مينو رايولا... حلم اللاعبين وكابوس المدربين

في صباح أحد الأيام في أواخر عام 1992، وفي ملعب التدريب القديم بنادي أياكس أمستردام الهولندي، وصل اللاعب الهولندي السابق بريان روي لكي يودع زملاءه في الفريق. وبعد أربع سنوات من اللعب مع أياكس أمستردام، كان روي في طريقه للانضمام إلى فوجيا الإيطالي في أول صفقة من الصفقات العديدة التي أشرف مينو رايولا على إتمامها بين أندية كرة القدم. وفي الليلة السابقة لهذا اليوم، عندما كان أياكس أمستردام يلعب أمام فينورد، رفع أحد أنصار الفريق لافتة مكتوب عليها بخط اليد: «شكراً بريان».
لكن لم يكن جمهور كرة القدم يعبر دائماً عن امتنانه لرحيل أحد اللاعبين الذين يعمل معهم رايولا كوكيل أعمال. وخلال الصيف الحالي، واعتماداً على الكيفية التي تسير بها الأمور، من غير المرجح أن يودع جمهور مانشستر يونايتد، نجم خط وسط الفريق بول بوغبا، بتمنيات حارة عند رحيله إلى ريال مدريد الإسباني أو يوفنتوس الإيطالي. وقد أصبحت الصفقة، التي يتوقع أن تصل قيمتها إلى أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني، أكثر احتمالاً، الأسبوع الماضي، عندما عبر اللاعب الفرنسي، خلال زيارة ترويجية لليابان، عن استعداده لقبول «تحدٍ جديد» بعيداً عن «أولد ترافورد». وقد يعتقد البعض أن مساعدة المدير الفني النرويجي أولي غونار سولسكاير على إنقاذ مانشستر يونايتد من وضعه المتردي في الوقت الحالي يمثل «تحدياً» لأي شخص، لكن لا يبدو أن هذا هو التحدي الذي يبحث عنه بوغبا ووكيل أعماله مينو رايولا!
ويعد رايولا شخصية مثيرة للجدل، لا سيما في مدينة مانشستر، حيث يكرهه كل من المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون (الذي وصفه ذات مرة بألفاظ نابية خلال مفاوضات وجهاً لوجه) وجوسيب غوارديولا. ويحق لرايولا أن يتفاوض نيابة عن بوغبا، نظراً لأن محكمة التحكيم الرياضية قد قبلت استئنافه ضد القرار الذي أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في مايو (أيار) الماضي بإيقافه عن جميع أنشطة كرة القدم لمدة ثلاثة أشهر. وكانت العقوبة قد فرضت في البداية من قبل الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، لكن لم يتم الكشف رسمياً عن طبيعة المخالفات المزعومة بحقه.
من ناحية أخرى، ربما يكون نادي أياكس أمستردام الهولندي ممتناً للغاية لرايولا، نظراً للدور الذي لعبه في التفاوض بشأن الوصول لمقابل مادي خرافي للمدافع الهولندي الشاب ماتييس دي ليخت، البالغ من العمر 19 عاماً. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «صنداي تايمز» في عطلة نهاية الأسبوع، فإن يوفنتوس - النادي الذي غالباً ما يبرم معه رايولا بعض الصفقات - هو الأوفر حظاً للحصول على خدمات دي ليخت مقابل 75 مليون جنيه إسترليني، مع العلم بأن العمولة التي سيحصل عليها رايولا من الصفقة كانت عاملاً حاسماً في المفاوضات.
وهناك الكثير من وكلاء اللاعبين البارزين في عالم كرة القدم - على سبيل المثال، حصل وكلاء اللاعبين على 260 مليون جنيه إسترليني من قبل أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي وحده - لكن يمكن القول بأن رايولا، البالغ من العمر 51 عاماً، يعد أحد أبرز وكلاء اللاعبين الذين أحدثوا نقلة نوعية في العلاقة بين الأندية واللاعبين. فبعد انتقاله وهو طفل من بلدة صغيرة بالقرب من نابولي إلى هارلم في هولندا، حيث كان يعمل في مطعم البيتزا المملوك للعائلة، دخل رايولا في علاقات مع اللاعبين تتجاوز اجتماعات العمل. ومنذ عامين، وبعد أن نقل بوغبا من يوفنتوس إلى مانشستر يونايتد مقابل 89 مليون جنيه إسترليني، أوضح رايولا هذا النهج في مقابلة صحافية مع سايمون كوبر من صحيفة «فاينانشال تايمز»، حيث قال عن بوغبا: «أنا لا أراه كعميل على الإطلاق، لكن في الحقيقة أجرؤ أن أقول إنه أحد أفراد العائلة».
وتقع «العائلة الكروية» لرايولا، إن جاز التعبير، في قلب اهتماماته وأنشطته خلال الصيف الحالي. ففي الوقت الذي تتحدث فيه الصحف والتقارير الإعلامية عن اهتمام كل الأندية الكبرى في العالم بدي ليخت، فهل ينضم بوغبا إلى مواطنه زين الدين زيدان في ريال مدريد من أجل تكوين فريق قوي بعد النتائج السلبية للفريق الملكي الموسم الماضي، أم يعود مرة أخرى إلى يوفنتوس، الذي فاز معه بأربعة ألقاب متتالية للدوري الإيطالي الممتاز ويشعر بأنه وطنه؟
وإذا كانت أساليبه قد جعلته مكروهاً من بعض الرجال الأقوياء في اللعبة، فإن شبكة العلاقات والاتصالات التي كونها رايولا على مدى عقود قد منحته نفوذاً كبيراً. وقبل أكثر من ربع قرن من الزمان، عزز رحيل روي من أياكس أمستردام علاقة وكيل الأعمال الشاب آنذاك مع زدينيك زيمان، المدير الفني لنادي فوجيا. وبعد ذلك بعامين، عندما انتقل زيمان إلى لاتسيو، ساعده رايولا في الحصول على خدمات بافيل نيدفيد، الذي كان مطلوباً من كبرى الأندية في أوروبا بعد الأداء الاستثنائي الذي قدمه مع منتخب جمهورية التشيك في بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 1996.
وفي عام 2001، لعب رايولا دوراً حاسماً في انتقال نيدفيد إلى يوفنتوس، الذي حصل معه على لقب أفضل لاعب في العالم. وفي عام 2004 قدم رايولا لاعباً آخر للنادي وهو النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، الذي قدم مع «السيدة العجوز» أداءً رائعاً قبل أن ينتقل إلى كل من إنتر ميلان وبرشلونة وميلان وباريس سان جيرمان ومانشستر يونايتد ولوس أنجيليس غالاكسي.
وقد وجد رايولا في إبراهيموفيتش، الذي كان في بداياته الكروية عندما التقيا سوياً في أياكس، العضو الجديد المثالي لعائلته الكروية. وقال رايولا في مقابلة لأحدث نسخة من السيرة الذاتية للاعب بعنوان «أنا كرة القدم»: «لقد أدركت على الفور أنه لاعب متعجرف - بعبارة أخرى، مثلي تماماً». وعلم رايولا، إبراهيموفيتش، كيف يتحكم في أعصابه داخل الملعب، وساعده في يوفنتوس على أن يحذو حذو نيدفيد، وأن يتدرب بكل قوة وإصرار من أجل تطوير مستواه. وقال رايولا: «الأشياء التي تعلمتها من نيدفيد نقلتها إلى زلاتان، والأشياء التي تعلمتها من زلاتان نقلتها إلى بوغبا. بول بوغبا يرى في زلاتان ما يراه في نفسه - فتى جاء من الشوارع ووصل لمكانة عالية ويمتلك مهارة كبيرة للغاية، وأدرك أنه يتعين عليه دائماً أن يعمل من أجل تحقيق الفوز».
لكن لم يظهر بوغبا هذا القدر من الالتزام والعمل الجاد في المراحل الأخيرة من الموسم الماضي مع مانشستر يونايتد. لكن هناك اختلافات بين اللاعبين. لكن الفشل الرئيسي لرايولا يتمثل في لاعب آخر جاء من الشوارع، ووصل لمكانة كبيرة ويمتلك مقومات وفنيات كبيرة، لكنه للأسف لم يجعل كرة القدم همه الأول والأخير وتعامل معها على أنها شيء ثانوي في حياته، وهو اللاعب الإيطالي ماريو بالوتيللي. لكن الشيء المؤكد هو أن بالوتيللي وبوغبا ودي ليخت وإبراهيموفيتش يعتمدون بشكل كامل على رايولا. أما بالنسبة لرايولا نفسه، فيعد هذا صيفاً آخر للتحرك بقوة في سوق انتقالات اللاعبين، واكتشاف نقاط الضعف التي يمكنه استغلالها على النحو الأمثل لتحقيق أفضل عائد ممكن.