خروج «الحكمة» إلى المعارضة يفجر إشكالية الدولة والحكومة في العراق

انتقادات لتسلم قيادي في تيار الحكيم منصباً رفيعاً في رئاسة الجمهورية

TT

خروج «الحكمة» إلى المعارضة يفجر إشكالية الدولة والحكومة في العراق

ما أن أصدر الرئيس العراقي الدكتور برهم صالح مرسوما جمهوريا بتعيين أحد قياديي تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم المعارض مديرا عاما للدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية حتى بدأت الانتقادات سواء لمرسوم الرئيس أو لقبول «الحكمة» هذا المنصب.
ويرى مناوئو التعيين أنه لم يعد من حق «الحكمة» تسلم أي منصب من المناصب الحكومية كون رئاسة الجمهورية وفق الدستور هي أحد ركني الحكومة في العراق، بينما يرى المؤيدون لهذا التعيين أن هناك فرقا بين الدولة والحكومة، وأن المعارضة لا تشترك في المناصب السياسية مثل الوزارات أو الوكالات بينما هناك مناصب لكل الناس طبقا لمعايير الكفاءة والنزاهة خارج معايير المحاصصة وتقاسم السلطة.
وكان تيار الحكمة قرر الشهر الماضي الانتقال إلى المعارضة وعدم المشاركة في حكومة الدكتور عادل عبد المهدي رغم أنه كان «أحد أبرز الكتل السياسية التي شاركت في اختيار عبد المهدي لرئاسة الحكومة عبر تحالف الإصلاح الذي كان يترأسه الحكيم نفسه» طبقا لما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور خالد عبد الإله في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
وكان تيار «الحكمة» أعلن في بيان انتقاله إلى المعارضة أنه «بناءً على مراجعة الرؤى والقناعات السابقة المطروحة التي ناقشها المكتب السياسي بشكل مفصل فقد انتهى الاجتماع إلى أن يعلن (تيار الحكمة الوطني) عن تبنيه لخيار (المعارضة السياسية الدستورية الوطنية البنّاءة) والالتزام الكامل بهذا الخيار التياري وما يقتضيه، وما يستلزمُهُ من دورٍ وحراكٍ وأداءٍ ومواقفَ على الصعيد الوطني».
لكن عقب اختيار أحد قيادييه لمنصب حكومي كبير فضلا عن دفاعه عن أحقيته في مناصب الدولة لا الحكومة طبقا لما يسميها فقد احتدم الجدل في هذا المجال. وفي هذا السياق يقول نوفل أبو رغيف، عضو المكتب السياسي للتيار، إن هناك «افتراءات مكشوفة على فريق المعارضة وخلط مقصود للأوراق، لإفراغ الساحة والتفرد، بحجة مقاسات خاصة يريد البعض ترويجها عبث». ويوضح أبو رغيف أن «هناك قيادات تعمل منذ سنين طويلة ولديها خبرة 30 عاماً، ولأنها تنتمي إلى (الحكمة) المعارضة ينبغي طردها من الحكومة! هذا كلام غير معقول»، عاداً إياه «استفزازا ودعوة لإخراج منظومة التيار لكي تستفرد بعض القوى السياسية بالدولة وهذا ما لا نسمح به مطلقاً». ويرى أبو رغيف أن «المعارضة السياسية معارضة على غرفة القرار السياسي وفريق الحكومة وليست على منظومة الدولة».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور خالد عبد الإله فيرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «من الصعب فك الاشتباك بين الدولة والحكومة في العراق طالما بقي مفهوم المعارضة غامضا إلى حد كبير». ويضيف أن «المعارضة الإيجابية هي التي لا تحصل على ثقة البرلمان وبالتالي لن تشارك مع الكتلة الأخرى التي تشكل الحكومة وبالتأكيد هي الموالاة أو الكتلة الأكبر وبالتالي فإن دور هذه المعارضة هي مراقبة أداء الحكومة والبحث عن الثغرات الخاصة بعدم تنفيذ البرنامج الحكومي لكي تشكل من جهتها تكتلا من قوى أخرى في البرلمان قد يؤهلها لسحب الثقة عن الحكومة وتشكيلها من قبلها»، مبينا «إنها يمكن أن تشكل حكومة ظل وهو ما معمول به في العديد من التجارب الديمقراطية الراسخة في العالم مثل بريطانيا».
وبالحديث عن التجربة العراقية، يرى الدكتور عبد الإله أن «تجربة الموالاة والمعارضة عندنا في العراق ليست واضحة وبالتالي فإن هناك إشكالية في كيفية التمييز بين المناصب التي يمكن أن تتولاها المعارضة من عدمها»، مشيرا إلى أن «تيار الحكمة مثلا كان له دور كبير في تشكيل هذه الحكومة وبالتالي فإن عدم الحصول على المناصب ومن ثم الخروج إلى المعارضة يبقي مثل هذه الإشكالية قائمة لجهة الفصل بين الطرفين: الدولة والحكومة». وأوضح أن «(الحكمة) يمكن أن يكون نواة لتكتل معارض أكبر لكن ليس لكونه اعترض على البرنامج الحكومي ولديه برنامج منفصل بل لأن لديه إشكاليات مع القوى السياسية وأحيانا من قبل الحلفاء أنفسهم وهنا يمكن أن أتحدث عن المشروع العربي وزعيمه خميس الخنجر الذي قد يلتحق بالمعارضة لأنه لم ينل المناصب التي خصصت له ضمن المحاصصة أو التوازن».
في السياق نفسه، يقول القيادي في كتلة القرار، أثيل النجيفي، الذي لم يتسلم كيانه أي منصب وزاري لكنه لم يعلن خروجه إلى المعارضة، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا شك عندي بأن الدول الرصينة لا بد أن تبعد مناصب الدولة عن المواقع السياسية وكلما زاد الاستقرار بالإمكان التوسع في المناصب الحكومية والسياسية ولكن في الأزمات وعدم الاستقرار فإن الدول تلجأ إلى إعطاء فرصة أكبر لمناصب الدولة للمستقلين والمهنيين والابتعاد عن الخلاف السياسي». ويضيف النجيفي: «لكن مع الأسف ما يحدث في العراق هو العكس تماما إذ رغم حالة عدم الاستقرار إلا أن الأحزاب السياسية ما زالت تفكر بتقاسم المغانم أكثر من تفكيرها باستمرار منظومة الحكم». وبشأن الفرق بين الدولة والحكومة، يقول النيجفي «الفرق واضح ومعروف فإن المناصب السياسية الصرفة هي مناصب الوزراء حصرا، أما وكلاء الوزراء والمديرون العامون والهيئات الدائمة فكلها مناصب دولة ومهمتها المحافظة على استمرار مهام الدولة مهما تبدلت القوى السياسية الحاكمة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.