«الحراك الجزائري» يردّ على دعوة بن صالح للحوار بضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين

سياسيون يرون أن عرض الرئيس الانتقالي «يفتقر لآليات تحقق له النجاح»

TT

«الحراك الجزائري» يردّ على دعوة بن صالح للحوار بضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين

فيما لاحظ مراقبون بالجزائر أن مقترح الحوار الذي عرضه الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح على الحراك الشعبي، يفتقر لآليات تحقق له النجاح، أبدت الطبقة السياسية من جانبها شكوكا قوية في نية السلطات إحداث تغيير حقيقي، رغم تعهدات بن صالح بإبعاد الجيش وقيادته عن ترتيبات المرحلة المقبلة.
وقال جلول جودي، قيادي «حزب العمال» اليساري، تعليقا على مقترحات رئيس الدولة بخصوص الحوار «إنهم ينادون إلى الحوار، في حين يوجد في السجن معتقلون سياسيون». في إشارة إلى زعيمة الحزب لويزة حنون، التي سجنها الجيش بتهمة «التآمر على سلطة الدول والمس بالجيش». كما يشير، ضمنا، إلى سجن رجل الثورة الرائد لخضر بورقعة (86 سنة) بتهمة «إضعاف معنويات الجيش». وبحسب جودي «فقد ابتعد بن صالح في مقترحاته عن مطالب الحراك، وهي تغيير النظام بصفة جذرية».
وذكر بن صالح في خطاب الليلة ما قبل الماضية أن الحوار الذي سبق أن وعد به «سيتمّ إطلاقه من الآن، وستتمّ قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قبل شخصيات وطنية مستقلّة ذات مصداقية». من دون ذكر أسماء، وترك انطباعا بأن القضية متروكة للحراك، ولنشطائه لاختيار «الشخصيات المستقلة».
وأكد بن صالح أنّه بغية «إبعاد أي تأويل أو سوء فهم، فإنّ الدولة بجميع مكوّناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية، لن تكون طرفاً في هذا الحوار، وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا المسار». واعتبر الرئيس الانتقالي أنّ مبادرته هذه تُمثّل «مقاربة عقلانية وسليمة»، ولذلك فإنه ينتظر أن «تحظى بقبول جميع مواطنينا، كونها تعتبر الخيار الوحيد القادر على منحهم الكلمة الأخيرة لاختيار بكل سيادة وحرية وشفافية الشخصية، التي يرغبون في تكليفها بمهمة قيادة هذا التغيير، الرامي إلى إرساء نظام جديد للحكامة».
وراجت أمس أخبار عن اتصالات أجرتها السلطات مع رئيسي الوزراء سابقا مولود حمروش (1990 - 1991) ومقداد سيفي (1994 - 1995) ليكونا ضمن «الشخصيات المستقلة». أما رئيس البرلمان السابق كريم يونس فقد نفى في حسابه بـ«فيسبوك»، أنباء تحدثت عن اختياره كعضو في «فريق الشخصيات». كما رفض رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور (2000 - 2001) في تصريحات للصحافة فكرة الانضمام إلى الفريق المرتقب.
وسبق لقائد الجيش الجنرال قايد صالح أن دعا إلى الحوار، لكن من دون تفصيل، ودون أن تجد دعوته صدى إيجابيا لدى المتظاهرين، الذين يستعدون اليوم لـ«مليونية خاصة»، قياسا إلى خصوصية الحدث، وهو مرور 57 سنة على استقلال البلاد (5 يوليو (تموز) 1962). كما سبق لبن صالح نفسه أن دعا إلى الحوار. غير أن «حراك الجمعة» أجابه بـ«ضرورة أن يتنحى هو عن السلطة قبل أي حديث عن الحوار». وقد تطورت مواقف المتظاهرين لاحقا بأن تنازلوا عن هذا الشرط. غير أنهم طالبوا برحيل رئيس الوزراء نور الدين بدوي. بدوره دعا الأخضر بن خلاف، وهو قيادي داخل الحزب الإسلامي (جبهة العدالة والتنمية)، إلى «الإفراج عن سجناء الرأي وعلى رأسهم بورقعة، كضمانة حقيقية لجدية مسعى الحوار»، كما طالب بتنحي رئيس الوزراء.
من جانبه، رحب ناصر حمدادوش، قيادي الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، بـ«كل دعوة للحوارـ وبأي مبادرة جادّة في اتجاه الحل الذي ينشده الشعب الجزائري. ولكن بالإرادة الصادقة وبالجدّية اللازمة، وبالمخرجات الملزمة وبالروح التوافقية الجماعية». موضحا أنه «لا يوجد خلاف على ضرورة العودة للمسار الانتخابي، والبدء بالانتخابات الرئاسية، والحرص على نزاهة الانتخابات، ولكن النقاش كله حول الآليات التي تضمن هذه النزاهة، وحول البيئة التي تسمح للهيئة الوطنية أن تؤدي مهامها، بما يضمن الانتقال الديمقراطي الحقيقي، الذي يجسد الإرادة الشعبية الحقيقية».
وأكد حمدادوش أن «هناك إشكالية كبيرة فيمن يشرف على هذا الحوار، وكيف يتم اختيار الأشخاص، ومدى الالتزام بالمواصفات والمعايير التي تضمن المصداقية، والنجاح في هذه المهمة الحساسة والدقيقة في تاريخ البلاد». مشددا على أن استمرار الحراك الشعبي وزخمه وسلميته وبُعده الوطني «يبقى هو الضامن والحاسم في رحلة الانتقال الديمقراطي الصادق». من جهته، قال مراد بياتور، المتحدث باسم «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (تيار علماني)، إنه «من الأجدر أن يكون الحوار على آليات المرحلة الانتقالية، والهيئات التي تسيرها وكيفية ضمان الحريات، وسيادة القانون واستقلال العدالة، وهذا حتما يمر عبر تحرير الإعلام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فلا يمكن أن نتحاور في ظل وضع يتسم بتضييق رهيب على الحريات»، في إشارة إلى حملة اعتقالات طالت عشرات المتظاهرين.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».