باريس لتوفير إطار للتفاوض بين طهران وواشنطن

صحيفة «لوموند»: ترمب وروحاني وسّطا ماكرون في 2017 و2018 لترتيب لقاء بينهما

برايان هوك المبعوث الأميركي الخاص بإيران في السفارة الأميركية بباريس أمس ( رويترز)
برايان هوك المبعوث الأميركي الخاص بإيران في السفارة الأميركية بباريس أمس ( رويترز)
TT

باريس لتوفير إطار للتفاوض بين طهران وواشنطن

برايان هوك المبعوث الأميركي الخاص بإيران في السفارة الأميركية بباريس أمس ( رويترز)
برايان هوك المبعوث الأميركي الخاص بإيران في السفارة الأميركية بباريس أمس ( رويترز)

تدلّ التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي منذ وصوله إلى اليابان على أنه راغب في أن يلعب دور الإطفائي في الأزمة المتفاقمة بين الولايات المتحدة وإيران، وهو يعتبر أن له ما يكفي من الأوراق التي تؤهله لأن يقوم بهذا الدور، وأكثر من أي طرف آخر. وكشفت صحيفة «لوموند»، في عددها الصادر أمس، من دون ذكر مصادرها، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب طلب من إيمانويل ماكرون في عام 2017، وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن ينظم له لقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني. لكن الأخير رفض العرض. وفي العام الذي بعده، وفي المناسبة نفسها، بادر روحاني إلى طلب الالتقاء بالرئيس ترمب عبر ماكرون. لكن الرفض جاء هذه المرة من ساكن البيت الأبيض الذي اعتبر أن العقوبات التي فرضها على إيران لم تعطِ بعدُ النتائج التي يرجوها، وبالتالي فإن اللقاء مبكر.
تبين هذه المعلومة، إذا كانت دقيقة، أن ماكرون يتمتع بالصدقية لكي يلعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران. وفي تصريحاته العلنية في اليومين الأخيرين، وقبل القمة المنتظرة مع ترمب، اليوم، في أوزاكا باليابان، على هامش قمة مجموعة العشرين، تعهَّد ماكرون بأن يبذل «أقصى الجهود» لغرض «تفادي تصعيد عسكري» وحتى «لا يرتكب أي طرف ما لا يُمكن تصحيحه»، مضيفاً أنه «من الأساسي اليوم أن يعمل الجميع على خفض حدة التوتر». وبإشارته إلى «الجميع»، فإن ماكرون يساوي بمعنى ما بين الولايات المتحدة وإيران، ويحمّلهما معاً مسؤولية التوتير الحاصل في الخليج. كذلك فإن ماكرون لم يتردد في معاكسة ترمب الذي تحدث، أول من أمس (الأربعاء)، عن أي حرب مع إيران «لن تطول كثيراً» ما فُهِم على أنه تحذير لإيران، وردّ عليه ماكرون، أمس، دون أن يسميه بأنه «ليست هناك حروب قصيرة... ونعرف متى تبدأ الحرب لكننا نادراً ما نعرف متى تنتهي».
وفي السياق ذاته، دافع مجدداً عن تمسُّك بلاده مع آخرين بالاتفاق النووي الذي حذر طهران بشدة من الخروج منه، معتبراً أنه في حال حصل ذلك، فإن الأسرة الدولية «ستكون عاجزة عن متابعة نشاطات تخصيب اليورانيوم» الإيرانية.
لم يتوقف ماكرون عن تضمين تصريحاته، ومنها إلى التلفزيون الياباني «إتش إن كي»، كلاماً يخالف فيه توجهات الرئيس الأميركي وقراراته الأخيرة. وفي هذا السياق اعتبر أن «مزيداً من العقوبات (الأميركية) سيؤدي إلى مزيد من ردود الأفعال (الإيرانية)». وخلاصة الرئيس الفرنسي هي الدعوة إلى الاعتدال والأخذ بقاعدة أن «أي عودة إلى التفاوض في المستقبل يجب ألا تؤدي إلى أن يخسر (أحد الفريقين) ماء الوجه».
ولكن مقابل هذه التصريحات التي يمكن أن تفهم أنها تذهب باتجاه المواقف الإيرانية، عبّر ماكرون عن مواقف تلامس ما تقوله واشنطن وتشدد عليه.
ومن ذلك تأكيده، استناداً إلى معلومات استخبارية فرنسية، أن الطائرة المسيّرة التي أسقطتها الدفاعات الجوية الإيرانية كانت في الأجواء الدولية، وليس في الأجواء الإيرانية، بعكس ما تدعيه طهران. كذلك ذكر ماكرون بأن «الأهداف» التي تسعى إليها واشنطن «منع إيران من الحصول على السلاح النووي، ومعاودة التفاوض على برنامجها لما بعد عام 2025، وتأطير برنامجها الباليستي، ووضع حد لسياستها الإقليمية المزعزعة للاستقرار»، كما يقول: «هي الأهداف نفسها التي تريدها فرنسا، بحيث إن الاختلاف مع واشنطن يتناول الوسائل وحدها». وبذلك يكون ماكرون قد «أرضى» الطرفين وعزز موقفه كـ«وسيط» محايد. وبالطبع، فإنه يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، وتحديداً ألمانيا وبريطانيا ورئيس الوزراء الياباني وغيره من المسؤولين. ونبه ماكرون أكثر من مرة الطرف الإيراني أن الخروج من الاتفاق «سيكون خطأ كبيراً».
ويؤكد المحللون أن إقدام طهران على الخروج التدريجي من التزاماتها سيعني موت الاتفاق، والتحاق الأوروبيين بالموقف الأميركي. ودعا ماكرون إلى «إبقاء الضغط» على إيران، ولا سيما من قبل الدول الأوروبية.
إذا توافر هامش المناورة للرئيس ماكرون الذي اتصل به روحاني قبل سفره إلى اليابان، فإنه قد يكون قادراً على طرح بعض الأفكار التي من شأنها ليس إيجاد حلول لهذه المشكلة الشائقة حيث إن الأطراف الأوروبية واقعة بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني، بل «تهدئة الوضع»، ووقف السير نحو مزيد من التصعيد، وفق ما قالته مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»، على أن تكون هذه المرحلة الأولى التي ستسبقها مراحل أخرى.
ونقلت «رويترز» من اليابان أن ماكرون، خلال الرحلة التي أقلته بالقطار من طوكيو إلى مدينة كيودو اليابانية، أعلن أنه «يتطلع إلى إقناع ترمب بأن استئناف العملية التفاوضية يصب في مصلحته، وبالتراجع عن بعض العقوبات لإعطاء فرصة للتفاوض». وأضاف ماكرون أن قبوله اقتراحه يعني «أننا سنمنح أنفسنا بضعة أشهر لتحديد أطر التفاوض». وإذا صح الخبر الذي نُقِل، أمس، من فيينا، وقوامه أن تهديد إيران بتخطي سقف الـ300 كلغ من اليورانيوم ضعيف التخصيب، وهو ما يمنحه إياها الاتفاق النووي، لم يبدأ العمل بتنفيذه، فهذا يمكن فهمه على أنه «إشارة تهدئة»، وورقة توفرها طهران للرئيس ماكرون، كبادرة «حسن نية».
وتعتبر المصادر الأوروبية أن الأخير يريد من طهران أن «تجمّد» أو تؤخّر تنفيذ تهديداتها بالانتقال بالتخصيب إلى ما فوق نسبة الـ3.67 في المائة وإعادة العمل بمصنع «آراك» للمياه الثقيلة وهو الإنذار الذي سبق لها أن وجهته إلى الأوروبيين الذين تتهمهم بعدم تنفيذ الوعود التي أغدقوها على إيران.
من هنا، فإن لقاء ترمب - ماكرون اليوم ستكون له تداعياته على المواجهة الأميركية - الإيرانية، وسيبين ما إذا كان هناك سبيل للتوسط بينهما، أم أن الأمور خارجة عن أي وساطة.
وفي سياق موازٍ، عقد في باريس، أمس، اجتماع ضمّ برايان هوك، المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، ومسؤولين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لبحث الأزمة مع إيران، وتداعياتها، خصوصاً لإطلاع الدول الأوروبية الثلاث على المواقف الأميركية.
وأفاد هوك بأن الإدارة الأميركية «تسعى من شهور لفتح باب التفاوض مع المسؤولين الإيرانيين، ولكن أياً منهم لم يقبل العرض الأميركي». وفي موضوع إسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية، والاعتداءات التي حصلت على البواخر في الخليج، رأى هوك أنه «لا أحد» يزيح مسؤولية هذه الأعمال عن إيران. ومتحدثاً عن جولة الوزير بومبيو الخليجية، قال هوك إن كثيراً من الدول طلب توفير الحماية للمرات البحرية الحيوية لسيلان النفط. ومن وجهة النظر الأميركية، فإن هذه المسؤولية عالمية، ويجب أن يكون الجهد عالمياً.
وقال هوك لوكالة «رويترز» إن سياسة بلاده التي تقضي بممارسة أقصى ضغوط اقتصادية على طهران تؤتي ثمارها، وحذر من أن العقوبات الأميركية لا تمنح إيران الحق في مخالفة التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.
وقال هوك: «نحن ملتزمون بتلك السياسة التي تضع أقصى ضغوط اقتصادية لأنها ناجحة. إنها تحرم النظام من مستويات عائدات تاريخية».



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.