مقترحات تعديل قانون الإيجار القديم تجدد الجدل في مصر

تجدد الجدل مرة أخرى حول «قانون الإيجارات القديمة» في مصر، وهي قضية شائكة فشلت الحكومات المتعاقبة في حلها، لكن الحكومة الحالية قد تكون مجبرة هذه المرة على إجراء تعديلات قانونية تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في عام 2018، والذي نص على عدم دستورية إيجار الوحدات غير السكنية للأشخاص الاعتباريين، ومنح مهلة لمجلس النواب لتعديل القانون مع انقضاء دور الانعقاد الحالي في يوليو (تموز) 2019.
وتنفيذاً للحكم، تقدمت الحكومة المصرية بمقترح لتعديل القانون، تمت مناقشته في لجنة الإسكان بمجلس النواب، التي رأت أن يتم ضم الأشخاص الطبيعيين إلى الأشخاص الاعتباريين في القانون تحقيقاً لمبدأ المساواة التي يكفلها الدستور.
وأكد النائب عبد المنعم العليمي، عضو لجنة الإسكان في مجلس النواب المصري، لـ«الشرق الأوسط»، «ضرورة تعديل القانون تحقيقاً لمبدأ المساواة»، وقال إنه «يدعم تعديل القانون وأن يتم البدء بالوحدات التجارية كمرحلة أولى، وفيما بعد يمكن تعديل القانون المتعلق بالوحدات السكنية».
وأضاف العليمي أن «الهدف من القانون هو معالجة مشكلة قائمة لتحقيق المساواة وتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر»، مشيراً إلى أن «حكم الدستورية الصادر في 6 مايو (أيار) عام 2018، منح فرصة للحكومة لتعديل القانون حتى نهاية دور الانعقاد البرلماني الحالي بنهاية يوليو (تموز) 2019. وبناء عليه، تقدمت الحكومة بتعديل للقانون كان يتعلق بإيجار الأشخاص الاعتباريين للوحدات التجارية، لكن لجنة الإسكان رأت ضرورة ضم الأشخاص الطبيعيين أيضاً تحقيقاً لمبدأ المساواة».
وينص المقترح على إنهاء عقود الإيجارات القديمة غير السكنية للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بعد 5 سنوات، مع زيادة القيمة الإيجارية للوحدة فوراً عدة أمثال، تعقبها زيادة سنوية 15 في المائة لمدة 4 سنوات.
وقال العليمي إن «هذه قضية شائكة لكن لا بد من العمل عليها لصالح المجتمع»، مشيراً إلى أن «التعديل ينطبق على كل الأماكن الخاضعة للقوانين القديمة وقانون رقم 136 لسنة 1981، حتى 3 يناير (كانون الثاني) 1996، عند صدور قانون الإيجارات الجديدة».
وأضاف أن «تعديل القانون سيؤدي إلى انخفاض أسعار الإيجارات، حيث يوجد كثير من المحال المغلقة بسبب القوانين القديمة، وبالتالي فالتعديل سيثري الثروة العقارية»، مشيراً إلى أنه «لا بد من التفريق بين العقارات المؤجرة وفقاً لقانون سنة 1977 وتلك المؤجرة وفقاً لقانون سنة 1981، لذلك أقترح زيادة الأولى بنسبة 8 أمثال، والثانية بنسبة 3 أمثال مع عدم الإخلال بالعقد».
من جانبه، أكد الخبير العقاري الدكتور تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع الحالي لإيجار الوحدات التجارية ينطوي على ظلم للملاك، ولذلك لا بد من تعديله»، مشيراً إلى أن «التعديلات المقترحة ستؤدي إلى ازدهار حركة الإيجارات، وسيجعل كثيراً من أصحاب هذه الوحدات يعرضونها للإيجار، ما سيقلل من أسعار الإيجارات مع الوقت».
واتفق معهما الخبير العقاري ياسر شعبان الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه التعديلات ستنشط حركة إيجار الوحدات غير السكنية، فيزيد العرض، ويقل السعر مع الوقت».
وفور الإعلان عن التعديلات المقترحة، ثار المستأجرون، وبدأت المطالبة بقصر التعديلات على الأشخاص الاعتباريين، لأن هذا ينطوي على ظلم للمستأجر، حتى وصل الأمر إلى القضاء، وتقدم محمد عبد العال المحامي، بطلب لمحكمة الأمور المستعجلة، لتشكيل لجنة خاصة لدراسة مشروع قانون الإيجار القديم، وقال إن «مقترحات مجلس النواب تثير غضب المواطنين، ولا بد من تعديل القانون بما يلبي رغبات المواطنين ليقتصر على الأشخاص الاعتباريين فقط».
وأرسل عدد كبير من تجار القاهرة مذكرة إلى مجلس النواب أعدها المستشار القانوني محمود العسال، للمطالبة بقصر التعديلات على الأشخاص الاعتباريين، مشيرين إلى أن «القانون سيضر بنحو 776 ألف وحدة إيجارية، تؤثر على حياة نحو 3 ملايين مواطن». وطالبت المذكرة بالتفاوض مع الملاك والمستأجرين للاتفاق على الصيغة المناسبة. وأرسلت نقابة الصيادلة مذكرة مماثلة إلى مجلس النواب، وقالت إن «التعديلات ستؤدي إلى إلغاء 50 ألف رخصة صيدلية، لأن تغيير المحل يسقط الرخصة»، مطالبة «بقصر التعديلات على الأشخاص الاعتباريين، ومنح استثناءات للصيادلة، أو زيادة القيمة الإيجارية تدريجياً دون فسخ التعاقد».
وشهد الأسبوعان الماضيان عدة اجتماعات للتجار في مختلف أنحاء الجمهورية، اعتراضاً على مقترحات التعديل، مطالبين «بتعديل القيمة الإيجارية بالتفاوض دون فسخ التعاقد».
ووصل الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي انقسمت بين مجموعات ومنتديات للدفاع عن حقوق الملاك تطالب بتعديل القانون، وتدعو إلى أن يشمل الوحدات السكنية أيضاً، ومجموعات أخرى ترفض التعديلات وتطالب بحماية المستأجر، واضعة مجموعة من المبررات من بينها سوء الأحوال الاقتصادية، والمبالغ المالية التي دفعها المستأجر عند إتمام التعاقد تحت اسم «الخلو».
وقال العليمي إن «قانون عام 1977 كان ينص على عدم زيادة المقدم على قيمة شهرين من الإيجار، ويجرم من يحصل على أكثر من ذلك، والجهل بالقانون مسؤولية الجاهل».
وأوضح ممتاز أن «الخلو لم يكن مقابل شراء الوحدة، بل كان شيئاً عرفياً تم برضا الطرفين، ولا يعطي المستأجر حق ملكية الوحدة»، مشيراً إلى أنه «رغم تأييده لتعديل القانون المتعلق بالوحدات التجارية، فإنه يأمل تأجيل تعديل القانون الخاص بالوحدات السكنية لحين الوصول إلى صيغ مناسبة للمواطنين لا تؤثر على مستوى حياتهم».
ورغبة في وقف حالة الجدل، أصدرت لجنة الإسكان بمجلس النواب بياناً صحافياً، قالت فيه إن «مشروع قانون الإيجارات القديمة لغير الغرض السكني المقدم من الحكومة ما هو إلا مقترح، وافقت عليه اللجنة، وسيخضع للمناقشة تحت قبة البرلمان».
وطالب المهندس علاء والي، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، «بعدم إثارة الرأي العام بالمعلومات المضللة والشائعات المغرضة المخالفة للحقيقة التي لا أساس لها من الصحة»، مشدداً على أن «اللجنة حريصة على توازن العلاقة بين المالك والمستأجر والمواءمة الاجتماعية والبعد الاجتماعي بين طرفي العلاقة»، وقال والي إن «هذه مشكلة متراكمة منذ سنوات، وقدر المجلس الحالي أن يتعامل معها».
وهذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها قضية الإيجارات القديمة للنقاش، فعلى مدار سنوات طرحت أكثر من مرة، لكن في كل مرة كان يتم التراجع عنها خوفاً من غضب المستأجرين، وتم الاكتفاء في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك بإصدار قانون عام 1996 يتعلق بالإيجارات الجديدة، وبموجبه أصبح عقد الإيجار محدد المدة، وتزيد قيمته بنسبة سنوية، لكن هذا القانون لم يمس الإيجارات القديمة. وتحكم مصر 5 قوانين للعقارات؛ الأول هو القانون رقم 121 لسنة 1947، والثاني القانون رقم 49 لسنة 1977، والثالث القانون رقم 52 لسنة 1969، ورقم 136 لسنة 1981، ورقم 4 لسنة 1996.
وأوضح العليمي أن «الوضع الحالي لقوانين الإيجارات مخالف للدستور لأنه يخالف المادة 53 من الدستور المتعلقة بالمساواة وعدم التمييز بين المواطنين، حيث يجعل صيدلية في مبنى إيجارها 100 جنيه، وأخرى في المبنى نفسه إيجارها 5 آلاف جنيه، رغم أنهما في المكان نفسه ويحققان نسبة الأرباح نفسها».
وقال إنه «على مدار ما يقرب من 80 سنة لم تزد القيمة الإيجارية للوحدات السكنية والتجارية المؤجرة بموجب القوانين القديمة، رغم وجود أكثر من حكم دستوري بمخالفة هذه القوانين للدستور»، مشيراً إلى أن «المحكمة الدستورية استندت في أحكامها إلى عدة مبادئ دستورية من بينها الشريعة الإسلامية، وأن وفاة المستأجر لا ينفسخ بها عقد الإيجار، وحقوق الملكية الخاصة، وتأمين الاستقرار الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «مفتي الجمهورية قال في عام 1996 إن عقد الإيجار لا بد أن يكون محدد المدة والمنفعة والقيمة».