سنوات السينما; Black Orpheus

Black Orpheus «أورفيوس الأسود»
Black Orpheus «أورفيوس الأسود»
TT

سنوات السينما; Black Orpheus

Black Orpheus «أورفيوس الأسود»
Black Orpheus «أورفيوس الأسود»

Black Orpheus
(1959)
مرسيل كامو في البرازيل

إذا أخذنا بعين الاعتبار التقدير الواسع الذي حققه فيلم المخرج الفرنسي مرسيل كامو «أورفيوس الأسود» عندما انطلق هذا الفيلم للعروض والجوائز التي نالها (بدءاً من السعفة الذهبية لمهرجان كان سنة 1959) فإن الفيلم يبدو اليوم - وشوهد حديثاً - وقد فقد الكثير من مكانته الفنية. كذلك نضحت مواقفه التي كانت مقبولة في تلك الآونة بما قد يمكن تفسيره بمواقف تحمل تعالياً عنصرياً. لذلك الحكم عليه يجب أن ينتمي إلى تلك الحقبة مع الأخذ بعين الاعتبار بالتجاعيد التي ظهرت على محياه ولم تظهر على محيا عشرات الأفلام الأخرى من الفترة ذاتها أو قبل ذلك.
على هذا، الفيلم واحد من كلاسيكيات السينما الفرنسية وأحد أهم أفلام المخرج مرسيل كامو الذي أنجز حفنة من الأفلام فقط (11 فيلما) معظمها دار في بلدان خارج فرنسا مثل أميركا («رجل نيويورك») وفيتنام («لاجئ في سايغون»). هذا الفيلم اختار له مدينة ريو ديجنيرو في البرازيل وأنجز أوسكار أفضل فيلم أجنبي في سنة 1960.
تقع الأحداث على رحى يومين. اليوم الأول هو يوم الاستعداد للكارنفال في أزقة ريو ديجنيرو. الثاني هو يوم الكرنفال نفسه. والفيلم يبدأ ببعض شخصياته وسط عشرات البشر الذين يستعدون لحفل الكارنڤال بالضرب على الطبول وبالغناء وبالرقص أو بكل هذه الأعمال معاً. في هذا الجو التقى الشاب أورفيوس (برينو ميلو) بالفتاة المراهقة يوريديس (ماربيسا دون) والاثنان وقعا في الحب من النظرة الأولى. المشكلة هي أن هناك فتاة أخرى غارقة في حب أورفيوس وتريد الزواج منه. على مدى يومين، وإلى جانب كل هذا الرهج والضوضاء، تحيط الكاميرا بهذه الشخصيات وسواها على نحو مبهج وفي الوقت ذاته متأثر بالنص المسرحي. وما يبدأ مبهجاً وبريئاً من الشوائب ينتهي في إطار مأساة عاطفية وإن كان الفيلم يتحاشى السقوط في الميلودراما ويوفر لحظات مؤثرة في مشاهده النهائية.
كامو بذلك بقي أمينا للنص المسرحي، وفي الوقت نفسه، خارجاً عن قواعده وهذا عبر مشاهد تسبح فيها الكاميرا في كل اتجاه وتثري ما يتحول، بعد نصف الساعة الأولى وقبل نصف الساعة الأخيرة، منهجاً روتينياً. تلك المنطقة الوسط من الفيلم فيها استرسال غير محمود العواقب وقدر من تكرار التصاميم العامة للمشاهد (أزقة المدينة، الأجواء، سلوك الشخصيات والرقص والغناء) بحيث تخفت درجة حرارة الفيلم وإن بقي المشاهد على صلة بلب الأحداث ومأخوذاً بسلاسة السرد والانتقال بين المشاهد.
في ثلث الساعة الأخير ينشغل المخرج بتصاميم مشاهد بديعة. يوريديس تحاول الفرار من قاتل مقنع بلباس هيكل عظمي (ضمن تقاليد الكرنڤال) كانت تعلم أنه جاء من القرية لقتلها. حين يكتشف أورفيو مقتلها ينتحر بدوره وبذلك تُصاغ تلك التراجيديا التي ذكر كامو حينها أنها مستوحاة من تراجيديا إغريقية.
هذا المصدر ملموس في مناطق دون أخرى فالسائد هو فيلم بدا حينها خرقاً للمعتاد: راقصون وراقصات وموسيقى سامبا ممتزجة بالإيقاع الأفريقي وفرح عارم ومواقف عاطفية تحمل شتّى أنواع المشاعر المبهجة منها والحزينة.
لكن ما يتبدّى اليوم يضع الفيلم تحت مجهر مختلف. البرازيليون السود لا يكترثون لفقرهم ولا يوجد في الفيلم أي خط خلفي يشي بالوضع الاجتماعي. المواطنون الأوروبيون (برتغاليو الأصل) هم في غاية الطيبة وعلى قدر مختلف من الفهم والإدراك. ثم هناك تلك العين السياحية للتقاليد التي يريدها أن تبقى كذلك. بالتالي، الحب والغيرة والمشاعر العاطفية الأخرى تبقى سطحية. كذلك أداء ممثلين يجيدون الحركة أكثر من صدق التعابير.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.