ترحيب واسع باتفاق تجاري «تاريخي» بين أوروبا و«ميركوسور»

رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يحتضن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري خلال الإعلان عن الاتفاق على هامش قمة العشرين (إ.ب.أ)
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يحتضن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري خلال الإعلان عن الاتفاق على هامش قمة العشرين (إ.ب.أ)
TT

ترحيب واسع باتفاق تجاري «تاريخي» بين أوروبا و«ميركوسور»

رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يحتضن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري خلال الإعلان عن الاتفاق على هامش قمة العشرين (إ.ب.أ)
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يحتضن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري خلال الإعلان عن الاتفاق على هامش قمة العشرين (إ.ب.أ)

قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أمس، إن «اتفاق التجارة الحرة الجديد، الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وتجمع (ميركوسور) لدول جنوب أميركا اللاتينية، يظهر إمكانية التوصل إلى اتفاقيات وتسويات متبادلة المنفعة». وأضاف أن هذا الاتفاق يعد رسالة حقيقية لدعم التجارة المفتوحة والعادلة والمستدامة والقائمة على القواعد.
وكان الاتحاد الأوروبي وتجمع «ميركوسور» قد اتفقا الجمعة، على معاهدة تجارة حرة، وعلى الالتزام بإقامة مزيد من الأسواق المفتوحة في مواجهة موجة متزايدة من الحمائية.
وسيؤدي الاتفاق إلى قيام سوق حرة تضم نحو 800 مليون نسمة، لتكون واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم. ويتضمن الاتفاق بنوداً لحماية العمال والبيئة، مع الالتزام بمعايير عالية بالنسبة للأغذية بحسب المفوضية الأوروبية، التي تفاوضت بشأن الاتفاق نيابة عن الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة.
ويعتبر اتحاد دول «ميركوسور»، بما يضمه من تعداد سكاني يربو على 260 مليون نسمة وإجمالي ناتج محلي وصل مؤخراً إلى 2.5 مليار يورو، أحد أكبر التجمعات الاقتصادية في العالم، والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري واستثماري لـ«ميركوسور» وثاني أكبر شريك للتكتل في تجارة السلع. ومن حيث خفض الرسوم الجمركية، فإنه قد يصبح اتفاق التجارة الأجزى للاتحاد الأوروبي، بوفورات قد تتجاوز 4 أمثال ما تحققه الصفقات المبرمة مع كندا واليابان معاً.
وقالت المفوضة التجارية للاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم في وقت سابق من الشهر الحالي، إن إبرام اتفاق للتجارة مع «ميركوسور» يأتي على رأس أولوياتها. ويقول منتقدو الاتفاق، إنه لا يتضمن قيوداً كافية على التحركات الضارة بالبيئة، مثل القطع الجائر لغابات الأمازون لتحويلها إلى أراضٍ زراعية.
وتضع أوروبا عينها على مزيد من فتح الأسواق أمام شركاتها الصناعية، لا سيما في قطاع السيارات الذي يواجه رسوماً جمركية تبلغ 35 في المائة، والسماح لها بالمنافسة في العطاءات العامة. وتطمح دول «ميركوسور» إلى زيادة صادرات لحوم الأبقار والسكر والدواجن وسائر المنتجات الزراعية.
وقالت البرازيل إن الاتفاق سيلغي رسوم الاستيراد على كثير من المنتجات الزراعية؛ مثل عصير البرتقال والقهوة سريعة التحضير والفاكهة ويفتح الأسواق أكثر من خلال حصص للحوم والسكر والإيثانول، وهو ما سيعزز الاقتصاد ويزيد الاستثمار في البلاد في الأعوام الـ15 المقبلة.
ومن جانبه، رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاتفاق الضخم، مع إعرابه عن «الحذر» إزاء متابعة تنفيذه. وقال ماكرون في مؤتمر صحافي عقده على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين في اليابان: «هذا الاتفاق جيد حالياً، وهو في الاتجاه الصحيح؛ لكننا سنكون حذرين جداً»، مضيفاً أنه يرغب في «إجراء تقييم مستقل» له.
وأضاف ماكرون: «إنه اتفاق جيد في الوقت الحاضر استناداً إلى أخذ المفاوضين بعين الاعتبار وبشكل كامل لكل المطالب التي قدمناها». وتابع مفصلاً ما ورد في الاتفاق، معتبراً أنه جيد «لأنه يقر بتحديداتنا الجغرافية وهو الأمر المهم جداً للمزارعين، والذي لم يقم به أحد من قبل بشكل أفضل. وأيضاً لأن المعايير الثلاثة التي وضعناها وردت في النص: التقيد الواضح باتفاقية باريس (حول المناخ) خصوصاً من قبل البرازيل، وهو ما يحصل للمرة الأولى على هذا المستوى في نص تجاري».
وأضاف ماكرون: «والمعيار الثاني هو المتعلق بالتقيد بمعاييرنا البيئية والصحية، والثالث هو حماية فروعنا الحساسة في إطار الحصص التي وضعنا حدودها خصوصاً بالنسبة إلى البقر والسكر».
وقال الرئيس الفرنسي أيضاً: «تضاف إلى ذلك نقطة غاية في الأهمية: بند حماية يطبق على المنتجات الزراعية»، الأمر الذي يعني «أنه في حال تعرض قطاع ما لزعزعة كبيرة من الممكن إطلاق آلية توقف تطبيق العملية».
وأكد أن الحكومة ستكون «حذرة جداً إزاء الصياغة النهائية» للاتفاق، و«لعملية تصديقه خصوصاً آلية متابعته»، مضيفاً: «كما فعلنا بالنسبة لاتفاق التبادل الحر مع كندا، أريد أن أطلق خلال الأيام القليلة المقبلة تقييماً مستقلاً وكاملاً وشفافاً، خصوصاً حول البيئة والتنوع البيولوجي». وسيتيح هذا الاتفاق إدخال نحو 100 ألف طن من لحم البقر من دول أميركا اللاتينية الأربع من دون فرض رسوم جمركية عليها.
وفي تعليق على الاتفاق، قالت وكالة «بلومبرغ» الأميركية، إن التوصل إلى اتفاق بعد مفاوضات دامت 20 عاماً، يمثل «طوق نجاة» لرؤساء دول القارة المتعثرة اقتصادياً.
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، الذي بث تسجيلاً صوتياً لوزير خارجيته «يبكي فرحاً» بنجاح المفاوضات، يواجه حملة انتخابية لولاية رئاسية ثانية مليئة بالتحديات، في ظل انزلاق الأرجنتين في دوامة الركود الاقتصادي لأكثر من 4 سنوات، بينما يعاني الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو - الذي أكد أنه أحد أهم الاتفاقات التجارية على الإطلاق - من تراجع شعبيته بسبب معدلات البطالة المرتفعة والتوقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد البرازيلي.
ونوهت «بلومبرغ» بأن حجم التبادل التجاري المتوقع من خلال اتفاق التجارة الحرة بين أوروبا وأميركا الجنوبية قد يصل إلى 102 مليار دولار أميركي سنوياً، كما أنه يمثل مصدر دعم لجهود قادة أوروبا الرامية إلى حماية تجارة القارة العجوز من السياسة الحمائية التي يتزعمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ونقلت «بلومبرغ» عن خبير مختص في شؤون أميركا اللاتينية بالمجلس الأطلنطي بواشنطن قوله: «لا يمكن وصف الاتفاق بين أوروبا وتجمع (ميركوسور) بأقل من أنه اتفاق تاريخي بامتياز، من شأنه فتح موجة جديدة من التبادل التجاري والاستثمارات تعود بالنفع على الجانبين».



محضر «الفيدرالي»: المسؤولون يرون مخاطر تضخمية جديدة من جراء سياسات ترمب

مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)
مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)
TT

محضر «الفيدرالي»: المسؤولون يرون مخاطر تضخمية جديدة من جراء سياسات ترمب

مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)
مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)

أعرب مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعهم في ديسمبر (كانون الأول) عن قلقهم بشأن التضخم والتأثير الذي قد تخلفه سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مشيرين إلى أنهم سيتحركون ببطء أكبر بشأن خفض أسعار الفائدة بسبب حالة عدم اليقين، بحسب محضر الاجتماع الذي صدر يوم الأربعاء.

ولم يذكر ملخص الاجتماع ترمب بالاسم، بل تضمن على الأقل أربع إشارات إلى التأثير الذي قد تخلفه التغييرات في سياسة الهجرة والتجارة على الاقتصاد الأميركي.

ومنذ فوز ترمب في الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني)، أشار إلى خطط لفرض تعريفات جمركية عقابية صارمة على الصين والمكسيك وكندا، فضلاً عن شركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، يعتزم مواصلة المزيد من إلغاء القيود التنظيمية والترحيل الجماعي.

ومع ذلك، فإن مدى ما ستكون عليه تصرفات ترمب، وعلى وجه التحديد كيف سيتم توجيهها، يخلق نطاقاً من الغموض حول ما هو قادم، وهو ما قال أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية إنه يتطلب الحذر.

وقال المحضر: «لقد حكم جميع المشاركين تقريباً بأن المخاطر الصعودية لتوقعات التضخم قد زادت. كأسباب لهذا الحكم، استشهد المشاركون بقراءات أقوى من المتوقع مؤخراً للتضخم والآثار المحتملة للتغييرات المحتملة في سياسة التجارة والهجرة».

صوّت أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة على خفض سعر الاقتراض القياسي للبنك المركزي إلى نطاق مستهدف يتراوح بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة. ومع ذلك، فقد خفضوا أيضاً توقعاتهم بشأن التخفيضات المتوقعة في عام 2025 إلى اثنين من أربعة في التقدير السابق في اجتماع سبتمبر (أيلول)، على افتراض زيادات ربع نقطة.

خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بنقطة كاملة منذ سبتمبر، وتشير أسعار السوق الحالية إلى تحرك واحد أو اثنين فقط إلى الأسفل هذا العام.

وأشار المحضر إلى أن وتيرة التخفيضات المقبلة من المرجح أن تكون أبطأ بالفعل.

وجاء في الوثيقة: «في مناقشة آفاق السياسة النقدية، أشار المشاركون إلى أن اللجنة كانت بالقرب من النقطة التي سيكون من المناسب عندها إبطاء وتيرة تخفيف السياسة».

وعلاوة على ذلك، اتفق الأعضاء على أن «سعر السياسة أصبح الآن أقرب بكثير إلى قيمته المحايدة مقارنة بما كان عليه عندما بدأت اللجنة تخفيف السياسة في سبتمبر. بالإضافة إلى ذلك، اقترح العديد من المشاركين أن مجموعة متنوعة من العوامل تؤكد الحاجة إلى اتباع نهج حذر في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية خلال الأرباع القادمة».

وتشمل هذه الظروف قراءات التضخم التي تظل أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي السنوي البالغ 2 في المائة، ووتيرة قوية للإنفاق الاستهلاكي، وسوق عمل مستقرة، ونشاطاً اقتصادياً قوياً، حيث كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بمعدل أعلى من الاتجاه حتى عام 2024.

وذكر المحضر أن «أغلبية كبيرة من المشاركين لاحظوا أنه في المرحلة الحالية، مع موقفها الذي لا يزال مقيداً بشكل كبير، كانت اللجنة في وضع جيد يسمح لها بتخصيص الوقت لتقييم التوقعات المتطورة للنشاط الاقتصادي والتضخم، بما في ذلك استجابات الاقتصاد للإجراءات السياسية السابقة للجنة».

وشدد المسؤولون على أن التحركات السياسية المستقبلية ستعتمد على كيفية تطور البيانات وليست على جدول زمني محدد.

وأظهر مقياس بنك الاحتياطي الفيدرالي المفضل أن التضخم الأساسي بلغ معدل 2.4 في المائة في نوفمبر، و2.8 في المائة عند تضمين أسعار الغذاء والطاقة، مقارنة بالعام السابق. ويستهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي التضخم عند 2 في المائة.

في الوثائق التي تم توزيعها في الاجتماع، أشار معظم المسؤولين إلى أنه في حين يرون أن التضخم يتجه نحو الانخفاض إلى 2 في المائة، فإنهم لا يتوقعون حدوث ذلك حتى عام 2027 ويتوقعون أن المخاطر القريبة الأجل هي في الاتجاه الصعودي.

في مؤتمره الصحافي الذي أعقب قرار سعر الفائدة في 18 ديسمبر، شبّه الرئيس جيروم باول الموقف بـ«القيادة في ليلة ضبابية أو الدخول إلى غرفة مظلمة مليئة بالأثاث. عليك فقط أن تبطئ».

يعكس هذا البيان عقلية المشاركين في الاجتماع، الذين لاحظ العديد منهم أن «الدرجة العالية الحالية من عدم اليقين تجعل من المناسب للجنة أن تتخذ نهجاً تدريجياً مع تحركها نحو موقف سياسي محايد»، وفقاً للمحضر.

أظهر «الرسم البياني النقطي» لتوقعات الأعضاء الفرديين خفض أسعار الفائدة مرتين أخريين في عام 2026 وربما مرة أو مرتين أخريين بعد ذلك، مما يؤدي في النهاية إلى خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في الأمد البعيد إلى 3 في المائة.