أزمة جورجيا وروسيا تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية

TT

أزمة جورجيا وروسيا تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية

ألقت الأزمة السياسية بين روسيا وجارتها جمهورية جورجيا (السوفياتية سابقاً) بظلالها على التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأثّرت بصورة خاصة على عمل قطاع السياحة الجورجي، الذي فقد نحو مليون ونصف المليون سائح روسي كانوا يخططون للاستجمام في جورجيا هذا العام. كما أثّرت الأزمة الحالية بدرجة أقل على عمل شركات النقل الجوي والسياحة الروسية، حين وجدت نفسها مضطرة لإلغاء حجوزات مئات آلاف السياح الروس الذين خططوا لقضاء عطلة الصيف في المنتجعات الجورجية. ويخشى مراقبون من احتمال فرض حظر روسي على استيراد المنتجات الجورجية، لا سيما بعض السلع الغذائية، من قائمة صادرات جورجيا التقليدية لأسواق الجمهوريات السوفياتية السابقة، مثل المياه المعدنية والنبيذ، وبعض أنواع الخضراوات والفاكهة.
تفجرت الأزمة الجديدة بين جورجيا وروسيا خلال اجتماع «الجمعية البرلمانية الأرثوذكسية» مساء 20 يونيو (حزيران) الحالي، في قاعة البرلمان الجورجي؛ إذ أثار جلوس برلماني روسي على مقعد رئيس البرلمان الجورجي استياء المعارضة الجورجية. وتظاهر الآلاف أمام مبنى البرلمان مطالبين بطرد الوفد الروسي المشارك. أثار هذا الوضع غضب موسكو، وفي أول رد فعل، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بحظر رحلات شركات الطيران الروسية إلى جورجيا، ومن ثم أعلن عن قرار آخر يفرض فيه حظراً على رحلات الشركات الجورجية إلى روسيا، يدخل حيز التنفيذ مطلع الشهر المقبل. والهدف من تلك القرارات معاقبة جورجيا عبر حرمانها من الدخل الذي يوفره لها تدفق السياح الروس.
في تعليقه على الحظر الروسي، أقر سيرغي كابانادزه، نائب رئيس البرلمان الجورجي، بأن قرار بوتين ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد الجورجي، وعبر عن أمله في أن يتمكن السياح الروس من الوصول إلى الأراضي الجورجية عبر دول أخرى.
من جانبها، حذرت جيورجيا كيبولادزه، مديرة «منظمة البنوك والمجتمع»، من أنه في حال تم فرض حظر تام على النقل الجوي بين البلدين، فإن خسائر الاقتصاد الجورجي قد تصل إلى ما بين 250 و300 مليون دولار، أو ما بين 8 و9 في المائة من إجمالي الدخل.
وازدادت أعداد السياح الروس في جورجيا خلال الفترة الماضية، بعد سنوات من القطيعة، على خلفية النزاع حول أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وزاد عددهم خلال العام الماضي على 1.7 مليون سائح، وفق معطيات اتحاد شركات القطاع السياحي الروسي، ليحتلوا بذلك المرتبة الثالثة بين السياح في جورجيا. وفي العام الحالي احتلوا خلال شهر مايو (أيار) الماضي المرتبة الأولى. وقالت مايا لوميدزه، المديرة التنفيذية لاتحاد الشركات السياحية الروسي، إن أعداد السياح الروس في جورجيا تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية، وكشفت عن أن ما بين 5 آلاف و7 آلاف سائح روسي يوجدون حالياً في جورجيا ضمن رحلات سياحية منظمة، فضلاً عن ضعف هذا العدد من السياح الروس الذين وصلوا إلى جورجيا بشكل فردي، خارج إطار الرحلات المنظمة عبر الشركات السياحية، وعبرت عن قناعتها بأن حظر النقل الجوي من وإلى جورجيا سينعكس سلباً على خطط السياح الروس للموسم الحالي.
وفي تصريحات لوسائل إعلام روسية، أقر عاملون في قطاع السياحة الجورجي بأن حظر الرحلات الجوية شكل ضربة موجعة للسياحة في جورجيا. وتشير معطيات الجانب الجورجي إلى أن السياح الروس أنفقوا عام 2018 نحو 632 مليون يورو في جورجيا، مقابل إنفاق السياح من الاتحاد الأوروبي في الفترة ذاتها 279 مليون يورو، مما يعني أن التعويض عن الخسائر نتيجة توقف التدفق السياحي من روسيا يتطلب زيادة أعداد السياح من المناطق الأخرى مرتين ونصفاً. ولمواجهة هذا الوضع؛ بدأ معظم الشركات السياحية الجورجية يطرح عروضاً مغرية، منها على سبيل المثال الإقامة في فندق لمدة أسبوع مقابل 40 دولاراً فقط.
لن يمر الأمر دون خسائر لقطاع السياحة الروسي أيضاً. ومع أن معظم شركات القطاع لم يعلق بعد على القرار وتداعياته بوضوح، فقد نقل بعض الصحف الروسية عن مسؤولين في قطاع السياحة تأكيدهم أنه «لا مفر من الخسائر»، وأنها «ستكون جدية». وحسب معطيات من مصادر مفتوحة، فستضطر شركات السياحة الروسية إلى إعادة نحو 3 مليارات روبل روسي هي مبالغ قبضتها مقابل السياحة في جورجيا من أكثر من 150 ألف سائح روسي سجلوا حجوزات مبكراً للأشهر المقبلة من فصل الصيف. ولأن الشركات ملزمة بإعادة كامل المبلغ، فإنها تفقد بذلك أرباحها ضمنه. إلا إن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، التي بدأت تتعافى تدريجيا خلال السنوات الماضية، لا تقتصر على تدفق السياح الروس نحو جورجيا، فهناك تبادل تجاري بين البلدين، تشير معطيات خدمة الجمارك الروسية إلى أنه بلغ العام الماضي 1.36 مليار دولار؛ منها 396 مليون دولار قيمة الصادرات الجورجية إلى السوق الروسية. ونظراً لأن 62 في المائة من تلك الصادرات هي مواد غذائية ومنتجات زراعية، فقد عبر مراقبون روس عن خشيتهم من أن ينعكس تدهور العلاقات سياسياً بين البلدين، بصورة سلبية على مجالات تجارية أخرى.



الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)

قالت الأمم المتحدة، في وقت متأخر، يوم الخميس، إن الاقتصاد العالمي قاوم الضربات التي تعرَّض لها بسبب الصراعات والتضخم، العام الماضي، وإنه من المتوقع أن ينمو بنسبة ضعيفة تبلغ 2.8 في المائة في 2025.

وفي تقرير «الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه (2025)»، كتب خبراء اقتصاد الأمم المتحدة أن توقعاتهم الإيجابية كانت مدفوعة بتوقعات النمو القوية، وإن كانت بطيئة للصين والولايات المتحدة، والأداء القوي المتوقع للهند وإندونيسيا. ومن المتوقَّع أن يشهد الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة انتعاشاً متواضعاً، كما يقول التقرير.

وقال شانتانو موخيرجي، رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة: «نحن في فترة من النمو المستقر والضعيف. قد يبدو هذا أشبه بما كنا نقوله، العام الماضي، ولكن إذا دققنا النظر في الأمور، فستجد أن الأمور تسير على ما يرام».

ويقول التقرير إن الاقتصاد الأميركي تفوق على التوقعات، العام الماضي، بفضل إنفاق المستهلكين والقطاع العام، لكن من المتوقَّع أن يتباطأ النمو من 2.8 في المائة إلى 1.9 في المائة هذا العام.

ويشير التقرير إلى أن الصين تتوقع تباطؤ نموها القوي قليلاً من 4.9 في المائة في عام 2024 إلى 4.8 في المائة في عام 2025، وذلك بسبب انخفاض الاستهلاك وضعف قطاع العقارات الذي فشل في تعويض الاستثمار العام وقوة الصادرات. وهذا يجبر الحكومة على سن سياسات لدعم أسواق العقارات ومكافحة ديون الحكومات المحلية وتعزيز الطلب. ويشير التقرير إلى أن «تقلص عدد سكان الصين وارتفاع التوترات التجارية والتكنولوجية، إذا لم تتم معالجته، قد يقوض آفاق النمو في الأمد المتوسط».

وتوقعت الأمم المتحدة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 2.4 في المائة في عام 2024. وقالت، يوم الخميس، إن المعدل كان من المقدَّر أن يصبح أعلى، عند 2.8 في المائة، ويظل كلا الرقمين أقل من معدل 3 في المائة الذي شهده العالم قبل بدء جائحة «كوفيد - 19»، في عام 2020.

ومن المرتقب أن ينتعش النمو الأوروبي هذا العام تدريجياً، بعد أداء أضعف من المتوقع في عام 2024. ومن المتوقَّع أن تنتعش اليابان من فترات الركود والركود شبه الكامل. ومن المتوقَّع أن تقود الهند توقعات قوية لجنوب آسيا، مع توقع نمو إقليمي بنسبة 5.7 في المائة في عام 2025، و6 في المائة في عام 2026. ويشير التقرير إلى أن توقعات النمو في الهند بنسبة 6.6 في المائة لعام 2025، مدعومة بنمو قوي في الاستهلاك الخاص والاستثمار.

ويقول التقرير: «كان الحدّ من الفقر العالمي على مدى السنوات الثلاثين الماضية مدفوعاً بالأداء الاقتصادي القوي. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في آسيا؛ حيث سمح النمو الاقتصادي السريع والتحول الهيكلي لدول، مثل الصين والهند وإندونيسيا، بتحقيق تخفيف للفقر غير مسبوق من حيث الحجم والنطاق».

وقال لي جون هوا، مدير قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية: «لقد تجنَّب الاقتصاد العالمي إلى حد كبير الانكماش واسع النطاق، على الرغم من الصدمات غير المسبوقة في السنوات القليلة الماضية، وأطول فترة من التشديد النقدي في التاريخ». ومع ذلك، حذر من أن «التعافي لا يزال مدفوعاً في المقام الأول بعدد قليل من الاقتصادات الكبيرة».