قائد الجيش الجزائري ينفي أي طموح له في الحكم

إدارة السجن ترفض علاج أويحيى ومدين في عيادات خارجية

TT

قائد الجيش الجزائري ينفي أي طموح له في الحكم

نفى الجنرال قايد صالح، قائد الجيش الجزائري، ما يشاع عن «طموح لديه في السلطة»، وذلك بالنظر إلى النفوذ الذي بات يتمتع به منذ أن عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مطلع أبريل (نيسان) الماضي.
في غضون ذلك؛ يواجه رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ومدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين، متاعب صحية في سجنهما، بحسب مقربين ومحامين يدافعون عنهما، طالبوا بنقلهما إلى المستشفى للعلاج.
وصرح ميلود إبراهيمي، محامي مدين الشهير بـ«الجنرال توفيق»، لصحافيين بأن موكله الموجود بالسجن العسكري منذ 4 مايو (أيار) الماضي «يعاني من أمراض، وصحته تتدهور يوماً بعد يوماً»، مشيراً إلى أنه طلب من وزارة العدل الترخيص بنقله إلى مستشفى حكومي ليعالج؛ «غير أنها رفضت»، وموضحاً أن «كثيراً من السجناء يتابعون العلاج بأجنحة خاصة بهم داخل المستشفيات، عندما لا تتوفر وسائل التطبيب بالعيادات داخل المؤسسات العقابية».
وأكد إبراهيمي أن محمد مدين تعرض لكسور في الكتف بعد أن سقط بالسجن العسكري؛ «وازدادت إصابته تعقيداً لأنه لم يتلق الرعاية اللازمة، وأثّر ذلك على حالة صحية كانت أصلاً سيئة قبل أن يدخل السجن». كما أوضح المحامي الشهير في القضايا الجنائية أنه قدم طلباً لقاضي التحقيق العسكري بخصوص الإفراج عن مدين إلى غاية تحديد موعد للمحاكمة. لكنه لم يتلق رداً، حسب تصريحه.
وتم إيداع «توفيق»؛ (79 سنة)، السجن برفقة السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، واللواء عثمان طرطاق مدير سابق للمخابرات، ولويزة حنون مرشحة رئاسية 2014، بتهمتي «التآمر على سلطة الدولة»، و«المس بسلطة الجيش»، وهم يوجدون حالياً بالسجن العسكري في البليدة جنوب العاصمة.
وترتبط وقائع هذه القضية باجتماعات عقدها الأشخاص الأربعة في نهاية مارس (آذار) الماضي، لبحث تطورات الحراك الشعبي الذي كان في بدايته. وبحسب قيادة الجيش، فقد أطلق هؤلاء الأربعة مساعي لعزل الجنرال صالح، وهي خطيئة لا تغتفر بالنسبة له، وقد تناولها في كثير من خطاباته، التي وصف فيها خصومه بـ«العصابة».
وبثت فضائية «الشروق نيوز» الجزائرية خبراً مفاده بأن إدارة سجن الحراش بالضاحية الجنوبية للعاصمة رفضت طلب أويحيى بنقله إلى عيادة خارجية للعلاج من أمراض يعاني منها. وقال قياديون بحزب أويحيى (التجمع الوطني الديمقراطي) لـ«الشرق الأوسط» إن زوجته تسعى للقاء وزير العدل لتضع بين يديه ملف أويحيى الطبي، بهدف إقناعه بأن علاجه بعيادة المستشفى غير ممكن.
ويتابع أويحيى بتهم كثيرة تخص الفساد، وتتعلق بفترة رئاسته الحكومة. وترتبط الوقائع برجال أعمال مسجونين، كوّنوا ثروة كبيرة بفضل استغلال أويحيى نفوذه بصفته مسؤولاً بارزاً في الدولة. ويوجد في السجن نفسه أيضاً رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال، ووزير التجارة السابق عمارة بن يونس، بناء على التهم والوقائع نفسها.
من جهة أخرى وبمناسبة زيارته «الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة»، قال رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، أمس، إن «الحملات الدنيئة والمتكررة، التي ما فتئت تتعرض لها قيادة الجيش الوطني الشعبي، مع كل خطوة صادقة ومدروسة تخطوها بكل وعي وإدراك وبعد نظر، هي حملات عقيمة، ونتائجها معدومة، لأن أهدافها أصبحت مفضوحة ونواياها مكشوفة». وكان يقصد بذلك انتقادات حادة يتعرض لها منذ أسبوع، بسبب حملة اعتقال أمر بها، طالت رافعي رايات الأمازيغ في مظاهرات الجمعة الماضي.
وهاجم صالح منتقديه، فوصفهم بـ«الأبواق الناعقة، الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب، واعتقدوا أنه بإمكانهم الاستثمار في أزمة الجزائر والاستفادة، بل الارتزاق، من جهدهم العميل، وقد نسوا أو تناسوا أن للجزائر قدرات بشرية سليمة العقل والتفكير، ووطنية من حيث تحليل الأوضاع».
ويعاب على قائد الجيش أنه «يبحث عن كرسي الرئاسة» بعد أن تحكم في السلطة. وفي هذا الصدد أكد أمس مجدداً ألا طموح له في الحكم. وقال موضحاً: «طموحنا هو المرافقة الصادقة للشعب الأصيل لبلوغ أعتاب الشرعية الدستورية».
وعلق المحلل السياسي نجيب بلحيمر على تصريحات صالح قائلاً: «بعد 4 أشهر (منذ انطلاق المظاهرات) من الإصرار على التمسك بالشرعية الدستورية، صرنا بحاجة إلى مرافقة لبلوغ أعتابها! سيتعب خبراء تأويل خطابات قايد صالح، وسيضحون بما بقي لهم من حياء لتفسير هذه الجواهر».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.