«بنات القدس» تصدح باسم المدينة وتعزف ألحانها

بصورة متناغمة تُوحي بكثير من معاني الحياة والأمل، تجتمع 30 فتاة فلسطينية للبدء في تدريباتهن الدورية، برفقة مجموعة واسعة من الآلات الموسيقيّة، داخل مدينة القدس المحتلة، ليشكلن معاً أول فرقة نسائية على مستوى الوطن، تهتم بتقديم الفن التراثي بروحٍ نسائية معاصرة.
عام 2013، كان تأسيس الفرقة التي تحمل اسم «بنات القدس»، وتتبع «معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى» على يد المدير العام للمعهد، الذي لاحظ منذ سنوات طويلة الشغف في عيون عدد من الطالبات المتميزات، وقدراتهن العالية في العزف على الآلات بمختلف أنواعها، وامتلاك بعضهن لحناجر غنائية قوية.
يقول مؤسس الفرقة ومدير المعهد سهيل خوري، في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «الغناء والفن بشكلٍ عام ظلّ لسنوات طويلة رديفاً للذكور بالمجتمع الفلسطيني، واكتفى عدد كبير من الفتيات بالتعلّم على الآلات، وإجادة العزف عليها دون القدرة على الخروج في احتفالات عامّة»، مضيفاً: «لذلك كان يجب التحرك لكسر تلك النمطية، خصوصاً أنّ الحس الفني الذي نلحظه عند الفتيات في التدريبات أقوى من ذلك الذي نلمسه لدى الشباب».
لم تحتج الفتيات وقتاً كبيراً لتكوين «جوقة غنائية»؛ بل أجدن أداء عدد من الألوان الموسيقيّة، ونجحت مجموعة منهن كذلك في إجادة العزف على الآلات الشرقية، مثل العود، والقانون، والطبلة، وغيرها من آلات الإيقاع الشرقي، وأتقنت أخريات التعامل مع آلات غربية، مثل الكمان، والفيولا، والكلارينيت، والكونترباص.
بين 13 و22 عاماً تتراوح أعمار الفتيات اللواتي تتشكل منهن الفرقة، وهو العمر الذي تقيّد فيه بعض العادات والتقاليد المجتمعية تحركات الإناث ومواهبهن، وطريقة إظهارها للعالم. يعقّب خوري: «نجحنا في تجاوز تلك النظرة، بعدما قدمت الموسيقيّات أعمالاً فنية عبرت عن قدراتهن الكامنة، وشغفهن للرسالة التي استوعبها أفراد المجتمع وحظيت بحب كبير».
عملت الفتيات من خلال الفرقة في البداية، على إحياء التراث الموسيقي العربي الأصيل، وأطلقن العنان لحناجرهن لتغني عشرات المقطوعات العربية الشهيرة، التي قدمها فنانون من أصحاب الخبرة والشهرة، مثل الشيخ إمام، ومارسيل خليفة، ومحمد عبد الوهاب، والأخوين رحباني، ووردة الجزائرية، وغيرهم. هذا الأمر ساهم في تطوير مهارات الفرقة وأوجد عند أعضائها أساساً فنياً قوياً، كما يوضح مؤسسها.
منذ تشكيلها شاركت الفرقة في عددٍ من العروض الفنية في مهرجانات محلية وخارجية، كان منها «ليالي الطرب في قدس العرب»، و«مهرجان القدس»، وحفلات أخرى في دول مثل الكويت، والأردن، والنرويج، واليونان. ويتابع خوري: «نجحنا في إطلاق أول أسطوانة تضم عشرة أعمال فنية من أداء الفرقة عام 2018، وحملت اسم الفرقة نفسه»، مشيراً إلى أنّ خمساً من الأغنيات كانت لمدينة القدس، واثنتين منها جرى أداؤهما بالشراكة مع فرقة «برايستون» للفتيات، وواحدة مع جوقة الفتيات النرويجية.
«الأسطوانة ضمت أغاني لغزة، وللأرض، وللشهداء، وكلماتها عبرت عن كلّ تفاصيل الوجع في حياة الفلسطيني»، ويكمل خوري موضحاً أنّ ألحان أغاني المجموعة الأولى التي أطلقتها الفرقة، هي من إنتاج الفنانين: سهيل خوري، وريما ترزي، ومصطفى الكرد، وريم البنا، وحسين نازك، والأخوين رحباني، والمطران إيليا خوري.
«الكوفية الفلسطينية، والتطريز الفلسطيني الفلاحي المصمم بأسلوبٍ عصري جديد» يرافقان الفتيات في كلّ عروضهن، كزي رسمي للفرقة، يلبسنه داخل البلاد وخارجها. وهو جزءٌ من لمسة الوفاء المتجذرة في نفوسهن للوطن الذي يعدّ المصدر الأول لإلهام كلّ أصحاب المواهب والقدرات، وفقاً لكلام خوري، الذي بيّن أنّ «الكوفية» هي من رموز الثورة الفلسطينية، والتشبث بها تشبث بالأرض والتاريخ.
النقلة المميزة للفرقة كانت في عام 2016، حينما شاركت في مسابقة الكورال المقامة في مدينة دبي الإماراتية، وتعقدها مجموعة فنية تطلق على نفسها اسم «choirfest middle east» وحصلت الفرقة آنذاك على جائزتين مهمتين: الأولى لقب فرقة الكورال لعام 2016، والثانية منحها مركز أفضل فرقة إقليميّة لعام 2016.