قلب الهوس بالكاميرا مسار حياته ككاتب صحافي ليغادر عالم الكتابة إلى واقع الصورة، مشغوفاً بما تحمله من أسرار وهموم إنسانية بين ظلالها، وتدرجات الضوء في زواياها.
لم يستغرق الصحافي المصري عصام الشرقاوي وقتاً طويلاً كي يغير اتجاهه وبوصلة حياته صوب عشق اكتشف أنّه كان دفيناً في روحه، وانفجر بشكل حميمي في داخله على شاطئ الإسكندرية شمال مصر، التي انتقل إليها في رحلة عمل صحافية جديدة اكتشف خلالها أنّ عروس البحر المتوسط ملهمة بأجوائها الساحرة، فراح يتجول بين أحيائها وشواطئها الممتدة يسجل حياة المشردين وأبناء الشوارع والمهمشين أينما وقعت عيناه عليهم، وكانت الحصيلة عدداً كبيراً من الصور التي تحمل الكثير من القصص والأحداث.
رحلة الشرقاوي مع عالم التصوير الفوتوغرافي، بدأت بعد أن أخذ منه الحرف وقتاً طويلاً، في مجال الصحافة الاستقصائية، إلّا أنّه اكتشف أنّ عالم الصورة يحمل خفايا جديرة بالاهتمام، عليه كشف أغوارها.
الشرقاوي حسب ما قال «لـ«الشرق الأوسط»»، كان يمتلك في ذلك الوقت، كاميرا عتيقة. وخلال فترات تنزهه على الشواطئ، راح يستمتع بيومه في مراقبة صراعات النوارس وكفاح الصيادين والاستماع لموسيقى البحر عبر أمواجه الهادرة، قرر أن يرصد بعدسته، ما تقع عليه عيناه من أشياء مدهشة وهكذا راح يعمل بآلة تصويره مؤمناً بما يقوم به حتى توجه النادي العربي للكاميرا، وهو عبارة عن منصة إلكترونية على شبكة الإنترنت بجائزته لأكثر الصور تعبيراً عن حياة الناس.
وذكر الشرقاوي أنّه لم يتوقف عند شيء قابله إلّا والتقط له صورة، فقد رصد حياة الأطفال الذين يساعدون أسرهم في كسب الرزق، كما التقط صوراً لنساء المناطق الشعبية، وسجل الكثير من التفاصيل في حياة الصيادين والباعة المتجولين والمشردين، وقد حصدت لقطة لأحدهم الجائزة وكانت تعبر عن الطقوس الرمضانية، رصد الشرقاوي وقتها لحظة انهماك أحد المشردين في تناول إفطاره، وكان عنوانها «مشرد يتناول إفطاره الرمضاني وحيداً على الرصيف».
ولفت الشرقاوي إلى أنّه يواظب في نهاية كل يوم عمل على لقاء أمثال هذا المشرد، على كورنيش الإسكندرية، ويعقد معهم صداقات، تنتهي غالباً بموافقتهم على التصوير وقد سعى لسرد حكاياتهم، عبر الصورة، وتعامل معها باعتبارها نصاً بصرياً يمكن تفكيكه وقراءته، أو باعتبارها لقطة تروي حكاية.
ويرى الشرقاوي أنّ التحول المثير في قصته مع التصوير وانضمامه لما يزيد على 767 مصوراً يمثلون أعضاء شعبة المصورين الصحافيين المصريين. بدأ عندما لاحظ الناقد والكاتب الصحافي زكريا محيي الدين شغفه بالتصوير، فألحقه بورشة في فنون وجماليات وقواعد التكوين، يقوم هو بالتدريب فيها وإعداد المصورين، ومع الانخراط في فعاليات الورشة تنبأ له بالانحراف عن الصحافة والاتجاه إلى الكاميرا مثلما حدث معه من قبل.
وعن اللحظات المنسية التي صنعتها المصادفة بعيداً عن الكاميرا، يقول الشرقاوي: «أسعد كثيراً بما التقط من صور، وفي وقت لاحق قررت التنقيب عن شخصيات مهمشة تشبه شخصيات عالمية، والتقيت ذات يوم شخصاً داخل الأتوبيس يشبه أنطوني كوين، من دون مبالغة، وللأسف لم تكن الكاميرا ولا الموبايل بحوزتي، كما صادفت ذات يوم بائعاً على الرصيف يشبه الممثل العالمي تشارلز برونسون، وآخر يشبه الإسكندر الأكبر، ومستقبلاً، ربما ألتقي بامرأة تشبه مارلين مونرو، إنّها الإسكندرية ملتقى الثقافات والحضارات وهناك آلاف الوجوه من طليان ويونان وغيرهم صقلتها المدينة بروحها وحضارتها».
ومن الأشياء الجميلة التي يذكرها الشرقاوي منذ اتجاهه للتصوير، مقال منشور عنه على موقع المثقف «الأسترالي»، للدكتور محمد طلعت الجندي، أستاذ الأدب المقارن وفلسفة الصورة، في جامعة ميونغ بكوريا الجنوبية، رصد خلاله فلسفة الصورة عنده، وانحياز عدسته لعالم المهمشين، ووصفها بأنّها «نص حكائي يمتلك تقنيات سردية، كما يمتلكها النص الأدبي، وتعكس اللغة المرئية في الصّورة موهبة مصور، يمتلك مفرداتها ويجيد التقاط حروفها الضوئية، وهو واحد من قلّة محترفة، أعاد اكتشاف نفسه، واستفاد من عمله الصحافي، في إعادة صياغة المتناثر في الحياة، من حالات بشرية وأمزجة المصريين المختلفة، عبر حكاية ملامحهم في الصورة».
عصام الشرقاوي: الصورة نص حكائي يعيد صياغة المتناثر في الحياة
هجر الكتابة الصّحافية من أجل عيون الكاميرا وحياة المشردين
عصام الشرقاوي: الصورة نص حكائي يعيد صياغة المتناثر في الحياة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة