رغم 3 أشهر من استقالة بوتفليقة... حلم بناء «الجمهورية الثانية» ما زال بعيداً

رحيل واحد من «الباءات الأربعة» عن السلطة في الجزائر وسط مطالب بانسحاب الباقين

بوشارب
بوشارب
TT

رغم 3 أشهر من استقالة بوتفليقة... حلم بناء «الجمهورية الثانية» ما زال بعيداً

بوشارب
بوشارب

صادفت استقالة معاذ بوشارب، رئيس الغرفة البرلمانية الأولى بالجزائر، من منصبه أمس تحت ضغط نواب الأغلبية والحراك الشعبي، مرور 3 أشهر على رحيل عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، من دون أن يتمكن الجزائريون من إطلاق الترتيبات، التي يريدونها لتأسيس «الجمهورية الثانية»، بما تعنيه من حريات وقضاء مستقل عن ضغوط السياسيين.
وقال عبد الحميد سي عفيف، وهو برلماني عن «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية) أمس، لصحافيين بالعاصمة، إن اختتام دورة الربيع البرلمانية، التي كانت مقررة أمس، تم تأجيلها لأجل غير محدد بسبب استقالة بوشارب، رئيس «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة الأولى). مؤكداً أنه «سيتم تحديد تاريخ انعقاد جلسة علنية لاحقا، يتم تخصيصها لإثبات شغور منصب رئيس الغرفة الأولى، ثم انتخاب رئيس جديد في أجل لا يتعدى 15 يوما».
وجاء بوشارب إلى رأس الغرفة التشريعية في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد إزاحة رئيسها المنتخب سعيد بوحجة، الذي ينتمي لحزب بوشارب (جبهة التحرير). ووصفت العملية بـ«انقلاب»، كان وراءها السعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق، لكن ما زالت تُجهل إلى اليوم أسباب تنحية بوحجة.
يشار إلى أن الغرفة الثانية تسمى «مجلس الأمة»، يقودها رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح.
ومنذ انطلاق المظاهرات، بدأ ملايين المحتجين كل يوم جمعة يطالبون بتنحية بوشارب، على أساس أنه «ينتمي للعصابة»، رمز نظام الرئيس بوتفليقة، والتي يوجد أبرز وجوهها في السجن، منهم شقيق الرئيس، ورئيسا الوزراء سابقاً أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ومديرا المخابرات سابقاً الفريق محمد مدين واللواء بشير طرطاق. ويصف الحراك بوشارب بـ«أحد الباءات» الذين يطالب بعزلهم، وهم بلعيز الطيب رئيس «المجلس الدستوري» (استقال)، وبدوي نور الدين رئيس الوزراء، وبن صالح عبد القادر الرئيس المؤقت. وما زالت الاحتجاجات الشعبية تصر على رحيل «بقية الباءات»، التي يتمسك بها الجنرال قايد صالح.
وأثار بوشارب غضب المتظاهرين في بداية الحراك، عندما صرح في تجمع بغرب البلاد بأن «المطالبين بالتغيير (تنحية بوتفليقة) نقول لهم أفيقوا من نومكم»، ولهذا السبب ظل هدفاً للشعارات المرفوعة في كل المظاهرات. علماً بأنه سبق أن تم عزله من رئاسة «جبهة التحرير»، واستخلف البرلماني رجل الأعمال محمد جميعي.
ويتوقع أن يخلف بوشارب على رأس البرلمان نائب من «جبهة التحرير»، حزب الرئيس السابق بوتفليقة. لكن، عملياً، توقف العمل التشريعي بشكل كامل منذ بداية الحراك في 22 فبراير (شباط) الماضي. وقد استقال كثير من نواب المعارضة، أبرزهم لويزة حنون مرشحة رئاسية 2014، التي سجنها القضاء العسكري بتهمة «التآمر على سلطة الدولة والمسّ بسلطة الجيش»، وهي تهمة تلاحق السعيد ومدين وطرطاق أيضاً.
وخرج أمس آلاف من طلبة الجامعة في مظاهرات بالعاصمة، وكثير من مدن البلاد، ورفع المتظاهرون شعارات تعبر عن خيبة أمل «بسبب عدم تغير أي شيء» منذ رحيل بوتفليقة عن الحكم قبل 3 أشهر بالضبط. كما أدان المتظاهرون «خضوع القضاة لإملاءات السلطة»، وطالبوا بالإفراج عن رجل الثورة المعارض لخضر بورقعة، الذي أودعته محكمة بالعاصمة السجن بتهمة «إضعاف معنويات الجيش»، و«إهانة هيئة نظامية».
وفي نظر طلبة الجامعة، يعد سجن «عمي لخضر»، كما يسميه عامة الناس، «دليلاً على أن العدالة لم تتحرر من القيود». كما أن سجن عشرات الشباب بسبب رفع رايات الأمازيغ، يؤكد في نظرهم أن «موعد الجزائر مع الحريات لا يزال بعيداً».
وقال مصدر من «النقابة الوطنية للقضاة» لـ«الشرق الأوسط» إن قيادتها اتصلت بالقضاة الذين أمروا بإيداع كثير من النشطاء الحبس الاحتياطي، لمحاولة التأكد مما إذا كانوا تلقوا «إيعازاً» من جهة حكومية. وأكد المصدر نفسه أن النقابة «لن تتردد في مطالبة المؤسسة العسكرية بالتوقف عن التدخل في شؤون العمل القضائي، إن تأكَد ذلك».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.