ميزان المدفوعات اللبناني يواجه عجزاً قياسياً

ودائع المصارف تتراجع 1.7% وتلحق بانكماش التمويل 5%

يعمل مصرف لبنان المركزي جاهداً للحفاظ على الاستقرار النقدي ومعدلات التضخم   (رويترز)
يعمل مصرف لبنان المركزي جاهداً للحفاظ على الاستقرار النقدي ومعدلات التضخم (رويترز)
TT

ميزان المدفوعات اللبناني يواجه عجزاً قياسياً

يعمل مصرف لبنان المركزي جاهداً للحفاظ على الاستقرار النقدي ومعدلات التضخم   (رويترز)
يعمل مصرف لبنان المركزي جاهداً للحفاظ على الاستقرار النقدي ومعدلات التضخم (رويترز)

ظهرت مؤشرات جديدة تدل على تفاقم الأزمة المالية في لبنان، وتقلص قدرات البنك المركزي والجهاز المصرفي التي كانت تتكفل بسد الاحتياجات المالية للدولة وللقطاع الخاص. توازياً مع الضمور المتزايد لحركة الرساميل والودائع الوافدة، بما يشمل حركة تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين، والبالغة بين 7.3 و8 مليارات دولار سنوياً.
ووفقاً لبيانات منجزة ومجمعة لدى مصرف لبنان، اطلعت «الشرق الأوسط» على معطياتها، سجل ميزان المدفوعات رقماً قياسياً وغير مسبوق في قيمة العجز الشهري خلال شهر مايو (أيار) الماضي، بما يصل إلى نحو 1882 مليون دولار، ليرفع قيمة العجز التراكمي في أول 5 أشهر إلى مستويات قياسية أيضاً عند نحو 5.2 مليار دولار، أي ما يزيد على 9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي المقدر بنحو 57 مليار دولار.
ومن اللافت أن العجز في ميزان المدفوعات يتوالى على مدى الأشهر الـ11 الماضية، ويتجه لإكمال سنة تامة بعد الإفصاح قريباً عن أرقام شهر يونيو (حزيران)، حيث تدل الإشارات الأولية إلى عدم حصول أي تطور يسهم في تصحيح هذا المسار. وتقارب الحصيلة الإجمالية نحو 10.4 مليار دولار للعجز التراكمي التواصلي المسجل بين نهاية مايو من العام الماضي، ونهاية الشهر عينه من العام الحالي.
وتمدد الضعف في الأداء إلى القطاع المصرفي، بخلاف تميزه المستدام ونجاحه في حفظ مقومات نموه وثباتها بما يفوق بأضعاف نمو الاقتصاد في السنوات الصعبة المتلاحقة منذ نشوء الأزمة السورية ربيع عام 2011، وما سببته من إرباكات على مجمل الحركة الإنتاجية والتشغيل في كل القطاعات وضغوط على مستوى الخدمات العامة والبيئة والإمداد بالطاقة الكهربائية وسواها. وذلك بفعل موجات نزوح متتالية أفضت إلى وجود نحو 1.3 مليون سوري، أي أكثر من ثلث اللبنانيين المقيمين. فضلاً عن تأثير الفراغات الرئاسية والحكومية لفترات متقطعة وطويلة نسبياً والإرباكات الداخلية والزيادات الكبيرة في الإنفاق العام والرواتب لموظفي الدولة، من دون التأكد من فاعلية إجراءات تحسين الواردات، التي أثبتت عقمها في تنفيذ موازنة العام الماضي.
ويؤكد مسؤول مصرفي لـ«الشرق الأوسط» أن المشكلة البنيوية الصعبة التي تواجهها البنوك، وتزيد حدة من شهر إلى شهر منذ عامين، تتعلق بالركيزة الأساسية للعمل المصرفي القائمة أصلاً على التمويل وإدارة الموارد في اتجاهاته المتنوعة بين الأفراد والمؤسسات... فبفعل الاختلالات في الأموال الوافدة وتراجع الودائع وارتفاع الفوائد المعروضة، زادت الضغوط كثيراً على المحافظ الائتمانية لدى المصارف.
وزادت سرعة الانكماش التسليفي بنسبة تجاوزت 5 في المائة خلال الأشهر القليلة الماضية، وتوازي نحو 3 مليارات دولار. وهي موزعة بين تراجع في التسليفات للقطاع الخاص المحلي بقيمة 2.6 مليار دولار، من 51.8 مليار دولار في نهاية العام الماضي، إلى 49.2 مليار دولار في نهاية مايو... وبين تراجع إضافي في التسليفات للقطاع الخاص غير المقيم بنحو 480 مليون دولار، أي من 7.11 مليار دولار إلى 6.63 مليار دولار.
وتشهد المصارف، للمرة الأولى منذ سنوات، هبوطاً مثيراً في بند ودائع الزبائن الإجمالية، بلغ نحو 3 مليارات دولار توازي نسبة 1.74 في المائة خلال 5 أشهر. أي من نحو 172 مليار دولار في نهاية العام الماضي إلى نحو 169 مليار دولار في نهاية شهر مايو الماضي. وذلك رغم الارتفاعات المطردة في مستويات العوائد التي تراوح بين 10 و15 في المائة على الليرة، بحسب فترة تجميد الوديعة، بينما تقل إلى ما بين 6 و11 في المائة على الدولار. كما تعرض بعض المصارف برامج ادخارية بفوائد جزيلة على الودائع الجديدة.
ويستدل من البيانات المجمعة أن التراجع المسجل يشمل بندي ودائع المقيمين وغير المقيمين على السواء. ويعتمد البنك المركزي تصنيفاً للمودعين بحسب أماكن العمل والإقامة؛ ما يعني أن الجزء الأكبر من ودائع غير المقيمين تعود للبنانيين عاملين في الخارج أو مغتربين. وبالتفصيل، تدنت ودائع المقيمين من نحو 135 مليار دولار إلى نحو 133 مليار دولار في 5 أشهر، وتراجعت ودائع غير المقيمين في الفترة ذاتها، من نحو 37.2 مليار دولار إلى 36.3 مليار دولار.
ويشير رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه إلى أن «المصارف اللبنانية أثبتت في الإجمال خلال الأزمة المالية العالمية قدرتها على امتصاص الصدمات وتكبد أضرار أقل مقارنة بالمصارف العالمية، نتيجة الإطار الرقابي الفعال والممارسات الفضلى في مجال إدارة المخاطر، ومع صدور معايير بازل 3، أكملت المصارف اللبنانية مسارها نحو تحقيق نمو قوي في نشاطاتها مع رفع مستوى رساميلها وتحسين نوعيتها بما يفوق الحدود الدنيا، وذلك قبل سنوات عدة من فترة الالتزام النهائية في يناير (كانون الثاني) 2019، حيث ظلت تتمتع بسيولة كافية مكّنتها من مواجهة العقبات المستقبلية وأي أزمات محتملة على المدى القصير الأجل عن طريق نسبة تغطية سيولة مرتفعة، وعلى المستوى الطويل الأجل عن طريق نسبة صافي التمويل الثابت؛ وهي نسبة مرتفعة أيضاً».
وتوقع طربيه أن تشكل التعديلات الجديدة التي أقرتها لجنة بازل، والتي تدخل حيز التنفيذ بحلول يناير 2022، ضغطاً على رساميل المصارف العالمية عامة واللبنانية خاصة، التي بدأت بالتحضير لمرحلة الالتزام عبر إعادة تدوير جزء كبير من أرباحها، وتحسين نوعية موجوداتها المرجحة بأوزان المخاطر، ورفع مستويات التحوط واتباع سياسة تسليف واستثمار أكثر انتقائية في مختلف الأسواق المحلية والعالمية.
كما لفت إلى الالتزام المبكر للمصارف اللبنانية بالمعيار الدولي للتقارير المالية (IFRS 9) الصادر عن مجلس معايير المحاسبة الدولي والمتعلق بالأدوات المالية والمخصصات المالية. وأبرز ما فيه ضرورة تعزيز التنسيق بين الوحدات المتخصصة داخل المؤسسات ومع مفوضي الرقابة، وتحقيق التكامل والتوافق بين البيانات المالية والمخاطر، إضافة إلى تحديات جمع وحفظ البيانات التاريخية الضرورية لوضع النماذج الخاصة بالخسائر الائتمانية المتوقعة وتحديات البنية التحتية وأنظمتها.



«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

علَّق البنك المركزي الصيني شراء سندات الخزانة يوم الجمعة، مما رفع العائدات لفترة وجيزة وأثار تكهنات بأنه يكثف دفاعه عن عملة اليوان التي تتراجع منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وتقطع هذه الخطوة خمسة أشهر من الشراء، وتتزامن مع موجة بيع شرسة في أسواق السندات العالمية، مما يشير إلى أن بنك الشعب الصيني يحاول أيضاً ضمان ارتفاع العائدات في الداخل بالتوازي، أو على الأقل وقف الانخفاض، كما يقول المحللون.

وعقب الإعلان عن الخطوة، ارتفعت العائدات التي تتحرك عكسياً مع أسعار السندات، رغم أن أسعار الفائدة القياسية لأجل عشر سنوات كانت أقل قليلاً بحلول المساء.

ويشير التحول في السياسة واستجابة السوق الحذرة، إلى محاولة بنك الشعب الصيني إحياء النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على ظروف نقدية ميسرة في حين يحاول أيضاً إخماد ارتفاع السندات الجامح، وفي الوقت نفسه استقرار العملة وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وقال محللون في «كومرتس بنك» في مذكرة: «لقد أشار البنك إلى استعداده لتخفيف السياسة بشكل أكبر... ومع ذلك، فإن ضعف اليوان بسبب الدولار القوي واتساع الفارق مع أسعار الفائدة الأميركية من شأنه أن يعقد موقف بنك الشعب الصيني».

واستشهد بنك الشعب الصيني بنقص السندات في السوق كسبب لوقف عمليات الشراء، والتي كانت جزءاً من عملياته لتخفيف الأوضاع النقدية وتعزيز النشاط الاقتصادي.

وكان عائد سندات الخزانة الصينية لأجل عشر سنوات قد ارتفع في البداية أربع نقاط أساس، لكنه انخفض في أحدث تداولات بأكثر من نصف نقطة أساس إلى 1.619 في المائة. وارتفع اليوان قليلاً رغم أنه كان يتداول عند مستوى ثابت حول 7.3326 يوان مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له في 16 شهراً.

وقال كين تشيونغ، كبير استراتيجيي النقد الأجنبي الآسيوي في بنك «ميزوهو»: «أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة اليوان هو اتساع فجوة العائد بين الصين والولايات المتحدة، لذا فإن البنك المركزي يرسل إشارة إلى السوق بأن معدل العائد من غير المرجح أن ينخفض ​​أكثر».

وقال البنك المركزي الصيني في بيان إنه سيستأنف شراء السندات عبر عمليات السوق المفتوحة «في الوقت المناسب حسب العرض والطلب في سوق السندات الحكومية».

وكانت أسعار السندات في الصين في ارتفاع مستمر منذ عقد من الزمان - وهو الارتفاع الذي بدأ في الزيادة منذ ما يقرب من عامين حيث تسببت مشكلات قطاع العقارات وضعف سوق الأسهم في تدفق الأموال إلى الودائع المصرفية وسوق الديون.

وهذا الأسبوع شهدت السوق موجة بيع عالمية، والتي زادت بفضل الطلب الذي لا يقاوم على الأصول الآمنة ومراهنات المستثمرين على المزيد من خفض أسعار الفائدة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وحذر بنك الشعب الصيني لشهور من مخاطر الفقاعة مع انخفاض العائدات طويلة الأجل إلى مستويات قياسية متتالية، على الرغم من أن السلطات في الوقت نفسه توقعت المزيد من التيسير. وهبطت العملة بنحو 5 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى المخاوف من أن تهديدات ترمب بفرض تعريفات تجارية جديدة ستزيد من الضغوط على الاقتصاد الصيني المتعثر.

وقال هوانغ شيويفينغ، مدير الأبحاث في شركة «شنغهاي أنفانغ برايفت فاند كو» في شنغهاي، إنه يتوقع استمرار الاتجاه الهبوطي في عائدات السندات مع «استمرار السوق في التعامل مع وضع التكالب على الأصول»، حيث يوجد نقص في فرص الاستثمار الجيدة... ويوم الجمعة، نقلت «فاينانشيال نيوز»، وهي مطبوعة تابعة لبنك الشعب الصيني، عن أحد خبراء الاقتصاد قوله إن السوق يجب أن تتجنب التوقعات المفرطة بشأن تخفيف السياسة النقدية.

وفي الأسواق، أنهت أسهم الصين وهونغ كونغ الأسبوع على انخفاض مع امتناع المتداولين عن زيادة استثماراتهم في السوق وانتظار تدابير تحفيزية جديدة من بكين.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» الصيني ومؤشر «شنغهاي المركب» على انخفاض بنحو 1.3 في المائة يوم الجمعة. وانخفض مؤشر هانغ سنغ القياسي في هونغ كونغ 0.9 في المائة. وعلى مستوى الأسبوع، انخفض مؤشر «سي إس آي 300» بنسبة 1.1 في المائة، بينما انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 3.5 في المائة.

وقال محللون بقيادة لاري هو، من مؤسسة «ماكواري» في مذكرة: «السؤال الرئيسي في عام 2025 هو مقدار التحفيز الذي سيقدمه صناع السياسات. سيعتمد ذلك إلى حد كبير على تأثير التعريفات الجمركية، حيث سيفعل صناع السياسات ما يكفي فقط لتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي. ويشعر عدد قليل من المستثمرين أن السوق صاعدة، حيث تظل أرباح الشركات ضعيفة وسط ضعف الطلب المحلي. والرأي السائد هو أن السيولة ستصبح أكثر مرونة في عام 2025 ولكن النمو الاسمي سيظل بطيئاً».