معرض «بعلبك أرشيف الخلود» يروي حكاية «مدينة الشمس»

بعد سنتين من التحضيرات المكثفة

يستمر المعرض حتى 22 سبتمبر في متحف سرسق في بيروت
يستمر المعرض حتى 22 سبتمبر في متحف سرسق في بيروت
TT

معرض «بعلبك أرشيف الخلود» يروي حكاية «مدينة الشمس»

يستمر المعرض حتى 22 سبتمبر في متحف سرسق في بيروت
يستمر المعرض حتى 22 سبتمبر في متحف سرسق في بيروت

للوهلة الأولى سيشعر زائر معرض «بعلبك أرشيف الخلود» الذي يستضيفه وينظمه «متحف سرسق» في بيروت بأنّه يتجول في متحف مصغّر يحكي عن «مدينة الشمس»؛ فلقد حاول فالي محلوجي القيّم على هذا المعرض، أن يقدّمه ضمن مروحة فنية غنية تشمل المرئي والمسموع والتجهيزات المتحركة والتحف واللوحات والمخطوطات والصور الفوتوغرافية والكتب وغيرها، واضعاً التاريخين القديم والجديد لها بمتناول مشاهدها.
ووفقاً للأسهم والشارات التي تدلك على مسار المعرض في الطابق السفلي الثاني لـ«متحف سرسق»، ستستهلّ جولتك هذه بمعلومات عن بعلبك عبر التاريخ تحت عناوين متفرقة كـ«عشرة آلاف سنة من زمن المستوطنات الأولى إلى الوقت الحاضر»، و«الثورة الزراعية ومهد الحضارة». مروراً بحقب تاريخية أخرى تشمل الآرامية والأشورية والفارسية والسلوقية والهلنستية والرومانية، وصولاً إلى الحقبة الحديثة.
وبين تماثيل نصفية وأوانٍ فخارية ولوحات زيتية وقصاصات ورقية جُمعت من مصادر مختلفة، وبينها المديرية العامة للآثار ومتحفا الجامعتين الأميركية واليسوعية، تسترعي نظرك لوحات زيتية ضخمة تحكي عن هذه المدينة بريشة فنانين أجانب وآخرين لبنانيين. وقد تمت استعارتها من أصحابها، كبيرت، ورونالد شاغوري، وفيليب جبر، وهالة، ومارك سرسق كوكرن، وفندق بالميرا، ومجموعة «رفيق شرف»، وغيرهم.
أما العمل الفني الذي ستتوقف أمامه لدقائق طويلة تتأمله لمشهديته المرسومة بإتقان بريشة نبيل نحاس، فهو بعنوان «مدينة الشمس»، الذي يقدّم أعمدة قلعة بعلبك الشهيرة بعين شغوفة بهذا المعلم. «إنّها اللوحة التي سيجري عليها في سبتمبر (أيلول) المقبل، مزاداً علنيّاً يعود ريعه لمتحف سرسق ومهرجانات بعلبك»، توضح زينة عريضة مديرة «متحف سرسق» المنظّم لهذا الحدث.
وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وهي تُعدّ أحدث لوحة فنية تتناول مدينة بعلبك. فلقد دأب الفنان نبيل نحاس على تنفيذها خصيصاً لهذا الحدث، ولقد طلبناها منه و(مهرجانات بعلبك) منذ نحو شهر واحد فقط». وهذه اللوحة التي قد تكون في المستقبل فاتحة لمجموعة أعمال تحكي عن هذه المدينة العريقة وموقَّعة دائماً من الفنان نحاس، مشغولة بتقنية الأكليريك على الكانفاس وتصوّر معبد جوبيتر في قلعة بعلبك الأثرية.
وتشير عريضة في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ المعرض استغرق نحو سنتين من التحضيرات، بما في ذلك الأبحاث الخاصة فيه على مستويات كثيرة، شملت تاريخ بعلبك والناحية الأركيولوجية لها التي تكشف عن أنّها بُنِيت منذ نحو 10 آلاف سنة، وليس منذ 8 آلاف سنة في الحقبة الرومانية، وهو معتقَد خاطئ لدى كثيرين.
«لقد حاولنا تسليط الضوء على هذه النقطة من خلال التاريخ الأركيولوجي للمدينة والقلعة معاً»، تقول زينة عريضة، وتضيف: «كانت الفكرة الأساسية لهذا الحدث الإضاءة على هذه المدينة أيضاً، من خلال سكانها. وكان لنا شهادات حية مع كثيرين منهم معروفين، أمثال الرئيس حسين الحسيني وسهام وجورج عوض وأميمة وحماد ياغي وغيرهم، وكذلك الشاعر طلال حيدر الذي استعرنا منه قصائد شعرية بصوته يحكي فيها عن بعلبك، كتلك التي ألقاها بمناسبة الذكرى الـ60 لتأسيس مهرجاناتها الفنية، وبإمكان زائر المعرض الاستماع إليها».
ويتناول المعرض أهمية المدينة للبنان الحديث، وكيف تحولت مع الزمن إلى واحدة من رموزه الوطنية الأساسية. فنراها تتصدر ملصقات سياحية ترويجية معروضة للخطوط الجوية اللبنانية، ووزارتي السياحة والثقافة، إضافة إلى طوابع أميرية احتلَّت مساحة كبيرة منها تماماً كأرزة لبنان.
وعن الصعوبات التي واجهها منظموه، توضح عريضة: «لقد استطعنا تأمين مادة غنية جدياً، ولكن السؤال الكبير تمحور حول كيفية تنسيقها وعرضها. فكلفنا شركة فنية ألمانية مختصة بهذا الموضوع بتنفيذه حسب رؤيتها الفنية».
وعما إذا سيسافر هذا المعرض إلى دول أوروبية ترد زينة عريضة: «إننا نفكر في وضعه ضمن كتاب، وكذلك أن نحمله كنزاً يجول في العالم، ويستكشفه الناس من كل حدب وصوب، والمستقبل سيحدد هذه الأمور. فهو، إضافة إلى كونه غنياً بمادته التاريخية، يتضمن نحو 80 قطعة أثرية قدمتها لنا مديرية الآثار في لبنان، وهي سابقة لم تحصل من قبل. ومن الفنانين الأجانب الذين ترتفع لوحاتهم في هذا المعرض لويس فرنسوا كاساس، الذي يقدم منظراً لبعلبك مع معبد (جوبيتر) من القرن الثامن عشر. وويليام هنري بارتليت الذي رسم المعبد نفسه بالحبر البني. وكذلك نشاهد زيتية لبروسبر ماريلهات عن آثار بعلبك، وأخرى من نوع الزيت على الخشب لوالتر جون حول منظر للرياق. أمّا المجموعة الأكبر من اللوحات المرسومة لفنان محلي فتعود إلى رفيق شرف ابن هذه المدينة الذي كان شغوفاً ببعلبك، فجاء المعرض كتحية تكريمية له. ومن الصور الفوتوغرافية التي يحتضنها المعرض مجموعة «المؤسسة العربية للصورة»، من حقبة الطباعة الورقية، من تظهير بالفضة الهلامية، وملونة باليد.
وتنتهي جولتك في «بعلبك - أرشيف الخلود» على وقع صوت فيروز الصادح في أنحاء قاعة جانبية؛ فتعرض بصورة مستمرة على شاشة ضخمة حكاية مهرجانات بعلبك منذ تأسيسها في عام 1956 حتى اليوم.



اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».