ألعاب فيديو لتعميق خبرات الأطباء وفائدة المرضى

هل يمكن أن تتحوّل ألعاب الفيديو إلى وصفة طبية للحفاظ على الصحة؟ الدكتور زوبين دامانيا يرى أنّ هذا الأمر ممكن.
يتسلّى دامانيا، المختص بالطبّ الباطني في جامعتي كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وستانفورد، ومؤسس مستوصف «تورنتيبل هيلث» بألعاب الفيديو مرتين أو ثلاث في الأسبوع على هاتفه الذكي. ولكنه لا يبحث عن اللهو أثناء ممارسته للألعاب.

فيديوهات طبية
دامانيا، الذي يستخدم «ZDoggMD» اسماً مستعاراً له في إنتاج ألعاب الفيديو والعروض الحيّة المرتبطة بالعناية الصحية، هو واحد من 400000 اختصاصي يمارسون حرفة الطبّ عبر سلسلة من الألعاب التي تنتجها شركة «ليفل إي إكس»، المتخصصة في تطوير ألعاب الفيديو في شيكاغو، والتي تصمم عناوين خاصة بالأطباء وطلاب الطبّ وغيرهم من العاملين في مجال العناية الصحية.
وتضمّ مجموعة «ليفل إي إكس» حالياً أربع ألعاب مجانية متوفرة على «آبل» و«آندرويد»، إلى جانب عناوين أخرى قيد التطوير.
تحمل الألعاب الأربع الصادرة عن الشركة العناوين التالية: لعبة «إيروي إي إكس» (Airway Ex) التي تستهدف أطباء التخدير، و«غاسترو إي إكس» (Gastro Ex) لأطباء الجهاز الهضمي، و«بولم إي إكس» (Pulm Ex) لأطباء الرئة، و«كارديو إي إكس» (Cardio Ex) لأطباء القلب.
يقول دامانيا في حديث لصحيفة «يو إس إيه توداي»: «عندما تكبر بين ألعاب الفيديو، تشعر أنّك في أفضل حال عندما تتجسد أمامك فكرة إمكانية ممارسة مجموعة من المهارات التقنية والمهارات التي تعتمد على المعرفة، وفي الوقت نفسه تحصل على بعض السعادة والمرح من خلال اللعبة».
من جهتها، ترى الدكتورة جاكلين مورانو، وهي طبيبة تخدير عصبي وأستاذة مساعدة في كليّة الطبّ بجامعة شيكاغو، أنّ «الأشخاص الماهرين في ألعاب الفيديو، ماهرون أيضاً في بعض جوانب الطبّ العيادي».

مكافآت ما بعد اللعب
تعتمد ألعاب «ليفل إي إكس» على حالات حقيقية، وأحياناً نادرة، تولاها أطباء حقيقيون. وبقدر ما قد يبدو الأمر غريباً، فإن ممارسة ألعاب الفيديو تتيح للأطباء فرصاً للحصول على تعليم طبي متواصل للحفاظ على رخصهم: «وهو أمر مهم جداً لمتابعة تعليمهم الطبي» على حدّ تعبير مورانو.
تعود فكرة «ليفل إي إكس» إلى رئيسها التنفيذي سام غلاسينبرغ، الذي يملك خلفية عظيمة في ألعاب الفيديو (من خبرته في شركات كـ«لوكاس آرتس» و«مايكروسوفت») جعلته الاستثناء الوحيد في عائلته، الذي اختار عدم مواصلة دراسة الطب.
تحرص الشركة طبعاً على تعيين العدد اللازم من مطوّري ألعاب الفيديو، ولكنّها أيضاً تعتمد على أطباء ومهندسين بيولوجيين يعملون موظفين بدوام كامل.
تعتمد «ليفل إي إكس» أيضاً على أكثر من 150 مستشاراً طبياً من خرّيجي جامعات «هارفارد» و«ستانفورد» و«نورثويسترن»، وأي مؤسسة مرموقة تتقدّم بحالات وتحديات بدقّة مضمونة.
قد يلاحظ غير المتخصصين أنّ الرسومات المطوّرة على الكومبيوتر تبدو حقيقية، ابتداء من كيفية تغيّر لون الدم عندما يختلط مع سوائل أخرى في الجسم، وانتهاء بأشكال التورّم والتنفّس لدى المريض. ولكنّ التأثيرات الصوتية والموسيقى وطريقة استخدام أدوات التحكّم تمنح اللعبة أبعاداً غير طبية تدخل في تصميم بيئة اللعب.
في بعض الحالات، يعمل المطوّرون على توظيف تقنية الواقع المعزز التي يمتزج فيها العامل الافتراضي بما يحيط بكم في العالم الحقيقي.

حالات مرضية
على سبيل المثال، تضمّ لعبة «إيروي إي إكس» حالة معقّدة بطلها مريض ذكر (45 عاماً) في غرفة الطوارئ يشتكي من قصور في التنفس، ويتبيّن لاحقاً أنّه يعاني من ورم كبير في مكان حساس في الحنجرة، ويحتاج إلى إدخال أنبوب فحص، وعلى اللاعب أن يجد الطريقة الأفضل لاستئصال الكتلة السرطانية.
أمّا لعبة «بولم إي إكس»، فتضمّ حالة مستوحاة من حدث طبي حقيقي عن مريض يعمل نجاراً وابتلع مسماراً عن طريق الخطأ. تسبب هذا المسمار في ثقب جدار القصبة الهوائية، وعلى اللاعب أو الطبيب الذي يسعى لإزالة هذا المسمار في هذه الحالة المعقّدة أن يعتمد على تصوير شعاعي حقيقي، وصورة مقطعية لمنطقة الصدر. وقد يضطرّ الأطباء المنخرطون في لعبة «كارديو إي إكس» إلى تحديد أي نوع من الدعامات والبالونات وخيارات إزالة الترسبات من جدران الشرايين هو الأفضل، لتصحيح تدفّق الدمّ إلى القلب.

جمع النقاط
وفي إطار تعدّد السيناريوهات، يتمّ منح النقاط للاعبين بناء على السرعة، ونوع إصابة الأنسجة، ونزف الدم، وبالطبع دقّة الإجراءات المطبّقة، والمحافظة على حياة المريض. يستطيع الأطباء التنافس مع أنفسهم أو مع أطباء آخرين. ونعم بالطبع، كما في ألعاب الفيديو العادية الأخرى، يمكنهم أيضاً أن يقارنوا نتائجهم بأعلى معدلات النقاط التي تمّ تسجيلها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ درجة الصعوبة والتحديات تزداد مع تقدّم اللاعبين في مراحل اللعبة، وأكبر الحالات وأكثرها تعقيداً هي التي تحدّد ما إذا كان الطبيب سيحصل على فرصة التعليم الطبي المستمر.
يوزّع الدكتور إريك جانتويركر وقته بين عمله نائباً لرئيس شركة «ليفل إي إكس» ومديراً طبياً، وممارسته لمهنته طبيبَ أطفال متخصصاً بجراحة الأنف والأذن والحنجرة. ويقول مازحاً إنّه أحياناً يخبر مرضاه الصغار وأهاليهم أنّ مستوى مهاراته في ألعاب الفيديو أصبح عالياً جداً. ويضيف ضاحكاً: «عليك حقاً أن تقيّم جمهورك وترى كيف يتفاعل».
صحيح أنّ تطبيقات الألعاب المجانية هذه مصممة للأطباء والعاملين في المجال الطبي، وتضمّ كثيراً من المصطلحات الطبية، إلا أنّها متاحة للجميع. لذا، في حال كنتم على وشك إجراء تنظير للقولون، يمكنكم الحصول على لمحة عمّا ستخضعون له من خلال اللعب، حسبما أفاد جانتويركر.
ولأنّ «ليفل إي إكس» تجمع بين اللعب والتعليم، يتوجب على المصممين أن يحقّقوا توازناً بين المكافآت التي تعطى مقابل الأداء الجيّد، وفي الوقت نفسه، وضع ما يكفي من التحديات للحفاظ على اهتمام اللاعبين.

خسارة اللعبة والمريض
لا شكّ في أنّ الهدف الرئيسي لشركة «ليفل إي إكس» في تصميم ألعابها هو المرح كأي لعبة أخرى، حتى ولو تضمّنت بعض الحالات حوادث مضاعفات وموت مستوحاة من الحياة الحقيقة.
يقول جانتويركر إنّ «نقاشاً كبيراً يدور حول محاكاة العالم الحقيقي، وحتى في الألعاب عن خسارة المريض، وتأثيره على مقدم الخدمة الطبية أو من يمارس اللعبة».
وهنا يطرح السؤال الأهمّ حول التأثير الذي قد ينطوي عليه فشل الإجراءات المتبعة على ثقة الطبيب، الذي عليه أن يواجه هذه الحالات المستوحاة من العالم الحقيقي بنفسه.
من جهته، يشرح غلاسينبرغ أنّ «الشركة تمنح اللاعب فرصة لخوض سيناريوهات شديدة الجدية، مع القدرة على تطبيقها في محيط لا يفرض عواقب على الأمور، ما يعني أن اللاعب يستطيع تجربة مقاربات أخرى. إن الفشل هو من أفضل الطرق للتعلّم، وأفضّل أنّ أفشل أثناء تعاملي مع مريض افتراضي على أن أفشل في علاجي لمريض حقيقي».
- خدمات «تريبيون ميديا»