التبرع بأعضاء المدانين بالإعدام يثير جدلاً في إيران

رئيس القضاء الإيراني، إبراهيم رئيسي
رئيس القضاء الإيراني، إبراهيم رئيسي
TT

التبرع بأعضاء المدانين بالإعدام يثير جدلاً في إيران

رئيس القضاء الإيراني، إبراهيم رئيسي
رئيس القضاء الإيراني، إبراهيم رئيسي

احتجت هيئة طبية إيرانية، أمس، على قرار صادر من رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، يتيح التبرع بأعضاء المدانين بالإعدام، للمرضى، واعتبرته منافياً لـ«الأخلاق»، ودخل نواب البرلمان، أمس، على خط الجدل الدائر حول القرار، وطالب النائب محمود صادقي بعرضه لتصويت البرلمان، وقال رئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران، محمود أميري مقدم، لـ«الشرق الأوسط»، إنه على الرغم من «التراجع اللافت في الإعدامات»، لكن ما زالت إيران بين دول العالم الأكثر تنفيذاً للإعدام، خصوصاً إعدام القصر.
ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن رئيس الهيئة العلمية للقانون الطبي، محمود عباسي، أمس، أن التبرع بأعضاء المدانين «أمر غير أخلاقي»، محذراً من تبعاته على تقويض موقع البلاد و«كرامتها السياسية والدولية»، والتأثير على سمعتها الطبية، فضلاً عن تأثيره على نمو ظاهرة تجارة وتهريب الأعضاء في إيران.
وتتبخر آمال الناشطين الإيرانيين، تدريجياً، في إحداث تغيير كبير في القضاء الإيراني، بعد شهور قليلة من تعيين المرشد علي خامنئي رئيساً جديداً لمنصب رئاسة القضاء خلفاً لصادق لاريجاني.
ويواصل المعنيون الاحتجاج على قرار رئيس القضاء الجديد إبراهيم رئيسي، منذ أسابيع، رغم أن عباسي صرح بأن المادة 47 من قانون الجزاء الجديد مرهونة بقانون داخلي تشارك في كتابته وزارة القضاء (تابعة للجهاز القضائي) ووزارة الصحة، ويستبعد عباسي حدوث الأمر لـ«تعارضه مع المعايير الأخلاقية». ولكنه نوه أيضاً بأنه في حال «كتابة قوانين داخلية للمادة لن تؤثر على تنفيذه، وسيلتحق بالقوانين المتروكة». ويؤكد في الوقت ذاته أن القانون «لم يكن يمر لو ناقشه مجلس الوزراء».
ومع ذلك فإن القرار، المثير للجدل، من المتوقع أن يسلط مزيداً من الضوء على أداء رئيسي، الذي أنعش اختياره لرئاسة القضاء حظوظه لخلافة المرشد علي خامنئي، بعدما تراجعت أسهمه في مايو (أيار) 2017، عندما تلقى خسارة أمام الرئيس حسن روحاني في أول انتخابات يخوضها رئيسي مرشحاً عن التيار المحافظ والمقرب من «الحرس الثوري».
وجاء احتجاج الهيئة الطبية بعدما نفى المتحدث باسم القضاء، غلام حسين إسماعيلي، أول من أمس، وجود أي قرار أو قانون أو خطة حول التبرع بأعضاء المدانين بالقصاص والإعدام وبتر الأعضاء.
ومنتصف الشهر الماضي، أبلغت رئاسة القضاء في إيران مجموعة قوانين تتعلق بتنفيذ أحكام الإعدام وبتر الأعضاء والقصاص والجلد والنفي إلى جميع الأجهزة والمحاكم التابعة للجهاز القضائي الإيراني.
في هذا الصدد، قال رئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران، محمود أميري مقدم، لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، إن القانون يعاني من إشكالات أساسية لأسباب منها أن المدانين «أشخاص ليست لديهم الحرية، ولا يمكن التأكد من استقلالية القرار، خصوصاً أنه من مدان بالإعدام»، ويلفت إلى أن «الجهاز القضائي الإيراني فاسد»، ويضيف: «نعرف أن الجهاز القضائي الإيراني يستخدم الضغوط والتعذيب»، مشيراً إلى أن «الطريق الأساسي لإثبات الجريمة في القضاء الإيراني هو نزع الاعترافات، ومن أجل ذلك في مثل هذا القضاء لا يمكن أن نكون واثقين من أن التبرع بالأعضاء قرار اتخذه المدانون بحرية».
وتعمل المنظمة، التي يديرها أميري مقدم من محل إقامته في النرويج منذ 12 عاماً، في رصد حالات الإعدام بشكل منظم. وتعتمد المنظمات الدولية على التقارير التي تصدرها المنظمة، وتساهم فيها مصادر مطلعة في إيران معنية بحقوق الإنسان.
وينوه أميري بأنه لا يتذكر خلال السنوات الماضية أن منظمته تحدثت إلى مدان بالإعدام ولم يتعرض للتعذيب. وفي الوقت نفسه لا يخفي قلقه من تأثير القرار الجديد على ظاهرة تجارة الأعضاء المنتشرة في البلاد بسبب الفقر، وأضاف: «بإمكانها أن تتسبب في مشكلات».
وعن مسار الإعدامات حالياً، قال أميري إن «إحصائية الإعدامات في إيران تشهد تراجعاً لافتاً مقارنة بالسنوات الماضية، بعد التغييرات التي جرت في القوانين الإيرانية حول مكافحة المخدرات في عام 2017»، غير أنه يشدد على أن إيران «ما زالت بين البلدان الأكثر تنفيذاً لأحكام الإعدام على مستوى العالم».
ونفذت إيران من بداية العام الحالي 113 حالة إعدام، وأعدمت 273 شخصاً في عام 2018، مشيراً إلى أن حالات الإعدام بين عامي 2011 و2016 تخطت أكثر من 500 أو 600 حالة سنوياً، حسب رصد منظمة حقوق الإنسان في إيران. وأوضح أميري أن أكثر من 70 في المائة من حالات الإعدام حالياً تطال القُصر المدانين بالقصاص والقتل، وتابع: «نسمع كثيراً في الجهاز القضائي الإيراني أن أكثر الحالات هي قتل غير متعمد، لكن تجري إدانة المتهمين بالقصاص». وما زالت إيران، وفقاً لرئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران، «تعد الأكثر تنفيذاً لأحكام الإعدام بحق القصر المدانين»، مشيراً إلى «رصد حالتين منذ بداية العام». ونفذت إيران أكثر من 70 في المائة من حالات إعدام الأطفال المدانين على مستوى العالم خلال العقد أو العقدين الماضيين. ونفذ الجهاز القضائي الإيراني على الأقل 40 حالة إعدام بحق الأطفال المدانين في غضون السنوات الخمس الماضية، وفق إحصائيات المنظمة.
وفي شأن متصل، دعا النائب الإصلاحي محمود صادقي، أمس، إلى نقل إدارة منظمة السجون والطب العدلي من القضاء إلى الحكومة. وأفاد: «عندما تكون المنظمة تحت سيطرة الجهاز التنفيذي (الحكومة) ستقل مشكلاتهم في الميزانية، وبإمكان البرلمان أن يراقب أداءهم، ونوعاً ما سيتعرضون للمساءلة»، وقال: «القضاء من جهة يصدر أوامر لمنظمة السجون، ومن جهة أخرى ينفذها، وهذا ليس صحيحاً، لأن الجهاز التنفيذي يجب أن يكون المنفذ، عملياً يستحيل للقضاء الإشراف على أدائه».
بدوره، يشير أميري إلى أن السجون في إيران تعاني من مشكلات مختلفة «من تهريب وبيع المخدرات إلى تعرض السجناء (السياسيين) إلى القتل بيد السجناء المدانين بالجرائم». ويضيف: «رغم كل هذا لا يوجد شخص لمساءلته. لا توجد مساءلة في الجهاز القضائي».
وفي تغريدة على «تويتر»، كتب صادقي، أمس، «تنص المادة 47 أن القانون الداخلي حول تنفيذ أحكام الإعدام والتبرع بأعضاء المدانين بالإعدام ستتم وفق مرسوم قانون، سيوقع من رئيس القضاء في ثلاثة أشهر، على ما يبدو أن القضية أكثر من قانون داخلي (في القضاء) وبحاجة إلى تشريع (في البرلمان)».
ويرجح أميري مقدم أن من بين أهداف الجهاز القضائي أن يضيف «نقطة إيجابية» إلى سجله في الإعدامات. ويتابع أنه «أمر غير إنساني... ربما يستخدمونه من أجل الدعاية في داخل البلد، لكننا (مدافعو حقوق الإنسان) نوافق الأطباء ونأمل أن يصمدوا».
ونقلت «إيرنا» عن رئيس هيئة القانون الطبي المعنية بالجانب القانوني للطب في إيران، أن القانون الداخلي حول التبرع بأعضاء المدانين يتطلب أخذ آراء المجتمع الطبي الإيراني بعين الاعتبار، وأيضاً قال: «من منظور حقوق الإنسان وجهنا رسالة للقضاء طالبنا بإلغاء القرار».
وقال أميري إنه «لم ترصد أي حالة من هكذا تبرع»، لكنه أشار إلى اتهامات لاحقت السلطات الإيرانية في سنوات ما بعد الثورة «بأخذ دماء مدانين بالإعدام لجرحى الحرب»، وينوه: «لكننا لم نحقق في الأمر».
وعما إذا نفذت هكذا أنواع من التبرع بالأعضاء في بلد يتفاخر بالتبرع بالأعضاء للمرضى المحتاجين، قال عباسي إن «مهرب مخدرات أدين بالإعدام وجه رسالة إلى وزير الصحة من سجن تايباد بمحافظة خراسان في 2005 للتبرع بأعضائه». وأضاف: «لم يكن تنفيذ طلب المدان يواجه مشكلة بعد نقاش واستطلاع رأي المراجع الدينية والقانونية، لكن الأمر توقف لأنه غير مقبول أخلاقياً، ويقوض مكانة الدولة وكرامة البلاد».



«الذرية الدولية»: إيران قبلت تعزيز إجراءات التفتيش في منشأة فوردو

مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)
مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)
TT

«الذرية الدولية»: إيران قبلت تعزيز إجراءات التفتيش في منشأة فوردو

مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)
مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي خلال مؤتمر صحافي في طهران منتصف نوفمبر 2024 (د.ب.أ)

وافقت إيران على تشديد الرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على منشأة فوردو الواقعة تحت الجبال، بعدما سرعت على نحو كبير تخصيب اليورانيوم بما يقترب من الدرجة المطلوبة لصناعة أسلحة.

وذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير سري لدول الأعضاء، أن إيران «وافقت على طلب الوكالة بزيادة وتيرة وكثافة تدابير الرقابة في منشأة فوردو لتخصيب الوقود، وتسهيل تطبيق هذا النهج الرقابي».

والأسبوع الماضي، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران ضاعفت وتيرة تخصيبها إلى نقاء يصل إلى 60 في المائة في منشأة فوردو، وهو مستوى قريب من 90 في المائة المطلوب لصنع الأسلحة النووية، ما اعتبرته القوى الغربية تصعيداً خطيراً في الخلاف مع إيران بشأن برنامجها النووي.

وأعلنت الوكالة أنها ستناقش الحاجة إلى إجراءات وقائية أكثر صرامة، مثل زيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي واحدة من منشأتين تصلان إلى هذا المستوى العالي من التخصيب.

وجاء في التقرير السري الموجه إلى الدول الأعضاء: «وافقت إيران على طلب الوكالة زيادة وتيرة وشدة تنفيذ إجراءات الضمانات في منشأة فوردو، وتساهم في تنفيذ هذا النهج المعزز لضمانات السلامة».

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن لفوردو الآن إنتاج أكثر من 34 كيلوغراماً شهرياً من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، مقارنة بـ5 إلى 7 كيلوغرامات كانت تنتجها مجتمعة في فوردو ومنشأة أخرى في نطنز فوق الأرض.

ووفقاً لمعايير الوكالة، فإن نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة تكفي نظرياً، إذا تم تخصيبها أكثر، لصنع قنبلة نووية. إيران تمتلك بالفعل أكثر من أربعة أضعاف هذه الكمية، بالإضافة إلى ما يكفي لصنع المزيد من الأسلحة عند مستويات تخصيب أقل.

وتؤكد القوى الغربية أنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب إيران إلى هذا المستوى، حيث لم تقم أي دولة أخرى بذلك دون إنتاج أسلحة نووية. فيما تنفي إيران هذه الادعاءات، مؤكدة أن برنامجها النووي ذو أهداف سلمية بحتة.