تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين

مع تنامي قضايا الإرهاب وتغلغل «الإسلاموفوبيا»

جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)
جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)
TT

تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين

جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)
جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)

يتنامى في الآونة الأخيرة الشرخ ما بين الثقافات والشعوب وأزمة الهويات المختلفة، التي أدت إلى تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وعدد من الدول الغربية، وجنوح البعض إلى جرائم تمازج ما بين الكراهية والإرهاب، على نسق ما حدث في نيوزيلاند، حين استهدف اليميني المتطرف برينتون تارانت مسجدي مدينة كرايست تشيرش 15 مارس (آذار) الماضي.

نشر اليميني المتطرف تارانت بياناً بعد مذبحة المسجدين في كرايست تشيرش (نيوزيلندا)، ذكر فيه أن هدفه أن يقلص من معدلات الهجرة في البلاد ولكي يؤكد «للغزاة» أن بلاده لن تكون بلادهم أبداً. وتظهر الإشكالية نفسها في مناطق أخرى، مثل تصاعد أعمال العنف في سريلانكا ضد المسلمين الذين يشكلون عشرة في المائة من نسيج مجتمعهم ذي الغالبية البوذية، واستهداف مجموعات مسيحية مساجد ومتاجر لمسلمين مثل مدينة كينيياما التي تم التهجم فيها على أحد المساجد، الأمر الذي أدى لفرض حظر تجوال ليلاً في مايو (أيار) الماضي، وتعد الهجمات انتقامية في أعقاب عمليات إرهابية استهدفت كنائس وفنادق في عيد الفصح في سريلانكا، نتج عنها مقتل نحو 253 شخصا، والتي تبناها تنظيم «داعش»، فيما اتهمت الحكومة السريلانكية جماعة «التوحيد الوطنية» بارتكاب الهجمات الانتحارية التي استهدفت كنائس وفنادق فخمة، في 21 أبريل (نيسان) الماضي، رغم التحذيرات المسبقة من تخطيط جماعات أصولية لها. وعلى وجه العموم فإن الهوة ما بين المسلمين الذين يعدون أقليات في عدد من الدول تتسع سواء كان ذلك نتيجة عدم قدرتهم على الاندماج الكلي مع مجتمعاتهم أو نتيجة الشعور بخطر اجتياح الثقافات المختلفة، بالأخص مع تنامي قضايا الإرهاب وربطها بالإسلام مما عمق من تغلغل «الإسلاموفوبيا» في عدة مجتمعات.

جرائم الكراهية والإرهاب

ولا تزال الصلة ما بين جرائم الكراهية والإرهاب غير واضحة، وغالباً ما ترتبط تلك الجرائم باليمين المتطرف المفضي إلى عنصرية ضد الشعوب؛ إلا أن كلاً من جرائم الكراهية والإرهاب تنم عن وجود توتر واضطراب في النسيج الاجتماعي والسياسي، كما أن هناك عدداً من جرائم الكراهية تحمل أبعاداً إرهابية فيما تظهر عمليات إرهابية تحمل بعداً عنصرياً محملاً بالكراهية. ويفرق البروفسور والباحث الأميركي بروس هوفمان، المختص في دراسات الإرهاب، ما بين مفهوم الإرهاب والكراهية، بإيضاحه أن الإرهاب في الأصل يرتكب لأغراض سياسية، بمعنى آخر هو القيام بالتخويف والإرغام والمعاقبة أو التأثير على الآخرين باستخدام العنف والتهديد به من أجل أغراض سياسية. فيما تعرّف جرائم الكراهية حسب القانون الأميركي بأنها التسبب المتعمد بأضرار جسدية لأي شخص سواء بإطلاق النار أو استخدام الأسلحة الخطرة أو المتفجرات أو مواد حارقة، بغرض التسبب في إصابة شخص ما، وذلك عادة ما يكون بسبب عرق أو لون أو دين أو ميول أو إعاقة ما.
وعلى الرغم من وجود فروقات ما بين المفهومين؛ فإن كثيراً من جرائم الكراهية ترتكب من خلال جماعات إرهابية مثل ما قام به «داعش» من هجمات إرهابية استهدفت الشيعة والإيزيديين ووصلت لحد الإبادة الجماعية في العراق، فيما تكرر تهديد «داعش» للمسيحيين في الموصل ومناطق أخرى، فإذا لم يتحولوا إلى الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة فسيتم قتلهم، إضافة إلى استهداف الأقباط في الكنائس وأماكن تجمعهم في مصر.
فيما تبدو العلاقة ما بين الأقليات واليمين المتطرف علاقة سببية، كل منهما يأتي نتيجة الآخر بشكلٍ ما، حيث إن من مسببات انضمام البعض إلى تنظيمات مثل «داعش» شعورهم بالتهميش والانعزال في مجتمعاتهم.
ويظهر تصاعد اليمين المتطرف نتاجا تراكميا لزيادة عدد المهاجرين في المجتمعات الغربية وشعورهم بالتهديد، فيما تنحو الأقليات مثل المسلمين إلى الانعزال، إضافة إلى انعكاسات الجماعات المتطـرفة مثل عمليـات إرهابية لـ«ذئــاب منفـردة» في أرجـاء أوروبـا تبناها تنظيم «داعش»، الأمـر الـذي أدى إلى تخويــف العالم من المسلمين وعزز من «الإسلاموفوبيا»، لا سيما مع تزايد أعداد المسلمين في المجتمعات الأخرى، يقابل ذلك تصاعد اليمين المتطرف سواء من خلال النازيين الجدد أو القوميين البيض ممن لديهم قناعة بتفوق العرق الأبيض والتطرف والعنصرية والمعاداة للمهاجرين، على شاكلة النرويجي أندرس بريفيك الذي استلهم عدد من المتطرفين عملياتهم الإرهابية منه، وهو يميني متطرف قام بقتل 77 شخصا في النرويج عام 2011 نتيجة معاداته للمسلمين، وذكر أنه استوحى عمليته من تنظيم «القاعدة» بعد دراسته لعملياته الإرهابية.
ولا يعد الفكر اليميني المتطرف جديداً، إذ ظهرت جماعات متطرفة كثيرة مثل جماعة «الكوكلوكس كلان» المتطرفة التي نشأت في عام 1865 في ولاية تينيسي في أعقاب الحرب الأهلية الأميركية، وهي مبنية على مبدأ تفوق العرق الأبيض ومعاداة ما يخالفها مثل العرق الأسود واليهود والمهاجرين، ونشأت في طياتها عمليات إرهابية كثيرة شهيرة تستهدف «الآخر» ممن ترفضهم «الكوكلوكس كلان». ولم تنقرض هذه الجماعة إذ إن مسيرة نظمتها مجموعات من اليمين المتطرف تضمنت الكوكلوكس كلان والنازيين الجدد في 11 أغسطس (آب) 2017 في تشارلوتسفيل في فرجينيا، حيث تم رفع شعارات معادية للإسلام والسامية، وقد قام جايمس أليكس فيلدز جونيور وقتئذ بدهس أسفر عن مقتل امرأة وإصابة 19 آخرين، وقد عرف بهوسه بالنازية وبشخصية هتلر.
لكن مثل هذه التوجهات المتطرفة لا تستهدف المسلمين، وإنما الأقليات بشكل عام فيما يبدو انعكاسا لشعور البعض بتهديد الأقليات لوجودهم لمجرد اختلافهم عنهم عرقياً أو دينياً، ويظهر ذلك على وجه التحديد لدى معتنقي اليمين المتطرف الذين يتزايد عددهم كلما ازداد عدد المهاجرين إلى دولهم. على نسق ما حدث حين قام الأميركي جون إرنست، المعادي للسامية والإسلام، بإطلاق نار في سان دييغو على كنيس يهودي. وذكر أنه استلهم ذلك من حادثة إطلاق النار على مسجدي كرايست تشيرش (نيوزيلندا)، وكذلك إطلاق النار على كنيس لليهود في مدينة بيتسبرغ الأميركية مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً، حيث إن مرتكب الجريمة روبرت باورز صاح وهو يطلق النار «يجب على كل اليهود أن يموتوا». وعلى شاكلته تظهر حادثة إطلاق النار على كنيسة تشارلستون في 17 يونيو (حزيران) 2015، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص، وهي من أعرق كنائس السود في الولايات المتحدة، وقد قام بالهجوم الإرهابي بها ديلان ستورم فيما يعد من جهة أخرى من جرائم الكراهية.

الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية

صراع الحضارات والشعور بالتهديد لا يقتصران فحسب على المتطرفين، ممن لا يترددون في القيام بعمليات إرهابية، إذ تظهر تصريحات لسياسيين معادين للثقافات الأخرى على نسق رئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوروبان، الذي أعرب في أكثر من مناسبة عن مخاوفه من التهديدات من حوله، مؤكدا على اتخاذه سياسات لمواجهة تزايد أعداد المهاجرين خوفاً من ضياع الثقافة والهوية المسيحية. وفي ألمانيا، قام مركز ليبزيق لدراسات وأبحاث اليمين المتطرف والديمقراطية بدراسة أظهرت أن ما يزيد على 44 في المائة من الألمان يرغبون في منع المسلمين من الهجرة إلى ألمانيا، فيما ذكرت الدراسة أن 56 في المائة، من الألمان يشعرون بأن أعداد المسلمين المتزايدة في ألمانيا تجعلهم يشعرون بأنهم أغراب في وطنهم.
وكانت الشرطة في إنجلترا وويلز أصدرت في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، إحصائيات نوهت إلى أن جرائم الكراهية قد ارتفعت فيها بنسبة 40 في المائة ضد المسلمين، كما بلغت جرائم الكراهية رقماً قياسياً يصل إلى 94098 في الفترة من أبريل 2017 إلى مايو 2018 يصنف أكثر من ثلثيها ضمن جرائم العنصرية. وتظهر أحداث أخرى مبلغ سوء الفهم والشعور بتهديد الثقافات الأخرى، مثل ما حدث عقب حريق كاتدرائية نوتردام في باريس من اتهام أليس فيدل من حزب «بديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف بأن ما حدث هو هجوم متعمد يستهدف المسيحيين وذو صلة بالإرهاب، على الرغم من استبعاد السلطات الفرنسية وجود هجوم متعمد.
وهناك أكثر من تساؤل حول ما حدث مع البريطانية الداعشية شاميمة بيغوم الملقبة «عروس تنظيم داعش» والتي سافرت إلى سوريا للانضمام للتنظيم لمدة تجاوزت الأربع سنوات، وتزوجت هناك من الهولندي ريدجيك الذي اعتنق الإسلام واتهم بانتمائه للتنظيم، وما لحق ذلك من حيثيات قرار الحكومة البريطانية نزع الجنسية منها، وعلى شاكلتها منع الرئيس الأميركي الإرهابية هدى مثنى من العودة إلى الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن مثل هذه القرارات تهدف لحماية الدول من شخوص لا يتوقع أن يكون هناك مجال لإعادة تأهيلهم نظراً لآيديولوجياتهم المتطرفة أو ما ارتكبوه من جرائم إرهابية؛ فإن من الممكن أن تؤدي مثل هذه القرارات الصارمة إلى تعزيز الشعور بالفروقات والعنصرية تجاه الأقليات، مثل ما أكدته الحكومة البريطانية من رفض لمقترح تحديد تعريف رسمي لمصطلح «الإسلاموفوبيا» أو معاداة الإسلام لما فيه من تقويض لجهود مكافحة الإرهاب وحق إيقاف المشتبه بهم دون الحصول على إذن سابق. فإن بعض ما يحدث من ممارسات أمنية مثل الاشتباه بالمسلمين بتورطهم بالإرهاب نتيجة لأعراقهم أو معتقداتهم الدينية يعمق من الهوة بين الأقليات ومجتمعاتهم ويشجع على تصاعد اليمين المتطرف.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».