موجة انتقادات لقائد عمليات البصرة

بعد تهديده باعتقال صحافيين في حال تغطية احتجاجات

قائد عمليات البصرة قاسم نزال
قائد عمليات البصرة قاسم نزال
TT

موجة انتقادات لقائد عمليات البصرة

قائد عمليات البصرة قاسم نزال
قائد عمليات البصرة قاسم نزال

أثارت تصريحات أدلى بها قائد عمليات البصرة الفريق الركن قاسم نزال، هدد فيها بمعاقبة الصحافيين الذين يقومون بتغطية المظاهرات، موجة اعتراضات وانتقادات شديدة من فعاليات حقوقية ومدنية ونقابية عديدة، فضلاً عن جهات عسكرية وأمنية. وأصدرت وزارة الدفاع على خلفية التصريحات، أمس، تعليمات حددت بموجبها مسألة التعاطي مع وسائل الإعلام والجهة المخولة بالتصريح.
وشددت تعليمات وزارة الدفاع على إلغاء كافة الصفحات الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لمنتسبيها، ومنعت الجميع بمن فيهم القادة، من الإدلاء بأي تصريحات صحافية، وحصرت ذلك بالمتحدث الرسمي باسمها فقط.
وأصدرت خلية الإعلام الأمني التابعة لقيادة العمليات المشتركة أمس، بياناً مقتضباً، قالت فيه إنها: «تكن كل الاحترام والتقدير للإعلاميين والمؤسسات التي يعملون بها وفق الصلاحيات الدستورية والقانونية وتوصي جميع القادة العسكريين بالابتعاد عن التصريحات الإعلامية المتسرعة وتقديم الدعم لوسائل الإعلام». ودعت الإعلاميين إلى التنسيق معها حصرياً في تغطياتهم الإخبارية، لأنها «الجهة الوحيدة المخولة بالتنسيق مع وسائل الإعلام».
وكان الفريق قاسم نزال قائد عمليات البصرة، قال في تصريحات صحافية أول من أمس: «لا توجد مظاهرات عفوية ويجب أن تلتزم بأخذ الموافقات الأمنية من قبل محافظ البصرة ويحدد زمانها ومكانها». وأضاف أن «الإعلامي الذي نمسكه بمظاهرة غير مرخصة سنضعه في التوقيف». وشهدت محافظة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط في الأسابيع الأخيرة، موجة جديدة من المظاهرات الاحتجاجية المطالبة بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد وتوفير فرص عمل للعاطلين.
ورفضت «نقابة الصحافيين» العراقيين و«مرصد الحريات الصحافية» و«جمعية الدفاع عن الصحافيين» تصريحات قائد العمليات. واعتبر مسؤول فرع نقابة الصحافيين في البصرة عباس الفياض، أن «قائد عمليات البصرة قد أخطأ بشكل كبير في تقدير عمل الصحافي المهني الذي يؤديه رواد هذا الميدان رغم خطورته».
وقدّم المحافظ أسعد العيداني، بوصفه رئيساً للجنة الأمن العليا في البصرة، اعتذاره إلى كافة الصحافيين. وقال العيداني خلال لقائه الإعلاميين والصحافيين أمس، إن «التصريحات (قائد العمليات) ذات طابع عسكري ولا يقصد بها الإساءة، لأن العسكري عادة ما يكون شديداً». ودعا الجميع إلى «تخطي التصريحات والرجوع إلى أساسها» ووعد بعدم تكرارها مرة أخرى. وفي وقت لاحق من يوم أمس، أبدى قائد عمليات البصرة الفريق الركن قاسم نزال استعداده للقاء بالصحافيين والإعلاميين في المحافظة من أجل إيضاح حقيقة التصريح الذي أدلى به مؤخراً بشأن التهديد بالاعتقال، مشيراً إلى أن «الصحافيين إخوة شاركوا في جبهات القتال للتغطية الإعلامية».
وقال نزال في تصريحات لراديو «المربد» المحلي إن «التصريح باعتقال من يغطي المظاهرات غير المرخصة لم يكن رسمياً وإنما صدر من أجل (التلاطف) مع الصحافيين والمجاملة، ولم يكن وراء القصد منه الاعتقال الحقيقي».
من جهته، اعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي أنه «لا يحق لأي جهة منع أو عزل وسائل الإعلام وحرمانها من تغطية المظاهرات المطلبية المحقة». وقال البياتي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «العراق بلد ديمقراطي والحقوق مكفولة فيه حسب الدستور والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحرية التعبير والتظاهر والإعلام مكفولة بضوء تلك اللوائح».
وأشار إلى أن «مهمة القوات الأمنية عدم السماح بالتجاوز على المال العام، وتوفير الحماية للمتظاهرين ووسائل الإعلام بنقل الأحداث والمظاهرات المحقة، وليس إعاقة حركة تلك الوسائل ومحاسبتها». ودعا «مرصد الحريات الصحافية»، القائد العام للقوات المسلحة إلى تبيان موقفه من تصريحات قائد عمليات البصرة. وعد المرصد في بيان أمس، أن «التصريحات مخالفة واضحة لبنود الدستور العراقي والمادة (38)، التي تكفل الدولة بموجبها، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة، بالإضافة إلى حرية الاجتماع والتظاهر السلمي».
ونقل المرصد عن الإعلامي والأكاديمي نبيل وداي، قوله إن «قائد العمليات لم يشر إلى مادة قانونية تسمح له باعتقال الإعلامي، ورجل أمن بهذا المنصب الرفيع ينبغي أن تكون عباراته قانونية دقيقة وواضحة».
وأضاف وداي متسائلاً: «هل يعتقد قائد عمليات البصرة أنه قادر فعلاً على منع تغطية المظاهرات إعلامياً؟ كل متظاهر يحمل كاميرته الخاصة وبعض قنوات اليوتيوب أكثر انتشارا من العديد من القنوات الفضائية». كذلك أكد نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية نايف الشمري، أمس، أن «حرية التعبير عن الرأي حق كفله الدستور، وأي محاولات لتكميم الأفواه هو تجاوز وخرق للدستور». وقال الشمري في تصريحات لوسائل إعلام محلية: «في الوقت الذي نؤكد فيه رفضنا للتصريحات التي نسبت لقائد عمليات البصرة في تهديده للصحافيين بالاعتقال، فإننا نشدد على أن محاولات تحجيم دور الإعلام الوطني في نقل الحقيقة وصوت الشارع، هو تجاوز على حق دستوري لن نسمح به».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.