الفرنسي بلاز سندرار... رحلات عصية على التتبع

عمل بحاراً ولاعب سيرك وتاجر مجوهرات... ومراسلاً صحافياً

الفرنسي بلاز سندرار... رحلات عصية على التتبع
TT

الفرنسي بلاز سندرار... رحلات عصية على التتبع

الفرنسي بلاز سندرار... رحلات عصية على التتبع

لعل الزخم الذي تفيض به سيرة الكاتب والشاعر الفرنسي بلاز سندرار، السويسري المولد (1887 – 1961) هو ما جعله مُنحازاً لعفوية السرد دون التفات لمنطق ترتيب الأحداث، أو الأماكن، ولا لأي منطق «وذلك ببساطة لأنه لم يكن هناك أي منطق في حياتي». هكذا، يقول سندرار عن حياته التي يصفها بالعشوائية، والتي استطاع أن يُحررها بالحكي مُستعيناً بالطابع الروائي، ودائماً البطل والراوي بها هو بلاز سندرار نفسه... فهو البطل المُتجدد القادر على رواية عشرات الحكايات من عشرات الأماكن، كما قال عنه الأميركي هنري ميلر في كتابه «الكتب في حياتي»: «إن خط رحلات سندرار كان أصعب في التتبع من خط أعظم رحالة التاريخ، ماركوبولو أو ابن بطوطة أو السندباد البحري أو جيمس كوك». رواية «الدهشة»، التي صدرت عن دار «آفاق» للنشر والتوزيع المصرية أخيراً بترجمة عادل أسعد الميري، وتقع في 342 صفحة، هي واحدة من روايات سندرار الأربع، التي كتبها بين الأعوام 1944 و1949، وقرر أن يسرد فيها فصولاً من حياته عبر أربعة أجزاء، فأطلق على فصول الرواية الأولى «المغامرة» التي يغلب على أحداثها طابع المغامرة بالفعل، وفصول الرواية الثانية وهي «الدهشة» التي يغلب على أحداثها طابع المفاجأة، وفصول الرواية الثالثة «اليد المقطوعة» التي تحكي عن كيف قُطعت يده، وكيف درب نفسه على أن يعيش منذ سن الثلاثين إلى سن الستين بيد واحدة، وأخيراً فصول رواية «نصيب من السماء» عن الأحداث القدرية في حياته التي لم يخترها ولم يتوقعها.
في «الدهشة» يصحبنا المؤلف إلى قصر صديقته العجوز «بخيتة» ذات الأصول الغجرية، التي حظيت بنصيب وافر من اسمها المأخوذ من العربية، الذي يدل على حسن الحظ في الحياة. إنها الفتاة الفقيرة التي وصلت ذات يوم إلى فرنسا ليقع أحد النبلاء في هواها ويتزوجها، لتسكن في قصر ملكي من قصور عهد الملك لويس الخامس عشر، وحديقته المثيرة للدهشة، وهو مكان في ضواحي باريس، كان سندرار يكتب به لساعات.
يقول عنها المؤلف: «كانت تكره المسؤوليات، لكنها استطاعت أن تحتفظ بالتوازن النفسي، بين إدارة القصر، وهذه الحديقة من ناحية، وبين الاحتفاظ بروحها الغجرية التي كانت لا تزال تحتفظ بها في كوامنها من ناحية أخرى. لم تفسدها الثروة الطائلة، ولم تجعلها تفقد روحها الحقيقية، هذه هي المعجزة الحقيقية المسماة بخيتة».
إلى جانب الجدة بخيتة، يرسم لنا بلاز سندرار وجوه شخوص، كان قد التقاهم في محطاته المهنية التي يُحصيها بالعشرات، فقد عمل مراسلاً صحافياً، ولاعب سيرك، وتاجر مجوهرات، وتاجر كُتب قديمة، وكذلك مُخرج أفلام موسمية، وأكثر ما كان يحبه مهنة البحار الموسمي. ففي السيرك اللندني مثلاً كان ولفترة قصيرة لاعباً يقدم فقراته الأكروباتية، وهي مهنة كانت تُغطي مؤقتاً مصاريف إقامته في لندن، وعلى مسرح السيرك يُحدثك عن تعرفه على لاعبة السيرك «مارتا» وزوجها وصديقه «جوستاف لوروج» اللذين أفسح لعلاقتهما المدهشة المُقبضة فصلاً كاملاً أطلق عليها «علاقة سادومازوخية»، وعن مسرح هذا السيرك ذاته كتب: «من الأشياء المثيرة للاهتمام، أن أذكر لكم هنا أن من بين مُهرجي هذا السيرك اللندني، كان هناك مهرج لا يزال نكرة لا يعرفه أحد، في نحو العشرين من عمره، لكن سأدعّي هنا، أني كنت قد أحسست بأنه سيكون يوماً ما نجماً كبيراً، وهو المُهرج نفسه الذي سيعرف لاحقاً باسم (شارلي شابلن)، ويصير نجم السينما الأميركية الصامتة لسنوات كثيرة، ويعرفه العالم أجمع».
ولعل نبوءاته عن مستقبل شارلي شابلن، لها جذورها التي يستند إليها سندرار كثيراً في حُكمه على الأشخاص، وهو علم الفراسة، الذي كان مُلهمه الأول أديب فرنسا الكبير أونوريه دي بلزاك يُطبقه على أعماله الروائية على مئات من شخصياته، فكان دائم الربط بين شكل الشخص وجوهره، حتى أنه طبق ذلك على كل من نابليون وبيتهوفن، كنماذج للرجال العظام الذين غالباً ما يكون حجمهم أقلّ من متوسط حجم الرجال في عصرهم وبيئتهم، وقد كان منحى بلزاك وتطبيقه العلمي على عالمه الروائي يستهوي سندرار كثيراً، بل ويُحرضه على مشاهدة شخوص حياته من خلال هذا المنظار المدهش.
يطرح سندرار عادة أسئلة تحمل إجاباتها مفارقات مدهشة، فيكتب في فصل بعنوان «كيف أختار أماكن سكني؟»: «أحياناً أسكن قصراً، وأحياناً أخرى أسكن كوخاً، ولم أكن أبداً في القصر أكثر سعادة مما كنت عليه في الكوخ»، وفي فصل آخر اختار عنوان «كيف أصبحت كاتباً؟» الذي يحكي فيه عن عمله بحّاراً بين ميناءي ليباوا ببولندا ونيويورك، على متن السفن التي تقل المهاجرين من فقراء دول أوروبا الشرقية إلى العالم الجديد، في رحلة الذهاب إلى أميركا، حيث كان ينخرط خلال هذا العمل في حوارات تلقائية مع هؤلاء الفقراء، ساعدته في الكتابة، وتحديداً في رسم فكرة روايته الأولى «الذهب» التي كتبها عام 1914 ونشرت عام 1925. ويقول في كلمات تفصح عن مفتاح رئيس من مفاتيح عالمه في الكتابة: «استمرت معي عادة الاستيقاظ المبكر، أثناء إقامتي الطويلة بقصر صديقتي في ضواحي باريس، وفي أغلب الأيام كنت أخرج من القصر وحدي في السادسة صباحاً، لأمارس الانخراط في حوارات تلقائية مع أكبر عدد ممكن من الناس، الذين كنت ألقاهم في الشوارع والطرقات والأسواق والحانات، وكنت أتعمد ارتداء ملابس يبدو عليها الإهمال والقدم، وأترك ذقني بلا حلاقة؛ حتى أتمكن من إقناعهم أنني منهم، أو على الأقل أنني أقرب ما يمكن إليهم».



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.