غضب ميسي يسلط الضوء على الجدل الدائر حول تقنية حكم الفيديو المساعد

تعد الاستعانة بتقنية حكم الفيديو المساعد (الفار) لحظة فارقة في تاريخ كرة القدم، التي يمكن تقسيمها الآن إلى حقبتين؛ حقبة ما قبل الفار، وحقبة ما بعد الفار. ولا يمكن أن نشهد أي نقاش الآن عن كرة القدم من دون التطرق للحديث عن هذه التقنية. لقد كان البعض يعتقد أن الاستعانة بتقنية حكم الفيديو المساعد ستؤدي إلى إنهاء الجدل في هذه اللعبة، لكن ثبت أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، لأن الحقيقة هي أن هذه التقنية قد زادت من حدة الخلافات والجدل، لأن القرارات التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها تقييم لحكم المباراة في مواقف صعبة بات ينظر إليها الآن على أنها جزء من فشل أكبر وخطوة صغيرة من مؤامرة شاملة.
وفي الماضي، وحتى وقت قريب، كان سينظر إلى فوز البرازيل على الأرجنتين بهدفين دون ردّ، في الدور نصف النهائي لكأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا)، على أنه انتصار صعب للبلد المضيف، وكان كل الحديث سيدور حول مستوى النجم البرازيلي غابرييل جيسوس الذي أحرز الهدف الأول، والتعاون بينه وبين زميله روبرتو فيرمينو، الذي أضاف الهدف الثاني في الشوط الثاني بعد مجهود رائع من جيسوس مرة أخرى. وعلى المدى الطويل، ربما كان سيُطرح سؤال حول جاهزية نيمار وتوقيت عودته لصفوف المنتخب البرازيلي، وما إذا كانت البرازيل أكثر هدوءاً وتوازناً من دونه.
وكانت الأرجنتين ستتحدث عن ضربة الرأس التي سددها سيرجيو أغويرو في العارضة، والمجهود الذي بذله ليونيل ميسي والكرة التي سددها في القائم، وعن خروج المنتخب الأرجنتيني مرة أخرى من بطولة كبرى. وقد كان أداء المنتخب الأرجنتيني في هذه المباراة هو الأفضل على الإطلاق تحت قيادة ليونيل سكالوني، الذي سيقال من منصبه على الأرجح بعد مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع، وربما كان ذلك أفضل أداء له منذ الفوز على باراغواي في الدور قبل النهائي في بطولة كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا) 2015.
ورغم أن أغويرو وميسي لم يقدما الأداء المنتظر منهما في هذه البطولة، فقد أظهر بعض اللاعبين الشباب في منتخب الأرجنتين أداء يبشر بمستوى أفضل خلال الفترة المقبلة، مثل لاوتارو مارتينيز، ونيكولاس تاليافيكو، ولياندرو باريديس. لكن بدلاً من ذلك، كان الحديث بالكامل بعد المباراة يدور حول تقنية حكم الفيديو المساعد؛ حيث قال ميسي: «لقد كان الملعب يميل ضدنا. يتعين على مسؤولي اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم القيام بشيء ما. لقد سئموا في هذه البطولة من احتساب ركلات جزاء غريبة ولمسات يد غبية ولم يستعينوا بتقنية حكم الفيديو المساعد. لقد كان هناك ركلتا جزاء لنا لم يتم احتسابهما. لقد كنا نحصل على كل أشكال الإنذارات، أم هم فلا. هذه الأشياء تتسبب في إزعاجك وإخراجك من المباراة. الحكم لم يكن عادلاً».
وكانت الحالتان اللتان أشار إليهما ميسي في آخر 20 دقيقة من المباراة، ففي اللعبة الأولى كان أغويرو يريد أن يركض باتجاه تمريرة ميسي، قبل أن تتم عرقلته من داني ألفيش داخل منطقة الجزاء. وتم تشتيت الكرة وانطلق جيسوس للأمام بسرعة، ليصنع الهدف الثاني الذي سجله فيرمينيو. ولو تم احتساب هذه المخالفة ركلة جزاء لتغيرت نتيجة المباراة تماماً، لكن هذا لم يحدث.
وهنا تسببت تقنية حكم الفيديو المساعد في مشكلة أخرى. للوهلة الأولى، بدا الأمر وكأنه لم تكن هناك أي مخالفة؛ حيث بدا الأمر وكأن داني ألفيش ينظر إلى ميسي، وكأن أغويرو هو من ركض باتجاهه. وفي هذه اللحظة، كان الاعتراض الأرجنتيني الوحيد من جانب سكالوني، ولم يعترض أي لاعب من لاعبي الأرجنتين، رغم أن أغويرو سقط أرضاً. وكان من المفترض أن تتم الاستعانة بتقنية حكم الفيديو المساعد لمشاهدة اللعبة مرة أخرى، لكن من كم زاوية؟ فكما أظهرت ركلة الجزاء التي احتسبت لإنجلترا في الدور نصف النهائي لكأس العالم للسيدات، فإن ما يبدو عادياً من زاوية يبدو مختلفاً تماماً من زاوية أخرى.
أما اللعبة الثانية فكانت أكثر من مجرد احتكاك بسيط؛ حيث تحرك نيكولاس أوتاميندي لاستقبال الكرة العرضية من ركلة ركنية، لكن أرثر أعاقه وتدخل عليه من الكتف. ومرة أخرى، عندما تشاهد اللعبة للمرة الأولى تبدو الأمور عادية تماماً، مثل التدخلات الطبيعية التي تحدث داخل منطقة الجزاء. لكن عندما نرى اللعبة من أكثر من زاوية يصبح من الواضح تماماً أن أرثر قد أعاق أوتاميندي بكتفه في تدخل قوي، فهل كان يجب أن يتم احتساب خطأ؟
وهذه نتيجة أخرى لتقنية حكم الفيديو المساعد، فلا يمكن لأي شخص، بغض النظر عن خبرته في مشاهدة مباريات كرة القدم، أن يثق في عينيه للوهلة الأولى! ولم تعد الخبرات التي اكتسبها اللاعبون والحكام والمشاهدون على مدار السنين وإحساسهم بأن اللعبة تبدو خطأ من أول نظرة، سارية أو مطبقة كما كان الأمر في الماضي.
والأسوأ من ذلك يتمثل في أن القانون يختلف من وقت لآخر، ومن مكان لآخر داخل الملعب. وتتم الاستعانة بتقنية حكم الفيديو المساعد في بعض الحالات – الحالات التي تكون داخل منطقة الجزاء أو التي تؤدي إلى هدف – في حين لا يتم الاعتماد على التقنية في حالات أخرى. فقد لا يتم الاعتماد على تقنية حكم الفيديو المساعد في لعبة في منتصف الملعب، لكن يتم اللجوء إليها في المخالفات التي تكون داخل منطقة الجزاء. والآن أصبح أقل تدخل داخل منطقة الجزاء عرضة لاحتساب ركلة جزاء. وفي الحقيقة، يبدو أن ميسي كان محقاً في تصريحاته بشأن تقنية حكم الفيديو المساعد، وفيما يتعلق بالحالات التي كان يتعين فيها الاستعانة بالتقنية، والكيفية التي يحدث بها ذلك. ويظل ميسي بلا لقب مع المنتخب الأرجنتيني حيث يرجع آخر لقب حققه المنتخب الأرجنتيني لعام 1993 عندما توج بلقب «كوبا أميركا».
وبعد المواجهة بين المنتخبين، تقدم الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم بشكوى رسمية لاتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم (كونميبول) ينتقد فيه مستوى التحكيم خلال المباراة. وادعى الاتحاد الأرجنتيني أن المنتخب تأذى بشكل واضح من قرارات الحكم الإكوادوري رودي زامبورانو خلال المباراة. ونشر الاتحاد الأرجنتيني على موقعه الإلكتروني، الخطاب المكون من 6 ورقات والذي تم إرساله لكونميبول. وركّز الاتحاد الأرجنتيني في خطابه، على أن عدم الاستعانة بتقنية حكم الفيديو المساعد (فار) للتحقق من قرارين، كان من الممكن أن يؤدي إلى احتساب ركلتي جزاء بعد ارتكاب خطأين بحق أغويرو وأوتاميندي.