زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون

بعد 25 شهراً من دخوله قصر الإليزيه

زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون
TT

زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون

زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون

قبل 25 شهراً، وصل إيمانويل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية. وفي حينه، اعتبر المراقبون ما حدث «زلزالاً» سياسيا هز فرنسا، ذلك أن وزيراً سابقاً شاباً دون سن الأربعين من عمره، لا يدعمه حزب سياسي بل «حركة» حديثة العهد، تضم خليطاً من اليمين واليسار، نجح في تهميش الحزبين الرئيسيين في البلاد. لقد تمكّن ماكرون وحركته الوليدة يومذاك من إلحاق الهزيمة بحزب «الجمهوريون» - وريث الديغولية التاريخية - والحزب الاشتراكي اللذين تعاقبا على حكم فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة على يدي الجنرال شارل ديغول في العام 1958. ونشير إلى أن الحزب الأول أعطاها خمسة رؤساء هم ديغول وجورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك، والثاني أعطاها رئيسين هما فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند.
ولكن، ها هو الرئيس الجديد يعلن أنه لا ينتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار. ويقول بأن ما يريده حقيقة هو إجراء إصلاحات جذرية للمجتمع الفرنسي وإطلاق اقتصاده من عقاله، وهو ما عجز سابقوه إلى قصر الإليزيه عن القيام به... إما لقصور في الرؤية أو للتحجر الإيديولوجي أو، أخيراً، للخوف من النتائج والتداعيات.
ما وعد به إيمانويل ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية التي حملته إلى الإليزيه قبل سنتين سارع إلى وضعه موضع التنفيذ بعد فوزه المفاجئ بالرئاسة. إذ شكل حكومة مختلطة سياسيا، وأدخل «المجتمع المدني» إلى مجلس الوزراء وإلى «الجمعية الوطنية» (البرلمان) بالتساوي بين الجنسين، وراهن على عنصر الشباب.
ومن ثم، حصل على أكثرية برلمانية ساحقة، ولجأ خلال الأشهر الأولى من حكمه إلى المراسيم التي تعفيه من المرور بالدورة التشريعية التقليدية، وفرض أسلوب الحكم «العامودي» الذي يوفّره دستور «الجمهورية الخامسة» لرئيس الجمهورية وأبدى «سطوة» في إدارة شؤون البلاد.
وتوالت الإصلاحات التي وعد الرئيس الشاب بها الفرنسيين بسرعة عالية: قانون العمل، والشفافية، والرعاية الاجتماعية، والنقلة البيئوية، وإلغاء الضريبة على الثروة وإصلاح النظام الضريبي، والنظام التعليمي، والصحّة، والضريبة على الشركات الرقمية الكبرى، وقانون المحافظة على الأمن، واللامركزية الإدارية...
كل ذلك أعطى انطباعاً بأن الرئيس الجديد، الذي لا ينام إلا ساعات قليلة، لا يترك وزراءه ومستشاريه يرتاحون إلا لماماً، وأنه يتمتّع بدينامية وإرادة تميّزانه عن غيره من الطاقم السياسي.

البُعد الأوروبي
كما جاء ماكرون إلى السلطة حاملاً مشروعاً إصلاحيا على الصعيد الداخلي، كذلك تأبط مشروعاً إصلاحيا للاتحاد الأوروبي. وهو في ذلك لم يغشّ أحداً، بل أبرز قناعاته الأوروبية ورغبته في دفع «القارة القديمة» إلى مزيد من الاندماج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي حتى لا تبقى رهينة للخارج. وكان رهانه على التعاون مع ألمانيا، وهنا ربما دغدغ مخيلته حلم الاستفادة من تراجع شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب أزمات الهجرة وأيضاً انشغال بريطانيا بالخروج من الاتحاد، ليفرض نفسه زعيماً أوروبياً... ومحاوراً ندّاً لقادة القوى العظمى الثلاث الولايات المتحدة والصين وروسيا. ولعله نجح في ذلك إلى حد بعيد.
بيد أن الأهم من ذلك كله - على الصعيد الداخلي - أن ماكرون، بوصوله إلى الرئاسة، همّش بالطبع الحزبين الرئيسيين... بل إنه أصاب من الحزب الاشتراكي مقتلا.
هذا الرئيس كان قد جاء إلى السياسة بفضل الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي عيّنه بداية مستشاراً اقتصاديا، ثم مساعدا لأمين عام الرئاسة... فوزيرا للاقتصاد، لكنه - أي ماكرون - لم يتردّد في الترشح ضد «معلّمه» وتهميش حزبه الذي كان يسيطر على الرئاسة والبرلمان ومفاصل الإدارة جميعاً.

انهيار الحزب الاشتراكي
حقاً، حضور الحزب الاشتراكي، بعد خمس سنوات من رئاسة هولاند، تقلّص إلى درجة أن مرشحه الرسمي للرئاسة بونوا هامون حل في المرتبة الخامسة في انتخابات الرئاسة حاصلاً على نسبة 6.36 في المائة من الأصوات. ورغم الجهود التي بذلها «كوادر» الحزب لإنعاشه وتنشيطه فإنه بقي رميماً... والدليل على ذلك أنه في الانتخابات الأوروبية الأخيرة حلّ في المرتبة السادسة ولم يحصل إلا على نسبة 6 في المائة من الأصوات. وخلاصة المحللين السياسيين أن الاشتراكيين دخلوا مرحلة «الموت السريري» وما عاد أحد يحسب لهم حساباً. وبين مَن التحق بحزب ماكرون الناشئ الوسطي «الجمهورية إلى الأمام» أو بحركة جان لوك ميلونشون «فرنسا المتمرّدة» اليسارية ومَن ترك السياسة، سيكون من الصعوبة بمكان على هذا الحزب التاريخي العودة إلى الصف الأمامي في المستقبل المنظور.
كان وأد الحزب الاشتراكي أحد معالم الزلزال السياسي الأول الذي تسبب به بروز ماكرون على المسرح السياسي وانتخابه رئيسا. وكانت ارتداداته تُنبئ عن قرب حصول زلزال جديد يقضي على الإرث السابق ويؤسّس لمسرح سياسي مختلف تماماً عمّا ألفه الفرنسيون خلال السنوات الـ60 المنقضية. ولعل أبرز ظاهرة تنم عن ذلك أن اليمين المتطرّف ممثلاً بمرشحته مارين لوبن، ابنة مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي جان ماري لو بن، كانت منافسة ماكرون في الدورة الانتخابية الثانية الحاسمة من معركة الرئاسة. وهو ما أسس لـ«ثنائية» صورتها على الشكل التالي: قوتان سياسيتان رئيسيتان، في الجانب الأول قوة وسطية تجمع اليمين واليسار، ليبرالية، أوروبية وإصلاحية. وفي الجانب الآخر، قوة من اليمين المتطرّف الرافض للاندماج الأوروبي والساعي إلى استقطاب اليمين الكلاسيكي سياسيين وحزبيين والملتزم بأقصى المواقف إزاء الهجرات والإسلام.

اليمين المعتدل
و«السترات الصفراء»
إرهاصات هذه الصورة بدأت، في الواقع، بالظهور مع الانتخابات الرئاسية. إلا أن اليمين الكلاسيكي - أو المعتدل - ممثلاً بـ«الجمهوريون» لم يكن قد اندثر بعد على غرار الحزب الاشتراكي، منافسه السابق. ذلك أن فرنسوا فيّون، مرشحه الرئاسي ورئيس الوزراء الأسبق، رغم صعوباته وفضائحه، كان على مسافة نقطة واحدة من مارين لو بن جامعاً ما يزيد على 20 في المائة من الأصوات. وإذا كان صحيحاً أن مجموعة من نوابه التحقت بماكرون وأن الأخير اختار رئيس حكومته (إدوار فيليب) وعدداً من أبرز وزرائه (الاقتصاد والمالية...) من صفوفه لشقّها ولإضعافه، إلا أن نواة صلبة بقيت متمسّكة به. ولقد عمل رئيس الحزب الجديد، لوران فوكييه، الذي نُظر إليه على أنه «الرجل المنقذ» على إعادة إحياء شعلة الحزب ومنع النزيف الذي يعاني منه معوّلاً على الصعوبات التي يواجهها ماكرون وعلى تضعضع أكثريته.
وبالفعل، كثيرون نظروا إلى الحركة الاحتجاجية المُسمّاة «السترات الصفراء» على أنها «نقمة» لماكرون و«نعمة» لمعارضيه، وعلى رأسهم حزب «الجمهوريون» الذي عوّل عليها للاستفادة من الضعف السياسي الذي ألمّ بالسلطات وبماكرون شخصياً، وراهن على استغلالها من أجل إعادة شد عصب مناصريه.
والحقيقة أن الأشهر الستّة التي شهدت أعمال عنف استثنائية في العاصمة باريس والعديد من المدن الفرنسية، سبتاً بعد سبت وتعبئة وراء تعبئة، نسفت هيبة الرئيس الفرنسي وكادت أن تطيح به وبحكومته.
إلا أنه نجح، من خلال «التنازلات» التي قدّمها للمحتجين، ومن خلال ابتداعه ما سمّاه «الحوار الوطني الكبير» للتعرّف على ما يريده المواطنون... وأخيرا من خلال الخلاصات والإصلاحات التي قرّرها وطلب من الحكومة وضعها موضع التنفيذ، في أن يحد من خسائره السياسية ويطفئ جذوة الحركة التي تلاشت من ذاتها، مع أن بضعة آلاف من المتظاهرين ما زالوا ينزلون إلى الشوارع للتذكير بوجودهم كل يوم سبت.

امتحان الانتخابات الأوروبية
كان السواد الأعظم من المراقبين في فرنسا ينتظر الانتخابات الأوروبية لتبيان ميزان القوى السياسي الحقيقي في البلاد، وليرى ما إذا كان ماكرون سيقع أرضاً، وإذا كانت الانتخابات الأوروبية ستشكّل نتائجها معاقبة له وللسياسات التي اتّبعها خلال أكثر من سنتين... والتي وصفت بأنها كانت لحساب الأثرياء ورجال الأعمال والشركات وعلى حساب الطبقتين الوسطى والشعبية.
وخلال الأشهر الستة المنقضية كانت هذه المعالم القضايا الرئيسية التي رفع المتظاهرون لواءها مطالبين بسياسة مختلفة تقدّم العمل على رأس المال وعلى أصحاب الأسهم في الشركات. وما أثار شهية الأحزاب أن ماكرون جعل من الانتخابات الأوروبية «معياراً» ليس فقط داخلياً، وإنما أيضا أوروبياً، لأنه نصّب نفسه «مدافعاً» عن أوروبا وممثّلاً لمعسكر «التقدميين» في مواجهة «غلاة القومية». والخلاصة أن الأحزاب التقليدية، التي أصيبت بكبوة في الانتخابات الرئاسية، كانت تعوّل على الانتخابات الأوروبية للنهوض من كبوتها ولتوفير انطلاقة جديدة.
غير أن نتائج الانتخابات الأوروبية جاءت مخيبة لآمال هؤلاء.
صحيح أن حزب الرئيس الفرنسي «الجمهورية إلى الأمام» لم يحلّ في المرتبة الأولى، إلا أنه لم يُصبْ بنكسة... لا بل اعتبر ماكرون أن نتائج لائحة حزبه، التي أسندت قيادتها إلى وزيرة الشؤون الأوروبية السابقة ناتالي لوازو، حققت «نتائج مشرّفة». وبالأرقام، فإنها حصلت على نسبة 22.41 في المائة في حين حلت لائحة «التجمع الوطني» لليمين المتطرّف في المرتبة الأولى بحصولها على 23.31 في المائة.

ثلاث علامات فارقة
ثلاث علامات فارقة يتعين التوقّف عندها، والتي تبين اليوم صورة المشهد السياسي الفرنسي وما يحبل به من إرهاصات وتحوّلات للمستقبل.
تبين العلامة الأولى أن الخارطة السياسية الفرنسية التقليدية قد اندثرت إلى غير رجعة. وبعد الزلزال السياسي الأول الذي أطاح بالحزب الاشتراكي وهزّ أركان اليمين الكلاسيكي، جاء الزلزال الثاني ليبيّن أن اليمين الوسطي قد يكون أيضاً في طريق الانحدار... وربما الزوال. والدليل على ذلك أن لائحته في الانتخابات الأوروبية حلت في المرتبة الرابعة ولم تحصل إلا على 8.48 في المائة من الأصوات، أي أقل من نصف ما حصل عليه فيون في الدورة الرئاسية الأولى. والتفسير السياسي لهذا النزيف أن ناخبي اليمين الكلاسيكي قد هجروه، وانتقل المعتدلون منهم إلى الحزب الرئاسي بينما شدّ المتشددون رحالهم باتجاه حزب مارين لو بن. وهذه النتيجة بدأت تظهر آثارها لجهة التحضير للانتخابات البلدية المقرّر أن تجرى في العام المقبل. وليس أدلّ على ذلك أن رؤساء بلديات من حزب «الجمهوريون» حملوا حقائبهم ونزحوا باتجاه حزب «الجمهورية إلى الأمام» الماكروني متخوفين من زلزال ثالث يطيح بهم وبمناصبهم التي اعتادوا عليها منذ سنوات. وأخيراً، وقّع 60 رئيس بلدية بياناً يفسرون فيه الأسباب التي دعتهم إلى هجر حزبهم واختيار حزب آخر.
وتبيّن العلامة الثانية في صيغتها الحالية، والمؤهلة لأن تدوم لسنوات، وجود «ثنائية» حزبية قوامها من جهة الحزب الرئاسي ومن جهة ثانية اليميني المتطرّف حزب «التجمع الوطني» بقيادة لو بن. وثمة من يقول إن هذه الصيغة تلائم ماكرون تماماً، فهو بعدما «فجّر» الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية، ها هو اليوم يقضي على منافسه الأخطر أي حزب «الجمهوريون»... وبذا يكون قد أحلّ ثنائية جديدة محل الثنائية القطبية التقليدية. وعندما يقال إن الصيغة الجديدة تلائم ماكرون، فإن المقصود بذلك أنها تخدم طموحاته الرئاسية.
ألم يقل ماكرون في أكثر من مقابلة صحافية بأن انتخابه رئيساً في فرنسا «وضع حداً» لتقدم اليمين المتطرف في أوروبا؟ وبالتالي، فإنه من المشروع اعتبار أنه يرى لنفسه «رسالة» عليه أن ينفذ مضمونها، ألا وهو الوقوف بوجه اليمين المتطرف في بلاده أولاً... وعلى المستوى الأوروبي ثانياً.

الفرنسيون أمام خيار: ماكرون أو لوبن
> يجمع المحللون السياسيون اليوم على أن خصم الرئيس إيمانويل ماكرون المرجح جدا في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستحل في العام 2022 ستكون زعيمة اليمين المتطرف مارين لو بن. ذلك أن المشهد السياسي يظهر أن الحزبين «الكلاسيكيين» (الديغولي والاشتراكي) لن يعودا إلى سابق عهدهما إلا بعد مرور سنوات طويلة وربما بحلة جديدة.
فضلا عن ذلك، فإن الخطر الذي كان يمثله جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا المتمرّدة» اليساري المتشدد الذي حصل على نحو 20 في المائة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونجح في الوصول مع مجموعة من نوابه إلى الندوة البرلمانية، تراجع وهجه خلال الأشهر الماضية. فهو من جهة، لم يستطع أن يفرض نفسه «معارضاً أول» للرئيس الحالي، كما كان يطمح لذلك. ويضاف إلى ما سبق وجود نزاعات إيديولوجية وسياسية داخل الحركة التي نجحت في وقت ما بتهميش الحزب الشيوعي والحركات اليسارية الأكثر تطرفاً. بيد أن الانتخابات الأوروبية الأخيرة كشفت عن تراجعها ونزولها دون حاجز الـ10 في المائة. ولاكتمال الصورة من المفيد الإشارة إلى أن ميلونشون يعاني - وحزبه - من مشاكل مع القضاء، الأمر الذي شوّه صورته لدى الرأي العام وعرقل صعوده السياسي.
هكذا، لم يبقَ في ميدان التنافس مع ماكرون - كما تشي بذلك صورة الوضع السياسي الفرنسي - سوى مارين لو بن. والحقيقة أن الرئيس الحالي فعل كل ما كان في مقدوره كي تغدو الأمور على هذه الصورة. لقد أوجد بينه وبين لو بن الفراغ. وهذا الوضع يُريحه رغم أن حزب مارين لو بن احتل المرتبة الأولى في الانتخابات الأوروبية.
ويرى المحللون أن هذه «الثنائية» سيكون لها أثرها على التموضعات السياسية في غضون الأشهر المقبلة، ولذا نرى أن شخصيات من اليمين والوسط تلتحق بالركب الماكروني كونها راغبة في الحفاظ على مواقعها. وفي المقابل، ثمة من يجد أن لديه قرابة فكرية محافظة أو إيديولوجية يمينية مع حزب لو بن الذي يرى البعض أن صورته ما عادت تتطابق تماماً مع صورة الحزب النازي الفاشي. والقصد أن «التجمع الوطني» بات – كما يعتقد هؤلاء اليوم – حزباً يمينياً «عاديا» ولم يعد من المخجل في فرنسا ادعاء الانتماء إليه. لكن رغم ذلك كله، فإن الرأي السائد أن فرنسا ما زالت غير متقبلة لفكرة إيصال ابنة جان ماري لو بن إلى رئاسة الجمهورية. ومن ثم، في الدورة الثانية من أي منافسة رئاسية، سيميل الميزان لصالح منافس لو بن، أي إيمانويل ماكرون الذي عادت شعبيته إلى الارتفاع - خصوصاً لدى اليمين – بعدما صارت أزمة «السترات الصفراء» وراءه... وعاد ليطل على أوروبا وليلعب دورا على المستوى العالمي كما - على سبيل المثال - في أزمة الملف النووي الإيراني.
هل هذا السيناريو مؤكد؟
واضح أن لا شيء في السياسة نهائي، وأن حادثة ما أو قراراً خاطئاً من شأنهما تغيير المزاج الشعبي وإعادة خلط الأوراق. لكن إذا استمر ماكرون على سياسته، وعمد حقيقة إلى العمل ببرنامج الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والضريبية الذي وعد به بمناسبة استخلاص النتائج من «الحوار الوطني»، الذي دام شهرين ونصف، فإنه يتمتع بحظوظ كبيرة بأن يبقى في قصر الإليزيه حتى العام 2027.
الوضع الاقتصادي في فرنسا تحسّن، والبطالة بدأت بالتراجع والاستثمارات الخارجية تتدفق من جديد، وكلها عناصر تجير لصالحه.
أيضاً في أوروبا، ما زال ماكرون الرئيس الأكثر دينامية، رغم العداء الذي يثيره في إيطاليا والمجر وتشيكيا وغيرها. وبينما المستشارة الألمانية تتأهب لترك المسرح السياسي، ويبدو البريطانيون عاجزين عن الاتفاق على خطة للخروج من الاتحاد، عاد نجم الرئيس الفرنسي إلى اللمعان في السماء الأوروبية... وها هو يسعى لفرض شروطه بالنسبة لاختيار المسؤولين الكبار الخمسة (رئيس المجلس الأوروبي، ومدير المصرف المركزي الأوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية...)، والتخلي عن القواعد التي كان معمولا بها سابقاً... بحيث تأتي التعيينات الجديدة متناسبة مع رؤيته ومشاريعه الأوروبية.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»