«الإعاقة الحقيقية في العقول المغلقة»، قول مشهور يُنسب للزعيم الهندي المهاتما غاندي، ليُظهر أن العقل فقط هو المحرك الرئيسي للإنسان، وأن الإعاقة ليست عجزاً يمنع الإبداع، وهو ما ينطبق على حالة الشاب المصري كيرلس سامي القط، الذي تحدى إعاقته الكلامية والسمعية بالاتجاه إلى عالم الفنون، منتقياً منه فن «الأوريغامي»؛ ذلك النوع من الفنون المرتبط بالثقافة اليابانية، والمعروف بأنه فن طي الورق وتكوين المجسمات.
ففي الوقت الحالي، تُزين أعمال الشاب ذي القدرات الخاصة، دار الأوبرا المصرية، التي تحتضن معرضه الشخصي الأول عن فن «الأوريغامي» بعنــــوان «رؤية وإبـــــداع»، ليثبت أنه ذو عقــــــل متفتح وأيــــــــدٍ ماهرة ورؤية مبـــــــدعة، بعد أن صنع أفكاراً خارج المألوف، شكل بها عالمه الخاص في هذا الفن، الذي يتطلب المهارة والدقة والخيال لتحويل الورق المسطح إلى تصمـــــيم فني ذي شـــــكل جميـل ومعبر.
كيرلس، صاحب الواحد والعشرين عاماً، يعاني من تأخر لغوي نتيجة ضعف سمعي شديد جداً، حسبما تروي والدته لـ«الشرق الأوسط»، لافتة إلى أن موهبته في فن «الأوريغامي» برزت قبل 8 سنوات، مع حضوره ورشة عمل في مركز «ساقية الصاوي» الثقافي عن هذا الفن الياباني، الذي جذبه من الوهلة الأولى لكونه شكلاً جديداً غير مألوف، يعتمد على تحويل الأوراق إلى شكل قطع فنية أو كتل مجسمة، وفي هذه الورشة استطاع عمل شكل طائر الحمامة، متفوقاً على زملائه بالورشة من الأصحاء، وهو ما دفع محاضري الورشة للإشادة به وتشجيعه عبر إهدائه بعض أوراق «الأوريغامي»، إلى جانب مجلة يابانية بها رسوم هندسية مع كيفية تنفيذها، وهو ما دفعه لمواصلة التعرف على هذا الفن، ومن خلال هذه الإهداءات تمكن من عمل أكثر من شكل فني وتقديمها في مدرسته، والتي نال بها تشجيعاً من جانب زملائه ومعلميه، لأنه كان فناً جديداً في الوقت ذلك، وهو ما أسعده للغاية، وقرر أن يحترف فن «الأوريغامي».
الاتجاه إلى الاحتراف اعتمد فيه كيرلس على شبكة الإنترنت، تحديداً موقع «يوتيوب»، ليدخل عالم «الأوريغامي» من بابه الأوسع، مُعلماً نفسه بنفسه من خلال مقاطع الفيديو، وفي هذه المرحلة تغلب أيضاً على مشكلة عدم اكتمال هذه المقاطع، التي تعرض أجزاء فقط لعملية صنع التصميم من البداية والوسط والنهاية، لكن عبر قدرات كيرلس الذهنية التي وهبها الله له استطاع أن يكمل هذه النواقص، وينجح في توجيه إمكاناته الإبداعية ليتقن هذا الفن تماماً.
يحرك فن «الأوريغامي» مساحات الخيال عند الفنان، ويبيّن قدرته على إبراز مواطن الجمال... هذا ما يمكن لمسه مع التجول بين أعمال معرض كيرلس الحالي، حيث يضم المعرض ما أبدعته يداه في أنواع «الأوريغامي» المختلفة.
ففي أول الأقسام، يصادفك نحو 150 عملاً من نماذج «الأوريغامي» التقليدية، في شكلها البسيط، حيث تُطوى من ورقة واحدة، دون استخدام تقنيات القص أو التجميع باللاصق، والقسم الثاني هو «الأوريغامي المجسم» (ثري ديمنشن) عن طريق طي عدد من القطع المتطابقة مع بعضها البعض (4 سم × 6 سم) لتشكيل مجسم كامل، ويكون ذلك عبر تعشيق الورق أو تركيبه فوق بعضه.
أما القسم الثالث، فهو «الأوريغامي الملفوف» (الكويلينج)، الذي يعتمد على لف شرائح ورقية صغيرة، التي تتطلب الدقة مع المهارة في تكوين الأشكال. كذلك اتجه صاحب المعرض إلى مستوى آخر أكثر دقة أقرب للهندسة الوصفية، ذلك العلم الذي يبحث في طرق تمثيل الأجسام الهندسية المختلفة على سطح مستوٍ، وذلك من خلال تكوينات فنية من مثلثات وأشكال هرمية مختلفة الأبعاد ذات ارتفاع واحد.
يتمنى كيرلس أن يتوسع في توصيل ونشر فن «الأوريغامي» لنطاق أوسع في مصر، من خلال ورش العمل التي يقوم بالتدريب فيها في عدد من المدارس والأندية بالقاهرة، بعد أن وصل فيه لدرجة كبيرة من الاحترافية، التي يتواصل فيها مع الدراسين بلغة الإشارة والجسد، كما يحلم بأن يمثل مصر في مسابقة دولية لفن «الأوريغامي»، لإثبات نفسه وتقديم مهاراته على المستوى العالمي.
مصري من «ذوي الحاجات الخاصة» يبدع في فن «الأوريغامي»
أعماله تجمع بين مساحات الخيال ومواطن الجمال
مصري من «ذوي الحاجات الخاصة» يبدع في فن «الأوريغامي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة