ينشغل الرئيس العراقي فؤاد معصوم بأكثر من قضية، فبعد ماراثون تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي، الذي قرب فيه الرئيس معصوم وجهات نظر بعض الأطراف من أجل دعم مهمة العبادي في الإسراع بوضع التشكيلة الوزارية، يعمل اليوم لوضع تصوراته حول «لقاءات شهرية تجمع الرئاسات الثلاث؛ البرلمان، والجمهورية، والوزراء، مع نوابهم ورؤساء الأحزاب والكتل السياسية للتداول من أجل تذليل العقبات»، ليتفرغ بعدها لإجراء «لقاءات مع الأدباء والصحافيين وأساتذة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني».
الرئيس معصوم بادرنا منذ بداية اللقاء به بأنه قرر «حذف وصف (فخامة)، والإبقاء على التعريف الوظيفي (رئيس الجمهورية)»، إيمانا منه بأن «الألقاب لا تقيم الناس، بل إن أفعالهم هي التي تقيمهم». وفي أول حديث له بعد تشكيل الحكومة لوسيلة إعلامية، عبر لـ«الشرق الأوسط» بمقر إقامته في بغداد عن تفاؤله بنجاح الحكومة الجديدة، ووصفها بـ«الناجحة».
وفيما يلي نص الحوار:
> منح مجلس النواب العراقي الثقة لحكومة الدكتور حيدر العبادي قبل أيام، هل جاءت هذه الحكومة بولادة قيصرية؟
- في بلد مثل العراق وفي مثل هذه الظروف، لا بد أن تكون الحكومة ذات قاعدة واسعة، وحكومة ذات قاعدة واسعة تحفها المشاكل، فكل طرف يريد أن ينحاز البرنامج الحكومي له، ويعتبر طروحاته من أهم الأولويات، وكل واحد يريد إضافة نقاط هنا وهناك، وكأن البرنامج الحكومي هو برنامج حزبي، بينما أي حكومة تتشكل لا بد أن تضع أمام أعينها نقاطا أساسية. وفي العراق عندنا أولويات لا بد أن نتفق عليها؛ وهي: محاربة الإرهاب وتوحيد المواقف من الإرهاب، والاهتمام بالخدمات، وإعادة تنظيم الجيش والأجهزة الأمنية. وكل هذه الأمور مترابطة بعضها مع بعض. ومن العقبات التي واجهت تشكيل الحكومة هي أن كل طرف يريد من يمثله في التشكيلة الوزارية، حتى يصل الوضع إلى ضرب أخماس في أسداس ضمن النسبة المئوية، لكن في الوضع العراقي نرى أنه يجب رفع النسبة إلى 200 في المائة لضمان طلبات التمثيل في الحكومة، لهذا دائما هناك مصاعب كثيرة مع كل تشكيل وزاري جديد، وتؤدي إلى بعض المشاكل مثلما حدث ليلة التصويت على الحكومة تحت قبة البرلمان حيث المشادات الكلامية والخلافات، لكن في النهاية الحكومة تشكلت، وهذا أهم إنجاز. صحيح أن بعض الوزارات بقيت شاغرة، ويمكن هذا لمقتضيات المصلحة العامة، ولكن لا يعني هذا أن تسند هذه الوزارات لرئيس الحكومة.. لا بد أن يتم الاتفاق على أن يكون من تسند إليهم الحقائب الأمنية أصحاب اختصاص، ويجب التأكد من ذلك؛ إذ إن وزارتي الدفاع والداخلية مسألة ليست سهلة على الإطلاق.. وسوف يتم تسمية وزرائها خلال أسبوع وربما أسبوعين.
> تطلقون، مع غالبية السياسيين، صفة «التغيير» على هذه الحكومة، ترى أين هو التغيير مع أن كثيرا من أسماء الوزراء بقيت مثلما هي؟
- التغيير لا يكون بالأسماء والأشخاص، الحكومة مصرة على أن تكون سياستها تتفق مع الواقع الذي نحن فيه، ورئيس الحكومة وأغلب أعضائها الذين التقيت بهم وناقشتهم وجدتهم متفائلين بنجاح عمل هذه الحكومة، وعلينا أن نحاول دعمها من أجل أن تنجح، ومع أن تشكيل الحكومة من مهام الأطراف السياسية، لكن بعض الأطراف رغبت في تدخلي من أجل دفع العملية إلى الأمام.
> هناك من يشيع بأنكم كنتم قاب قوسين أو أدنى من تكليف نوري المالكي بتشكيل الحكومة والبقاء في منصبه لولاية ثالثة، ما حقيقة هذا الأمر؟
- لو كنت أريد تكليف الأخ المالكي كنت فعلت ذلك في أول يوم عندما تم اختياري رئيسا للجمهورية وأدائي اليمين الدستورية في مجلس النواب. والمالكي صديقي وعلاقتنا جيدة، لكن بالتأكيد العلاقة الشخصية شيء، والتشاور مع الآخرين والمصلحة العامة شيء آخر.
> كيف تنظرون للموقف الكردي وعدم حضور الوزراء الأكراد خلال منح الثقة للحكومة في البرلمان؟
- الأكراد بشكل عام عندهم معاناة مع الحكومة الاتحادية السابقة، مثلا عندما قطعت بغداد المستحقات المالية عن أربيل وحرمت الموظفين هناك من رواتبهم، وأنا كنت عضوا في مجلس النواب وأبلغت المسؤولين ببغداد وقلت لهم لا تعتقدوا بأنكم إذا فعلتم ذلك سيبدأ ربيع كردي في إقليم كردستان، وستقوم مظاهرات وسيهاجمون مقرات حكومة الإقليم.. بل على العكس من ذلك فإن الذاكرة الكردية ستتذكر مباشرة تاريخ التعامل السيئ للحكومات العراقية مع الأكراد وسيقول الشعب الكردي إن هذه الحكومة (السابقة) لا تختلف عن سابقاتها في إلحاق الأذى بالشعب الكردي، لذلك كانت هناك حاجة للمزيد من النقاش بين الأطراف الكردية قبل الموافقة على المشاركة في هذه الحكومة، وهذا من حقهم. لكن بالنتيجة الأكراد قرروا المشاركة في هذه الحكومة ودعمها مع تقديم بعض النقاط التي اتفقت عليها الأطراف الكردية.
> شاركوا ضمن شروط وضمانات؟
- نعم المفروض أن يتم هذا، هناك ضمانات سياسية وأخلاقية، ومن حق الجميع؛ السنة والشيعة والأكراد، وكل من يشارك في الحكومة أن يطالبوا بضمانات، ولكن لا نعني بالضمانات القسم بالالتزام بهذه الضمانات، لا، وإنما بالاتفاق على البرنامج الحكومي وآلية تنفيذ البرنامج، وبعض النقاط تحتاج إلى سقف زمني لتنفيذ هذه النقطة أو تلك، وهناك نقاط تحتاج إلى 6 أشهر لتحقيقها وأخرى لا تحتاج سوى أسابيع، وعندما نلمس أن هناك جدية في تنفيذ البرنامج، فسيكون هناك انفراج بالوضع العام وسوف تتولد ثقة بين الأطراف، وهذه مسألة ضرورية، والثقة لا تأتي بالوعود فقط، وإنما بخطوات عملية، ثم إن الكل بعضهم بحاجة إلى بعض، وأي مكون لا يشترك في الحكومة، فستكون ناقصة، لذلك من واجب أي حكومة أن تستمع لمعاناة أي مكون وتعمل على إزالة هذه المعاناة، وأعتقد أن هذه الحكومة سوف تنجح.
> هل تجدون من الضروري أن يكون لرئيس الجمهورية 3 نواب؛ اثنان منهم، إياد علاوي ونوري المالكي، كانا رئيسي وزراء، والثالث، أسامة النجيفي، كان رئيسا للبرلمان؟
- هذا قانون وضع في مجلس النواب سنة 2011. رئيس الجمهورية ليس بحاجة إلى 3 نواب، يمكن هو بحاجة إلى نائب واحد، لكن طالما أن الحكومة في العراق تتشكل على أساس المكونات والتوافقات، فالقانون راعى تمثيل الكتل السياسية، وإلا في الواقع ليست هناك حاجة لوجود 3 نواب للرئيس. وفي وقت سابق، كان هناك 3 نواب لرئيس الجمهورية، وانسحب الدكتور عادل عبد المهدي وقدم استقالته بسبب ضغوط الرأي العام والمرجعية.
> صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة حسب الدستور، فماذا يفعل 3 نواب له؟
- صلاحيات الرئيس محدودة وغير محدودة، بنقاط مكتوبة في الدستور، ومذكور أنه ليس من صلاحياته كذا، وكذا، ولكن أهم مهامه هي حماية الدستور، وهذه صلاحية شاملة لكل شيء تقريبا؛ حماية الدستور من أن يخترق، ومن إهمال مواده، وعدم تفسيره حسب الأهواء، وهذه مهمة كبيرة، وأنا مصمم على صيانة الدستور.
> الآن بعد أن جرى تشكيل الحكومة، ما أولوياتكم بصفتكم رئيسا للجمهورية؟
- متابعة عمل الحكومة وتقديم المشورة لأعضائها، وإسنادهم في مهامهم، وهناك جملة مقترحات نقدمها، أبرزها ما يتعلق بالمصالحة الوطنية، ونحن بحاجة لتلك المصالحة بين مكونات الشعب العراقي من جهة، وبين الأطراف السياسية من جهة ثانية، هذه مسألة مهمة للغاية، ويجب أن نبدأ بها الآن، وهناك مقترح بأن يكون هناك لقاء شهري بين الرئاسات الثلاث ونوابهم؛ الجمهورية والبرلمان والوزراء، وكذلك مع زعماء الكتل السياسية للتشاور في سير الأمور ومعالجة أي خلل طارئ، وهذا مهم للغاية. كما أن هناك خططا للاهتمام بالمجال الثقافي والإعلامي والنواحي الاجتماعية وبالجامعات.. يعني سنضع خططا للقاء المثقفين والأدباء العراقيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، والعمل على إعادة التوازن إلى ميزان مختل.
> تحدثتم في حوار سابق لـ«الشرق الأوسط» عن تشكيل مجلس للسياسات العليا، هل سيتحقق ذلك؟
- هذا ما قصدته باللقاء الشهري بين الرئاسات الثلاث ونوابهم وزعماء الكتل السياسية، ولا يعني بالضرورة تشكيل مجلس بقوانين وتنظيم إداري معين.
> ماذا عن مؤتمر باريس من أجل العراق؟
- تقريبا تم تحديد موعده الأسبوع المقبل، وهذا المؤتمر جاء بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من أجل محاربة «داعش» ودعم العراق في مواجهة تهديدات الإرهاب، وسيشارك فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وستوجه الدعوات للدول الإقليمية المجاورة للعراق وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن والكويت وتركيا وإيران. فخطر «داعش» لا يهدد العراق فقط، وإنما كل دول المنطقة، ولكن لم يتحدد إذا ما سيكون التمثيل فيه على مستوى رؤساء الجمهوريات أم رؤساء الحكومات.
> هل تعتقدون أن العراق قادر على ترميم ما جرى تخريبه في علاقاته مع الدول العربية؟
- لا بد من ذلك، علاقاتنا مهمة مع دول الجوار العربي ومع جميع الدول العربية، ومع جامعة الدول العربية.. لا بد من فتح صفحة جديدة وتصفير المشاكل.
> كان الرئيس العراقي السابق يرفض المصادقة على تنفيذ عقوبة الإعدام وكان نائبه من يصادق على هذه العقوبات، فماذا عنكم؟
- عقوبة الإعدام مقررة في الدستور العراقي، من ناحية ثانية مسألة إزهاق روح عملية صعبة جدا بالنسبة لي، والظروف الحالية في العراق لا تسمح بتعليق عقوبة الإعدام، فكيف يمكن التسامح مع قاتل أزهق عمدا أرواح مواطنين أبرياء، أو مع قاتل للأطفال، هؤلاء لا بد أن ينالوا عقابهم، وأنا سوف أكون دقيقا ومتريثا للغاية في دراسة ملفات المحكومين بالإعدام، ولن أضع توقيعي إلا بعد أن أتيقن أن القضية أخذت جوانبها القانونية كاملة واستوفت أبعادها القضائية، وقد ألجأ إلى الأسلوب ذاته الذي اعتمده الرئيس طالباني.
معصوم: دول الجوار العربية وإيران مدعوة لمؤتمر باريس
الرئيس العراقي قال لـ {الشرق الأوسط} إنه ليس بحاجة إلى 3 نواب
معصوم: دول الجوار العربية وإيران مدعوة لمؤتمر باريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة