129.4 مليون ليرة تركية، ثم وزارة الصحة بمبلغ 121.8 مليون ليرة تركية.
ونشر أعضاء مجلس بلدية إسطنبول المنتمون لـ«حزب الشعب الجمهوري»، في وقت سابق، تقريراً ذكروا فيه أن البلدية قدمت مساعدات مبالغاً فيها إلى أوقاف وجمعيات قريبة من إردوغان وأسرته بلغت 847 مليون ليرة.
ورغم عدم كشف التقرير أي تفاصيل عن هذه الجمعيات والأوقاف المنتفعة من هذه التحويلات، فإن كثيراً من وسائل الإعلام المحلية ذكرت أن جميعها تخص المقربين من إردوغان وحزب العدالة والتنمية، مثل وقف «الشباب التركي» التابع لـ«بلال إردوغان» نجل الرئيس التركي، ووقف «فريق تركيا التكنولوجي» التابع لصهر الرئيس وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق، ووقف «خدمة الشباب والتعليم التركي»، ويضم مجلس إدارته إسراء إردوغان (ابنة الرئيس التركي)، ووقفي «الأنصار»، و«رماة الأسهم».
وكشف تقرير رقابي، صدر في مارس (آذار) الماضي عن ديوان المحاسبة التركي، فساداً وإهداراً كبيراً للأموال في جميع المؤسسات، وإدارات البلديات التركية التابعة لحزب العدالة والتنمية، تضمنا رشوة ومحسوبية وكسباً غير مشروع.
ولفت التقرير إلى تفشي المجاملات ومحاباة الأصدقاء والأقارب في التوظيف في تلك المؤسسات والبلديات، كما رصد أشكالاً كثيرة لأساليب الكسب غير المشروع، ومخالفة القانون، التي تحولت إلى ممارسة معتادة في البلديات.
وبالإضافة إلى هذه التقارير، قام عدد من الرؤساء الجدد لبعض هذه البلديات المنتمين للمعارضة ممن فازوا بمناصبهم في الانتخابات المحلية الأخيرة، بكشف ديون ومخالفات مالية جسيمة ارتكبها الرؤساء السابقون لتلك البلديات من المنتمين للحزب الحاكم.